خليل المعلمي
من أجل خمسين رهيئة صهيوني أو أكثر كما يسمونهم لا تزال موجودة لدى حركة المقاومة الإسلامية حماس تقوم الدنيا ولا تقعد في كل دول العالم التي تدعي الحضارة والتقدم والمناداة بحقوق الإنسان، يتحدث الرئيس الأمريكي ترامب عن ضرورة اطلاق سراح هؤلاء الرهائن ليحصلو على حريتهم ويعودون إلى ديارهم وأهاليهم، ونسمع عبر وسائل الإعلام المختلفة الكثير من تلك التصريحات التي تدعو إلى ذلك من قبل الكثير من القادة الأوروبيين والأمريكيين وكذلك المسؤولين في تلك البلدان، ومن يدور في فلكهم من صهاينة العرب الذين يزيدون على ذلك الضغط على سحب سلاح المقاومة الفلسطينية الباسلة، وهذا كله يصب في مصلحة الكيان الصهيوني.
ومن أجل لفت الأنظار عن المجازر الوحشية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في قطاع غزة بدأ الحديث عن حل الدولتين وتكاثرت التصريحات حول ذلك، وفي اعتقادهم أن ذلك هو السبيل الوحيد لإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط حتى تصبح تلك التصريحات تذيل بإمكانية إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح إلى جانب دولة “الكيان الصهيوني” الأقوى في الشرق الأوسط، والحصول على ضمانات لأمن دولة الكيان الصهيوني.
وفي مقابل كل ذلك نجد أن هذه الدول المتحضرة والمتقدمة لم تقم بأي إجراءات ضد دولة الكيان الصهيوني منذ ظهورها قبل أكثر من 75 عامًا تجاه الانتهاكات والاعتداءات والمجازر الوحشية والاعتقالات والقتل والتدمير والتهجير ضد الشعب العربي الفلسطيني في أرض فلسطين، بل وقد عملت على تمكينهم من التوسع والاستيطان على حساب الفلسطينيين والوقوف ضد عدم تطبيق أي قرار من قرارات الأمم المتحدة الصادرة ضدهم.
وخلال العقود الماضية وما وصلت إليه الأمور خلال العامين الماضيين من تماد واعتداءات متكررة والتوسع في الاستيطان في مدن الضفة الغربية وعمليات التدمير والتهجير والتجويع والتعطيش والإبادة الجماعية لملايين من الفلسطينيين من قبل حكومة الكيان الإسرائيلي دون تنديد أو استنكار أو اعتراض أو عقاب من الدول العظمى، مما يؤكد أن انحيازهم لهذا الكيان الغاصب دليل على تردي العدالة الدولية وانهيار القيم الحضارية التي تدعيها منذ أكثر من قرنين.
إن المتابع لسياسات الحكومات الأوروبية والأمريكية تجاه القضية الفلسطينية منذ عقود حتى وقتنا الحالي، في عامنا هذا وشهرنا هذا وحتى يومنا هذا، لهو دليل على الانحياز الغربي الفاضح للكيان الإسرائيلي وضد العرب، وما يثبت ذلك ويؤكده المطالبة بإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين منذ أقل من سنتين، بينما هناك أكثر من مليونين من الرهائن الفلسطينيين المحتجزين في غزة المحاصرة منذ عقود، والذين لا يستطيعون مغادرتها لأي سبب من الأسباب بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض عليها براً وجواً، والغالبية العظمى من هؤلاء طردوا من ديارهم في فلسطين، ومن مدن الضفة عام 1948م، وتم ترحيلهم إلى قطاع غزة المحاصرين، فهل يعقل أن يصدع الغرب رؤوسنا بإدانة احتجاز الرهائن الإسرائيليين، والمطالبة المستمرة الإفراج عنهم، ويتجاهل أكثر من مليوني محتجز فلسطيني يتعرضون منذ قرابة العامين لواحدة من أكثر حروب الإبادة الوحشية وترتكب ضدهم شتى أنواع جرائم الحرب بما في ذلك التجويع ؟؟
وبالعودة إلى نكبة العام 1948م فقد قامت العصابات الصهيونية بمهاجمة 530 مدينة وقرية فلسطينية وأفرغت قسراً من سكانها بالقتل والمطاردة، من خلال ارتكاب 90 مذبحة موثقة تاريخيا، بذلك تحول سكان هذه الأراضي إلى لاجئين يسكنون الخيام، وتم عندئذ تخصيص القطاع المحيط بمدينة غزة لإيواء هؤلاء النازحين، واليوم يتخطى عدد اللاجئين الفلسطينيين داخل وخارج غزة ب9 ملايين لاجئ، أي أكثر من الخمسة ملايين يهودي المغتصبين داخل فلسطين، أما سكان غزة الحاليون والبالغ عددهم أكثر من مليوني فلسطيني فهم رهائن محتجزون فيما يعد أكبر معسكر اعتقال في العالم، وقد أقرت الأمم المتحدة حق الفلسطينيين في العودة لديارهم في قرار مجلس الأمن رقم 194 ، الذي تم تأكيده في جولات تصويتية متتالية على مدى العقود الماضية ما لا يقل عن 130 مرة بالأغلبية الساحقة لأعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك اعتماداً على ما نصت عليه الوثائق الدولية من أن حق العودة حق أصيل غير قابل للتفاوض، ومنها اتفاقية جنيف الرابعة في المادة 4، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 8 والمادة 13، ووثيقة روما للمحكمة الدولية في المادتين 7،8، والاتفاقية الدولية لإلغاء جميع أشكال التمييز العنصري في المادة 5 والمادة 6، وغيرها فهل من مطالب بإطلاق سراح هؤلاء ؟؟.
