حكومة ” الإنقاذ الوطني ” والنقاط (12) !!
محمد أحمد الحاكم
شكلت ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر ألفين وأربعة عشر ميلادية مساراً جديداً لمنعطف استحقاقي للشعب اليمني الذي قدم الكثير من التضحيات الجسيمة في سبيل انتزاع عزته وكرامته وحقوقه ومكتسباته التي سُلبت منه طيلة عدة عقود من الزمن, على أيدي القليل من المتسلطين والمتنفذين والخونة والعملاء ممن باعوا ضمائرهم وأرواحهم ومكتسبات أمتهم العظيمة إلى مجموعة من دول الاستكبار والهيمنة والغطرسة العالمية, التي لم تكف للحظة واحدة وعبر عملائها الخونة عن أن يذيقوا هذا الشعب مرارة الذل والاستعباد وفق ما ارتأوه من وسائل الترغيب والترهيب بين الحين والآخر .
لقد جسدت ” اللجنة الثورية ” أسمى صور الحكم الشعبي لذاته في زمن لم تستطع أي ثورة شعبية في أي قُطر عربي كان هنا أو هناك أن تجسد مثلما جسدته اللجنة الثورية في اليمن, فهي قد استطاعت أن تحافظ على كل الممتلكات العامة والخاصة, وحقنت الكثير من الدماء, بل أنها ذهبت إلى أبعد من ذلك فهي لم تُقْص أي شخص من هذا الطرف أو ذاك يشغل أي منصب سيادياً كان أو قيادياً أو إدارياص, ولم تسع لحل أي حزب من تلك الأحزاب التي شاركت ومازالت تشارك الى الآن في تدمير وسحق اليمن أرضاً وإنساناً, بل أنها سعت إلى أن تحافظ على كل ممتلكاته الخاصة والحزبية, ليس عن ضعف يعجزها عن تحقيق ذلك ولكنها كانت تؤمن بحرمة الدم اليمني وممتلكاته لأي شخص كان, ولأنها أيضاً كانت تؤمن بضرورة حل كل الخلافات بودية محضة ,وبأنها مرحلة يمكن للجميع بلا استثناء أن يتجاوزوا من خلالها خلافاتهم وصراعاتهم الشائكة بود وصدق واحترام متبادل, وهذا ما أكدته عاقبة الأيام التي جرت خلال تولي هذه اللجنة زمام إدارة الحكم في البلاد, والتي أثمرت مصداقية رؤيتها في ما سمي باتفاقية ” السلم والشراكة “, الذي كان له أن يولد حياً لولا تدخل قوى العدوان في إجهاضه ودفنه قبل أن ترى اليمن حلتها الجديدة .
لقد كان بإمكان ” اللجنة الثورية ” بمفردها في ظل الظروف التي كانت وما زالت تمر بها اليمن من عدوان سافر ودنيء عليها وفق إمكانياتها المحدودة, كان بإمكانها أن تُعبر وتحقق كل التطلعات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والاجتماعية لكل مكونات وأحزاب وأطياف هذا الشعب الكبير الساعية الى تحقيق كل الاصلاحات الجذرية لكافة المرافق والخدمات الحكومية, وبما يخدم كافة المواطنين, ويلبي تطلعاتهم وآمالهم المنشودة, لكنها في ذات الوقت لم تشأ أن تحققه إلا في ظل مشاركة كل الأطراف السياسية والاجتماعية المؤيدة لهذه الثورة أو المعارضة لها وفق ما يملكه الجميع من موارد محدودة وبسيطة, والتي كان ومازال لقوى العدوان ومرتزقتهم دور رئيسي في تقليصها وتحجيمها.
لقد دفعت ” اللجنة الثورية ” بهذا الدور العظيم بالتنازل عنه الى ما سمي لاحقاً بـــ ” المجلس السياسي” الذي بدوره أوكل مهام تنفيذ تلك الإدارات إلى رئاسة مجلس وزرائه الوفاقي الموقر, على أمل أن يعيد صياغتها وفق ما تقتضيه المصلحة العامة للدولة والشعب, والإسراع في البدء في تنفيذها بصورة مستعجلة لا تقبل التأجيل, لكنه للأسف وقف هذا المجلس متماهياً كما لو أنه يوحي للجميع عدم قدرته في تحقيقه تحت ظلال مبرراته الواهية غير المنطقية .
هناك تساؤل لطالما لم يغب عن ما تدركه عقولنا في كل لحظة وهو (( إذا كانت الظروف السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية التي مرت بها اللجنة الثورية إبان توليها لزمام الحكم في البلاد, وكان لها القدرة على تحقيق كل تطلعات وآمال هذا الشعب عند تلك الظروف, هي ذاتها الظروف التي تمر بها حكومة ” الوفاق الوطني ” الآن ….!!! فلماذا لم تقم هذه الحكومة بتحقيق تلك التطلعات ..؟؟ ما الذي ينقصها أو تفقده ويعجزها عن إتمام هذه الخطوات ..؟؟ ))
من المعلوم أن حكومة الوفاق الوطني أتت كنتاج توافقي بين مختلف القوى والمكونات السياسية الوطنية المناهضة لقوى العدوان وعلى رأسها المؤتمر الشعبي العام, ومكون أنصار الله, وغيرهما من المكونات والأحزاب السياسية الأخرى ممن شاركت في تكوين المجلس السياسي الأعلى, وأن تشكيلة هذا المجلس الوزاري أتت وفق أقصى درجات ومعايير الاختيار لذوي القدرات العلمية والكفاءات الإدارية القادرة على إدارة زمام أمور الدولة عند أقصى درجات الضعف, وعلى الرغم من أن أولوية برنامجها الوزاري قد اقتصر في وجوب سرعة حل قضايا المرتبات عند أدنى المستويات الإيرادية المتحصلة, إلا أنها الى حد الآن وقفت عاجزة عن تنفيذ هذه الخطوة والتي يمكن إيعاز سبب عجزها من منظوري الفكري ليس حسب ما يراه البعض من أن عدم توفر السيولة المالية الآتية من الجهات الإيرادية كان سبباً رئيسياً في إعاقة الحكومة من الإيفاء بتلك الالتزامات, إذ أن هذا السبب لم يكن عائقاً للجنة الثورية إبان قيامها بإدارة دفة القيادة السيادية للدولة .
