للكتاب دوره المتجدد على مر العصور في ظهور وتطور الحضارات القديمة والحديثة، فمنذ اختراع النقوش والكتابة فالكتاب يتصدر المشهد الثقافي والحضاري والفكري، يؤدي دوره في نقل علوم ومعارف الحضارات القديمة والموروث الثقافي والتاريخي والفكري لشعوب الأرض على مدى الفترات التاريخية المتعاقبة، حتى أصبح الكتاب ذاكرة الشعوب بلا منازع.
وحضارتنا اليمنية سُجلت ضمن الحضارات القديمة الأولى على وجه الأرض التي استخدمت الكتابة وتميزت باللغة المسمارية القديمة، كما كان لليمنيين دورهم الرائد منذ بزوع شمس الإسلام في نشر العلوم والمعارف واحتفظت المكتبات اليمنية بالكثير من المخطوطات النادرة عبر العصور الإسلامية المختلفة.
وفي الفترة التي تعيشها بلادنا وما تشهده من عدوان يعيش الكتاب حالة من الركود النسبي، وعلى الرغم من ذلك إلاّ أن الجهات الرسمية والمؤسسات الثقافية الأهلية وعدد من دور النشر المحلية ومجموعة من الكتاب والمبدعين في بلادنا لم يألوا جهداً في إثراء المشهد الثقافي بالفعاليات والأنشطة الثقافية ورفده بالإصدارات الجديدة والاهتمام بالكتاب والحركة الأدبية والفكرية وحركة التأليف بحسب الإمكانيات المتاحة وفي ظل الظروف الراهنة.
الحفاظ على الكتاب
ويقول الأديب زيد الفقيه -وكيل الهيئة العامة للكتاب والنشر – في ورقة تم تقديمها لندوة أقيمت مؤخراً بمناسبة اليوم العالمي للكتاب بعنوان “الكتاب في ظل العدوان وآليات التصدي للحفاظ عليه”: إن العدوان على اليمن لم يقتصر ضرره على البنية التحتية للمنشآت بل وصل إلى أبعد مدى من الهمجية والغطرسة، فقد نال الكتاب من ويلات هذه الحرب قسطاً كبيراً من الضرر إذ هدم العدوان عدداً من المكتبات في كثير من المحافظات منها ما كان الضرر كلياً مثل مكتبة حجة، وعتمة، ومنها ما كان جزئياً مثل مكتبة باديب ومكتبة أبين وذمار وصعدة والحديدة وذمار ولحج وبيت الثقافة بالحديدة والمكتبة السلطانية بالمكلا ومكتبة الطفل بالمكلا وبنسب متفاوتة.
ويتابع الفقيه: وهذه الأضرار أدت إلى إغلاق المكتبات لفترات ليست بالقصيرة هروباً من ذعر الحرب، وألماً من أثر العدوان الغاشم على مقدرات شعبنا اليمني العظيم وفي كل الحالات فقد تضرر الكتاب من هذه الحرب تضرراً مباشراً وغير مباشر، أما الأضرار المباشرة فقد مثل بهدم مباني المكتبات أو تحطم شبابيكها وتشقق مبانيها نتيجة القصف المباشر والقريب منها، وأما غير المباشرة وهو الأكثر ألماً والأنكا من سابقه ويتمثل بإصابة القارئ للكتاب في مصدر عيشه وشغله في أمور يومية تعد مقومات حياته وهي في الوقت الراهن أهم من اهتمامه بالكتاب والقراءة والاعتناء بأمور الثقافة والتثقف، إذ عزف الكثير من الدارسين عن مواصلة دراساتهم الأكاديمية، وتراجعت القراءة إلى حدودها الدنيا، أما بسبب الحالة النفسية السيئة التي تركتها الحرب في نفوس الناس، أو بسبب الحالة المادية التي لم تعد قادرة على مواجهة تكاليف الدراسات الأكاديمية بعامة، والدراسات العليا بخاصة، التي لم تعد الجامعات منذ 2011م قادرة على دفع التزاماتها المقررة في العرف الأكاديمي ولا حتى الجهات الحكومية غير قادرة على دفع تلك الرسوم لمنتسبيها وأصبح الطالب هو الذي يتحمل كل تلك المصاريف على حسابه الشخصي ومن راتبه، وهو عبء إضافي عليه إلى جانب المتطلبات الدراسية.
ويضيف الفقيه: ومن كوارث الحرب على الكتاب تعطيل كل الأنشطة التي تروج للكتاب وتحتفي به ومنها معارض الكتاب الدولية والمحلية، فقد منع الكتاب اليمني من المشاركة في معارض الكتاب الدولي في البلدان التي نظمته خلال الأعوام المنصرمة من الحرب، وكذلك عدم استطاعة اليمن على تنظيم المعرض الدولي للكتاب، وكذلك المعارض المحلية التي كانت تنظم بشكل مستمر في كثير من أشهر العام الواحد في العاصمة والمحافظات.
