
استطلاع/ صادق السماوي –
تمر اليمن بمرحلة هامة في تاريخها السياسي وسط جدل حول ما هو النظام السياسي الأنسب لها مستقبلاٍ هل النظام الرئاسي البرلماني المختلط والذي يكون فيه رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء شريكين في تسيير شؤون الدولة والرئيس ينتخبه الشعب أم النظام الرئاسي الذي يصبح فيه رئيس الدولة هو صاحب السلطة التنفيذية بشكل كامل أم النظام البرلماني الذي يرجحه كثير من السياسيين لأنه يعمل على ترسيخ الديمقراطية ويمنع الاستبداد فالسلطة تكون بيد الحكومة التي تشكل من قبل الحزب أو الأحزاب الحاصلة على أغلبية في مقاعد البرلمان ويكون رئيس الدولة في هذا النظام رمزياٍ محدود الصلاحيات.. تفاصيل أكثر في سياق الاستطلاع التالي:
لا بد من التفكير والتأني
الدكتور عدنان ياسين المقطري أستاذ العلوم السياسية المساعد – جامعة صنعاء قال “عند الحديث عن طبيعة النظام السياسي فإنه ينبغي الإشارة إلى أن المفاضلة بين أنواع النظم السياسية تتم بين النظم الديمقراطية النيابية: الرئاسية والبرلمانية والمختلطة و جميعها لها من الإيجابيات ومن السلبيات
فاختيار نظام سياسي بعينه يقتضي التأمل في نقطة أساسية , ماهو صالح لبلد قد لا يكون لصالحاٍ بلد آخر كما أن ماهو لصالح بلد في يوم من الأيام قد لايكون صالح لنفس البلد في فترة زمنية أخرى لأن تبني أي نظام سياسي يعتمد على الظروف والتحديات التي يواجهها ذلك البلد ومدى ملاءمته لجملة عوامل والمرحلة التي يمر بها
وأوضح المقطري أن تبني أي نظام سياسي لابد أن ينطلق من الرغبة في تلافي سلبيات المرحلة السابقة والعمل على كل ماهو ممكن من التقليل من سلبيات النظام الجديد ويمكن أن يكون اختيار نظام بعينه يمثل توليفة من أحد النظم التي تم ذكرها أو شكل خاص من تلك النظم. ولذلك فمن الضرورة عند الوقوف أمام قضية اختيار النظام السياسي أن يتم من الإجابة على التساؤل الرئيس ماذا نريد¿ وماهو النظام السياسي الممكن والملائم للواقع اليمني.
في الحالة اليمنية ينبغي الإشارة إلى الحوار والمبادرات التي صدرت من القوى السياسية والاجتماعية خلال عقدين من الزمن كان هناك تفضيلاٍ لتبني النظام البرلماني ونادرا ما يتم الإشارة إلى النظام الرئاسي أو المختلط ولقد كان ذلك التفضيل لاختيار النظام البرلماني مبنياٍ بالأساس من الرغبة في تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية وتحميل السلطة الحكومة التي عادة ما يجب أن تشكل من حزب أو ائتلاف من الأحزاب تحظى بثقة البرلمان وتكون في نفس الوقت مسئولة عن سياساتها أمامه ويكون دور رئيس الجمهورية رمزياٍ.
ويرى الدكتور المقطري أن اللحظة الراهنة تتطلب من الجميع التفكير ملياٍ عند اختيار النظام السياسي الأمثل للمرحلة بما يحقق له الاستمرار والنجاح ويحفظ استقرار اليمن ووحدته.