شكلت النقاط الـ(12) التي أوردها السيد القائد في معرض خطابه عشية الذكرى الثالثة للعدوان وأعاد التذكير بها في عشية الذكرى الثالثة عشرة لاستشهاد السيد القائد / حسين بدر الدين الحوثي دفعة قوية ساعدت الحكومة في إعادة صياغة وتنظيم وترتيب أوراقها ومهامها بما يمكنها من تعزيز صمودها في مواجهة كافة التحديات والصعوبات التي تمر بها, كون تلك النقاط تعني ما يلي :-
* إن تلك النقاط لا تعود ملكية حقوقها الفكرية، إن أجزنا التعبير، الى مكون أنصار الله فقط باعتباره صاحب المبادرة دون غيره من المكونات السياسية الأخرى ,لكنها رؤية وطنية شاملة وكاملة تتبناها كل الأطراف الوطنية بلا استثناء, وعلى كل الإخوة الأعضاء في مجلس الوزراء الالتزام بمضامينها جملةً وتفصيلا .
* تعتبر النقاط الـ(12) قاعدة أساسية مهمة جداً لأي حكومة ترغب في نجاح مهامها عند كل الظروف, كونها ارتكزت على عدة محاور رئيسية وأساسية في بناء أو إعادة بناء وصياغة مرتكزات الدولة المتعلقة بالجانب المؤسسي لكافة مرافق الدولة الأمنية والاقتصادية والعسكرية والرقابية والإيرادية, وغيرها, تضمن لها الصمود والاستمرار .
* تعتبر النقاط الـ(12) رؤية متكاملة يمكن الاعتماد عليها في معالجة كافة القضايا المطروحة على مستوى الساحة الداخلية والخارجية, السياسية منها والاقتصادية والأمنية, والتي تتطلب سرعة تنفيذها لتفادي تفاقم الأوضاع الشائكة, ومواجهة قوى العدوان ومرتزقتهم .
* تعتبر هذه النقاط الـ (12) تذكيراً شعبياً لهذه الحكومة بما يجب عليها الأخذ والالتزام به أولاً من أجل تحقيق أهدافه وتطلعاته, وهي في ذات الوقت إسناد شعبي متجدد لهذه الحكومة تقاوم من خلاله أي تهديد قد ينال من مكانتها وقيمها ومبادئها.
بناء على تلك الأهداف والمعاني التي حملتها النقاط (12) يمكننا القول بأنها شكلت نقطة جوهرية ومحورية مقاومة لكل التحديات التي تواجهها الحكومة وبالتالي سيواجهها الشعب, وأن عدم قيام الحكومة بالأخذ بها سوف يضعها فيما يلي :-
* أن عدم التعاطي لمضمون هذه النقاط بجدية أو التماهي في الأخذ بها يمكن أن يفقد هذه الحكومة مصداقيتها, بل أنه يمكن أن تفقد لنفسها فرصة قلما يمكن لها أن تستردها, أقلها أن تفقد استمرارها في تشكيلتها الوزارية, ويضع في عقلية عامة الشعب بلا استثناء عدة تساؤلات قد تصل الى مستوى التشكيك بمستوى الحس الوطني لكافة الوزراء تجاه الوطن وقضاياه .
* على افتراض أن هذه النقاط الـ(12) في مجملها أو في بعضها قد تثير حفيظة بعض الإخوة الوزراء من أي مكون كان حول إمكانية الأخذ والعمل بها, إلا أنه لا يجيز لأي فرد منهم أو جماعة إعاقتها دون إبداء علناً أسباب عدم الأخذ بها, على أن يلزمهم في ذات الوقت إيجاد البدائل الممكن الأخذ بها والتي لا تتعارض مع إمكانات وقدرات وقيم الدولة والشعب .
عموماً … تعتبر النقاط الـ(12) الصورة المتممة للرؤى والأهداف الاستراتيجية لبرنامج الحكومة, والتي ساهم الشعب الى حد كبير في تشكيلها وإعادة صياغتها, وبالرغم من أنني كنت أتمنى من حكومة الوفاق الوطني أن تكون صاحبة المبادرة في إعلانها علناً, والبدء في تنفيذها جملة وتفصيلا, لتضفي لهذا الشعب نظرة إيجابية نحوها كعرفان وجميل تقدمه لهذا الشعب نظير ما قدمه لها من ثقة ودعم لا محدود, إلا أنني اعتبر الأمر سيان لا يعكس أي وجه من وجوه الخلاف إن لم يكن معززاً لروابط العلاقة المتينة بين الشعب وحكومته, وليس لنا كشعب إلا أن نشد على أيدي أعضاء هذه الحكومة في الاسراع في تفعيل بنودها وتجاوز أي خلافات قد تطرأ عبر معالجتها, وبما يعزز وحدة الفكر والصف اليمني الواحد المواجه لقوى العدوان ومرتزقته .