إن ما نشاهده ويشاهده العالم العربي والإسلامي، بل العالم أجمع على شاشات الفضائيات العربية والأجنبية من تجويع وقتل وتدمير وما يتم من اعتداءات وحصار وكل ما يندرج تحت بند الإبادة الجماعية، لهو أمر محزن وفضيع وسيبقى جرحاً غائراً في ضمير الإنسانية التي تركت شعباً أعزل لا حول له ولا قوة يواجه مصيراً يحيطه السواد من كل اتجاه، ويقتله الظلم والإحباط، الظلم من المعتدي والإحباط من المتشدقين بحقوق الإنسان، لكن أبواقهم تأتي أمام حالة غزة ويصيبها العطب، أما تجاه ما يحدث في أي دولة أخرى، كأوكرانيا مثلا فصوتها يصدع بقوة تعادل صوت الطائرات النفاثة، في تبيان واضح في التعامل مع الحالتين، وكأن الغزيين ليسوا بشراً أو أنهم من جين آخر غير الأوكرانيين، وفي جميع الحالات لابد من رفض أي عدوان على الشعوب، أن اعتياد العالم على الأخبار السيئة عن المجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة دون أن يرف له جفن أو يوخزه ضمير، أو تمنحه فرصة للاتعاظ لصوت العقل والسلام، ويجعلنا نطالب الأمم المتحدثة وجامعة الدول العربية بالتدخل بفاعلية أكبر من أجل ادراك ما تبقى من غزة وأهلها الذين يعيشون ساعات الاحتضار.
وإذا كان النظام العربي يعيش في سبات مطبق، حتى من رموزه وقادته، ترتفع العديد من الأصوات الغربية وتتعالى في وجه هذه الوحشية، فالشعوب لا تزال ضمائرها حية ترفض العدوان وتندد به يوميا، وتصرخ بأعلى الصوت أملاً في إيقاظ ضمائر الحكومات التي على قلوبها أقفال صدأت بفعل الصمت الذي يقترب من العامين، هاهي شعوب دول اوروبية تصرخ في وجه الطغاة تأثرا بمشاهد الأطفال الذين يتضورون جوعاً، وما شهدته مدريد وعدد من المدن الاسبانية من تظاهرات تعالت فيها الأصوات المطالبة بوقف الحرب مؤكدة أن الأطفال ليسوا إرهابيين وطالبوا بمنع منح الكيان الإسرائيلي السلاح، كما طالب وزير الخارجية الاسباني الاتحاد الأوروبي بإيقاف الشراكة مع الكيان الإسرائيل وفعل أي شيء غير إصدار البيانات ووصفت “فرانشيسكا البانيز” المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالقضية الفلسطينية، أن ما يحدث جريمة ضد الإنسانية ودعت لقطع العلاقات مع الكيان الاسرائيلي على كل الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية وفي مجتمعنا العربي تستمر المظاهرات في عدد من الدول العربية.
ها هو الكيان الصهيوني يكشف عن وجهه الحقيقي عبر حكومته التي يطلقون عليها بالمتطرفة اليمينية، فيما أساس وجودهم على أرض فلسطين، هو الاغتصاب للأرض العربية وتهجير وقتل أهلها والتوسع عبر أراضي الغير، فلا عجب من ذلك أن يظهروا هذا التوجه عبر “النتنياهو” الذي تحدث مؤخراً عن ما يسمها “رؤية اسرائيل الكبرى” فيما ظهرت الحكومات العربية ببيانات تنديد فقط دون اتخاذ أي تدابير أو ضغوطات حول ذلك، وأضافت اعتقاداً منها أن الاستقرار في المنطقة يكمن في حل الدولتين، فيما تستمر سلطات الكيان الصهيوني في مصادرة الأراضي وأعلن وزير ماليتهم عن مشروع استيطاني يضم أكثر من 3 آلاف وحدة سكنية في الضفة الغربية، تم تأجيله لأكثر من عقدين نتيجة ضغوط غربية، مما سيؤدي إلى فصل شمال الضفة عن جنوبها، وفصل مدينة القدس عن محيطها، وهذه في حكم الأعراف والقوانين الدولية جريمة حرب كونها ستؤدي إلى التهجير القسري للآلاف من السكان الفلسطينيين الأصليين أصحاب الأرض وحشرهم في مناطق بعيدة عن قراهم ومنازلهم.
وأمام هذه الحقائق فعلى العرب أن تعي وتعود إلى رشدها وتؤمن أنها أمام كيان غاصب استيطاني لا يؤمن بالسلام ولا يؤمن إلا بالخرافات التي صنعها أسلافهم قبل أكثر من قرن ونصف حتى أصبحت عقيدة لدى المجتمع الإسرائيلي بكافة فئاته، فليس هناك حكومة يمينية ولا حكومة محافظة، فالكل يؤمن بهذه المعتقدات وإنما لكل حكومة سياستها في تطبيق ذلك، وإذا ما تم تصفية القضية الفلسطينية فالقادم على بقية الدول العربية.