وقال: ” لقد ولدت ثورة فبراير 2011 ظروفاٍ جديدة في سياق ثورات الربيع العربي من تبني دولها النظام البرلماني أو المختلط وبعيدا عن الرغبة في المحاكاة فإن الواقع اليمني – الطروحات التي وضعتها الأحزاب السياسية والقوى السياسية- في تبني النظام البرلماني كأنسب نظام للمرحلة الراهنة”
مشيرا إلى أن اختيار النظام السياسي الأمثل يتوقف على شيئين أساسيين: أولهما أن هذه القضية متروكة لمؤتمر الحوار الوطني للبت فيها. ثانيهما أن ذلك يعتمد في الأساس على الحسم أولاٍ في إشكالية شكل الدول (دولة موحدة أم اتحادية) فإذا ما تم الإبقاء على شكل الدولة الحالي فإن تبني النظام البرلماني خاصة مع تبني نظام القائمة النسبية كنظام انتخابي لا يعزز وجود حكومة قوية وإنما منقسمة وبالتالي سيضعف دور رئيس الوزراء في مقابل دور رمزي لرئيس الدولة. والأمر ذاته مع وجود شكل الدولة الحالي ونظام سياسي رئاسي سيكرسان المركزية السياسية ولن يحولا دون تنامي المغالاة في مطالب الاستقلال. ويمكن أن يكون النظام المختلط أنسب من غيره مع بقاء شكل الدولة الموحدة.
وقال: في حال كانت مخرجات مؤتمر الحوار الوطني هو إقامة دولة اتحادية (فيدرالية) فإن تبني النظام السياسي الرئاسي سيمثل عامل توازن يتمثل في الحفاظ على سلطة مركزية قوية وصمام أمان في مواجهة مطالب الرغبة بالإنفصال وبالتالي عامل نجاح للدولة الفيدرالية ذاتها فوجود دولة فيدرالية تضمن الاستقلالية للأقاليم مقابل وجود سلطة مركزية من خلال تبني النظام الرئاسي يحققان الاستقرار والأمن ووحدة الوطن اليمني. وغاية الأمر ومنتهاه فإن البت في مسائل بناء الدولة يقع على عاتق مؤتمر الحوار الوطني والفاعلين السياسيبن في الوطن فلابد أن يتم التوصل إلى ما يفيد البلد من خلال قرارات عقلانية وتجاوز سلبيات المرحلة الماضية التي غلبتها العاطفة والتسرع.
البرلماني الأنسب
الدكتور علي البريهي نائب عميد كلية الإعلام جامعة صنعاء يرى أن يكون شكل الدولة فيدرالياٍ سياسياٍ تعددياٍ وبالتالي النظام البرلماني هو الأنسب لأن اليمن ليست بحاجة إلى شخصيات كارزمية تعمل على نهب الوطن بل بحاجة إلى شراكة حقيقية بين كل الأطياف السياسية الموجودة على الساحة.
ويؤكد أن النظام البرلماني سيجعل الحكومة ملتزمة بتحمل مسؤوليتها الكاملة بإدارة شئون الدولة تحت رقابة برلمانية من السلطة التشريعية التي في الغالب قد تتكون من مجلسين أحدهما يمثل سكان البلد والمجلس الآخر يمثل المحافظات أو الأقاليم أو الولايات بحسب شكل الدولة سواء كانت بسيطة أو اندماجية أو اتحادية مركبة.
وخلص إلى القول أن اختيار نظام الحكم البرلماني سيكون ملبيا لرغبات الشعب اليمني في التحرر من الاستبداد وازدواجية السلطة والانتقال إلى مرحلة جديدة مرحلة الإرادة الجماعية.
من جهته يشير الباحث السياسي عبدالناصر المودع إلى أن النظام الرئاسي هو الأنسب لليمن لأنه بسيط ويخلق وحدة داخل السلطة التنفيذية ومبدأ الفصل بين السلطات بالإضافة إلى أن شخصية رئيس الدولة في اليمن وفي الدولة العربية شخصية محورية لا يمكن أن توضع كمنصب هامشي.
الرئاسي يحقق التوازن
وقال إن النظام السياسي القادم لليمن يتطلب اعتماد الشكل الاتحادي للدولة المكون من عدة أقاليم واعتماد النظام الرئاسي كشكل للنظام السياسي لأن تجارب النظام البرلماني في الديمقراطية الناشئة التي يستلزم نجاحها إشراك كافة القوى السياسية والاجتماعية في السلطة بمعنى تشكيل حكومات ائتلافية عادة تكون ضعيفة وغير مستقرة بسبب الاختلاف في رؤى وبرامج القوى والمكونات السياسية لذلك يكون من الضروري قيام نظام رئاسي يتمتع بالاستقرار ويعمل على تحقيق التوازن بين المركز والأقاليم.