الكتاب وسيرة الحياة
فيما يؤكد الأديب والكاتب هشام علي بن علي وكيل وزارة الثقافة لقطاع المصنفات والملكية الفكرية في ورقة له تحمل عنوان “الكتاب وقضاياه” أن الكتاب وسيلة لتعليم طويل المدى ومعرفة بالحرية المواطنة والفكر النقدي وكل هذه تعتبر أركاناً أساسية للديمقراطية، ولذلك يمكن القول ان تعليم القراءة يعتبر الدرس الأول في العملية الديمقراطية فالإنسان القارئ هو الإنسان القادر على الاختيار بصورة صحيحة، ولذا يمكن القول ان الديمقراطية والأمية لا يمكن أن تلتقيا، واللجوء إلى الصور والرموز في العملية الانتخابية لا يمكن أن يكون حلاً للمشكلة، فالإنسان القارئ وحده هو الذي يستطيع أن يختار وأن ينتخب.
ويتابع: فالقراءة ميدان مفتوح للتطور والتغيير، فقراءتنا للكتاب، أي كتاب، تختلف من زمن إلى آخر هذا هو معنى القراءات المتعددة للكتاب، تتغير قراءتنا من زمن إلى آخر، فالقراءة الثانية للكتاب هي بحث عن دلالات ومعان جديدة للكتاب وكلما تطور وعينا تتغير قراءتنا ومعرفتنا للكتاب نفسه، هذا هو الدرس الأول في الجدل، أو لنقل إن هذا الجدل يسقط على عملية القراءة، “إن المرء لا يستحم مرتين في النهر نفسه”، هكذا يقول المثل اليوناني ليعبر عن جدلية التغيير، ونحن في كل قراءة ثانية للكتاب نكتشف أفكاراً مختلفة وجديدة أو أننا نكتشف أننا نقرأ كتاباً آخر.
ويشدد بالقول: نحن نضيف ونجدد قراءتنا في كل مرة نعود فيها لقراءة الكتاب نفسه، وإننا نجد في كل صفحة من صفحات كتاب نقرأه آثار القراءة، إن كتابة الانطباعات عن هاملت عند قراءته عاماً بعد عام، يشبه كتابة القارئ سيرته الذاتية، ذلك أنه عندما تتزايد معرفتنا بالحياة باطراد، يقوم شكسبير بتزويدنا بالتعليق اللازم على معرفتنا، القراءة تجربة فريدة لاكتشاف الذات وتكرار هذه العملية في كل مرة نعيد فيها قراءة الكتاب ذاته.
الفوائد الصحية للقراءة
وتعدد الدكتور سامية الأهدل رئيس منظمة “أمة أقر” في ورقة قدمت في نفس الندوة وكان عنوانها “العلاج بالقراءة” أهمية الكتاب والفوائد الصحية للقراءة ومنها فالقراءة تعمل على تحفيز الذهن وتساهم في تحسين الذاكرة وتودي إلى انخفاض ضغط الدم والتوتر وتساعد على الحماية من الاضطرابات النفسية وتساعد الجسم في إفراز مادة الانيدروفين التي تحسن المزاج وتزيد نسبة الشعور بالسرور والسعادة كما يساعد في التخلص من التفكير السلبي والوساوس وتطرقت الدكتورة إلى أهمية القراءة للسلام المجتمعي وتؤكد أن القراءة تعد هي المصدر الأول والأفضل للمعرفة، وهي السلاح الأقوى الذي من الممكن أن يمتلكه أي فرد أو مجتمع على الاطلاق، إذ أن القراءة الواعية تفيد الفرد والمجتمع على وجه العموم إذ إنه عند القراءة فإن كل شخص يقوم بالارتقاء بنفسه ولأن المجتمع مكون من مجموعة من الأفراد والذي يرتقي بارتقائهم وينحط بانحطاطهم، فالمجتمع ليس كائناً منفصلاً بذاته يكون مستواه في المجتمع تبعاً لتصرفاته بل أن مستوى المجتمع أو الدولة وارتقائها يكون نتاجاً لأفعال من يشكلونها فبالتالي إذا ارتقى الناس بتفكيرهم فإن المجتمع ككل سيرتقي بتفكيره أيضاً.
وتضيف: إن الاهتمام بالمعرفة والقراءة تشكل حضارة لن يذكرها التاريخ فقط، بل إنها ستساهم في صنع التاريخ وتشكيل عقول البشر حتى بعد آلاف السنين، كما حصل مع الإغريق الذين كان نتاجا لشغفهم للمعرفة والقراءة العديد من الفلاسفة العظام كأفلاطون وأرسطو والأطباء والعلماء، والذين مازالت أفكارهم تساهم في تشكيل عقول الناس حتى وقتنا الحالي.
وقدمت الدكتورة الأهدل نبذة تاريخية عن العلاج بالقراءة مشيرة إلى أن تاريخ استخدام الكتب في علاج المرض إلى وقت الفيلسوف ارسطو الذي آمن بأن للأدب تأثيراً شفائياً وبأن قراءة الأدب القصص (الخيال) كانت طريقة لتطهير المرض.
وتشير إلى أن العلاج بالقراءة ثمرة هامة من ثمرات الثلاثينيات من القرن العشرين عندما بدأ بعض المهتمين بجمع قوائم للمواد المكتوبة التي ساعدت الأفراد على تعديل أفكارهم أو مشاعرهم أو سلوكهم لأغراض علاجية مع ازدياد عدد المستشفيات الداخلة إلى مجال القراءة العلاجية ومع زيادة عدد مكتبات المستشفيات التي أصبحت مراكز للتدريب على أعمال العلاج بالقراءة.
تصوير/حامد فؤاد