البرلمان يوسع الصلاحيات
رئيس المركز اليمني للحقوق المدنية نور الدين العزعزي قال إن النظام البرلماني هو الأنسب لليمن لأنه يعمل على نزع السلطات التي تتمركز في شخص الرئيس ويعطي صلاحيات كاملة للبرلمان باعتباره ممثلاٍ للشعب كما أنه يعمل على تكامل المهام والصلاحيات ويحصل نوع من الضبط في الرقابة والمساءلة التشريعية.
وأضاف العزعزي أن اليمن أحوج في هذه المرحلة إلى تغيير النظام السياسي وذلك باختيار النظام البرلماني الذي يعتبر أكثر النظم انتشاراٍ في العالم لأنه يحقق التوزان بين التشريعية والتنفيذية والفصل المرن بينهما والتعاون والرقابة المتبادلة بين السلطات الثلاث.
النظام برأيه يحقق التجسيد الفاعل لإدارة الشعب في حكم نفسه وحمايته من الاستبداد ويحدد الوصول للسلطة عبر الانتخابات ويسهم إلى حد كبير في استقرار الحكومة.
نريد حكومة مستقرة
من جانبه يقول بليغ المخلافي رئيس مؤسسة التنمية الشبابية: إذا تم اختيار الفيدرالية كشكل للدولة في ظل وجود أقاليم فمن الأنسب حينها هو النظام الرئاسي.
مشيرا إلى أنه في ظل فيدرالية تمتلك كامل الصلاحيات من الصعب الحديث عن نظام برلماني في ظل ديمقراطية ناشئة لأن في هذه الحالة ستكون الحكومة غير مستقرة وستكون قوة للأقاليم بالمقابل ضعف الحكومة المركزية وبالتالي من الأنسب الأخذب بالنظام الرئاسي لتحصل على حكومة متمتعة بالاستقرار توازي قوة وصلاحية الأقاليم الموجودة.
وأضاف المخلافي أن النظام البرلماني سيخلف حكومة ائتلافية بسبب عدم مقدرة أي طرف على حسم الانتخابات لصالحه وتحارب البلدان التي سبقتنا خير دليل.
نريد فصلا بين السلطات
الدكتور أمين الغشم أستاذ النظم السياسية المساعد بجامعة صنعاء يرى أن مشكلة الدول العربية واليمن منها هي الاستبداد والتسلط والفساد وما يطمح إليه المواطن العربي هو إعادة توزيع السلطات والفصل بينها بما يحقق استقراراٍ سياسياٍ واجتماعياٍ سيساعد على التنمية وتطور البلد.
وقال الغشم إننا بحاجة إلى فعل عمودي من خلال شكل الدولة التي قد تكون اتحادية أو فيدرالية بحسب ما يتفق عليه في مؤتمر الحوار وفعل افقي من خلال شكل النظام السياسي وفي النظامين البرلماني والمختلط وجد أن هناك جمعاٍ بين التشريع والتنفيذ وفيهما لا يمكن أن يتحقق بينهما فصل للسلطات.
وأشار إلى أن النظام الرئاسي هو الأنسب لليمن لأنه يحقق فصاٍ بين السلطات والنموذج الأمريكي خير دليل كما ستكون لدينا سلطة تنفيذية وتشريعية قوية بشرط أن يترافق معها نظام تمثيل نسبي في الانتخابات وبدون شروط وبالقائمة النسبية المغلقة وبهذا نضمن شراكة واسعة مع كل الفاعلين السياسيين ونستطيع من ذلك تحقيق استقرار وتنمية وترسيخ التغيير.
الرئاسي انفراد بالقرار
علي ناصرعلي الجلعي رئيس المؤسسة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر اوضح ان تجربتنا السابقة اثبتت ان النظام الرئاسي انفرد بالقرار وانعكس ذلك علي مؤسسات الدولة وأفرغت من محتواها برغم وجودها ولو كانت شكليةٍ
واعتبر الجلعي “ما حصل من مخاض سياسي خلال الفترة الماضية هو التفرد بالقرار مما أدي الى هيجان القوى السياسية الأخرى رغم وجودها وسيطرتها لكن بدأت في الأفق ملامح الانفراد بالقرار عبر النظام الرئاسي والذي كانت له تراكمات وسلبيات واضحة كشفتها الثورة لم نكن نشعر بها أو نعلمها”
وأكد الى أن الذي يناسب اليمن هو النظام البرلماني حيث يكون مصدر القرار جماعيا وتوافقيا بشرط يحدد له قوانين وتشريعات تواكب مايحتاجه وفق بنية وطبيعة المجتمع اليمني.
ما نحن عليه الآن
الدكتور يوسف الحاضري كاتب صحفي قال ” عندما نتكلم عن النظام الأنسب لأي موطن فيجب علينا النظر إلى عدة اتجاهات والتعامل مع عدة عوامل أهمها تكويناتها الجغرافية والمجتمعية والفكرية والثقافية ومكوناتها السياسية وأحداثها الحالية ورغبات جماهيرها العريضة والحلول الأنسب التي تمنع اليمن من الوقوع مرة أخرى في مآسي ما نعايشه دائما “
ويرى الحاضري ان اليمن ومكوناتها يتناسب معها النظام الرئاسي كسلطة تنفيذية والبرلماني كسلطة تشريعية بمعنى مبسط (ما نحن عليه حاليا) رئيس منتخب من الشعب ومجلس نواب أيضا منتخب من الشعب ولدى كل جهة صلاحيات معينة ومحددة وقانون يحترم ويحترمه الجميع ويحدد الحقوق والواجبات على الجميع ,
وأوضح الحاضري ان النظام الحاكم بقمة هرم لمجتمع كمجتمعاتنا تسهل لنا وله المضي قدما في الحياة ويسهل له التشريعات العامة والخاصة المناسبة واللائقة للدولة بعيدا عن موضوع حكم مجلس النواب الذي يصبح فيه هناك أكثر من حاكم ومن فترة لأخرى يمكن أن تحصل ميلان لهؤلاء إلى هذا الجانب أو ذاك إن لم يمض الحكم في مبتغاهم وأمانيهم ونصل إلى أزمات سياسية متلاحقة نحن في غنى عنها.
رضوان ناصر الشريف أحد شباب الثورة وناشط حقوقي يرى ان النظام البرلماني هو الأنسب لليمن ولليمنيين حيث أنه نوع من أنواع الحكومات النيابية ويقوم على وجود مجلس منتخب يستمد سلطته من سلطة الشعب الذي انتخبه ويقوم النظام البرلماني على مبدأ الفصل بين السلطات على أساس التوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وقال “كون اليمن قد مر بعدة إرهاصات في الآونة الأخيرة فإننا كيمنيين نريد أن نحيا حياة كريمة ونستمد كرامتنا من قوة حكومتنا كونها المنصف الأول والأخير وهي فوق كل المحسوبيات وذلك لن يتحقق إلا عن طريق الحكم البرلماني”
وأشار الشريف الى ان النظام البرلماني يجعل من صلاحيات البرلمان منح الحكومة الثقة واستجوابها وسحب الثقة منها ويجعل من حق البرلمان أيضاٍ أن يقدم مشاريع قوانين ويصدرها وتلتزم الحكومة بتنفيذها وفي المقابل نجد أن للسلطة التنفيذية حق تقديم مشاريع قوانين إلى البرلمان كما أن من حقها حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة في حال وصل الخلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى درجة يصعب فيها تسيير شؤون الدولة.
وتطرق الشريف الى نظام الحكم المختلط الذي يقوم على أساس الفصل بين سلطات الدولة غير أنه يوجد ازدواجية في ممارسة السلطة التنفيذية حيث أن السلطة التنفيذية فيه موزعة بين الرئيس والحكومة وهذا بدوره يؤدي إلى التنازع والتهرب من تحمل المسؤولية.
وقال ان السلطة التنفيذية في هذا النظام تتكون من طرفين هما رئيس الدولة ومجلس الوزراء ويلاحظ عدم مسؤولية رئيس الدولة أمام البرلمان أما مجلس الوزراء أو الحكومة فتكون مسئولة أمام البرلمان أو السلطة التشريعية ومسؤولية الوزراء إما أن تكون مسؤولية فردية أو مسؤولية جماعية بالنسبة لأعمالهم.