الأكاديميون وقضايا الوطن

د. أحمد صالح النهمي
الأكاديميون ــ في كل المجتمعات ـــ هم قادة الرأي، وحملة مشاعل التنوير، ورواد التغيير، وهم من يستطيعون بما يمتلكون من ثقافة عالية، واطلاع بمجريات الأحداث، تقديم القراءة الواعية  لحقيقة المتغيرات التي يشهدها الوطن، وما تطرأ عليه من أزمات، ويمتلكون طرح الحلول المناسبة التي تراعي مصلحة المجتمع وفئاته المختلفة، وتجنب الوطن الوقوع في المهالك، ويفترض أن دورهم لا يقتصر على ذلك، بل يتعداه إلى النضال السلمي وحشد القوى السياسية والمنظمات المدنية لتبني رؤاهم وتأييدها، وفرضها على مؤسسات السلطة، فما هو دور الأكاديميين في الأزمات التي عاشها مجتمعنا اليمني خلال العقود الأخيرة، أو العقد الأخير وحتى اليوم ؟ .
قبل سنوات من قيام ثورة الشباب قرأت مقابلة صحفية للدكتور محمد عبد الملك المتوكل رحمه الله عن سلبية أساتذة الجامعة من قضايا الوطن، ، ومما قاله عنهم هو أنهم لا ترتفع أصواتهم إلا إذا كان الأمر يتعلق ببطونهم فحسب، فيما تخفت أصواتهم، وتكاد تتلاشى إلا من أصوات فردية هنا أو هناك تجاه قضايا الوطن الأخرى، فيما الأغلبية الساحقة يتحولون إلى مجرد تابعين لمواقف أحزابهم السياسية، ولسان حالهم هو نفسه لسان حال ذلك الشاعر القديم الذي قال:
هل أنا إلا من غزية إن غوت    غويت وإن ترشد غزية أرشد
وأذكر في ثورة 2011م عندما سعت بعض الأطراف السياسية الثورية إلى فرض إيقاف الدراسة في جامعة صنعاء، أن الدكتور المتوكل كسر الإجماع الثوري، وذهب للتدريس في الأماكن التي حددتها إدارة الجامعة المعينة من سلطة المؤتمر الشعبي العام، وقال أينما وجد الطالب سأذهب لتدريسه، فيما تابع أغلب الأكاديميين أحزابهم وتوقفوا عن التدريس، وخسر الطلاب فصولا دراسية، وما زالت بعض الكليات وتحديدا كليات الطب تعاني حتى اليوم من عدم انتظام المقررات للدفع الدراسية .
في الاضطرابات السياسية والصراعات الحزبية التي شهدها الوطن مؤخرا، وحتى مرحلة العدوان السعودي الإجرامي على الوطن لم نشهد حراكا أكاديميا نقابيا يتبنى أي موقف، ولم نر أنشطة ملفتة باستثناء بعض الفعاليات المتقطعة التي أقيمت في العاصمة صنعاء تحت شعار (أكاديميون ضد العدوان)، والتي تشعر أنها معبرة عن أطراف سياسية أكثر منها تعبيرا عن الوسط الأكاديمي، فيما كان أغلب الأكاديميين تابعين لمواقف أحزابهم المؤيدة للعدوان، أو ملتزمين دائرة الصمت، وحين وصل الأمر في الأشهر الأخيرة إلى إيقاف المرتبات وتعلق الأمر بالبطون حينئذ تنادى الصوت النقابي الأكاديمي مناديا بالإضراب عن التدريس، وإيقاف امتحانات الفصل الأول .
لا شك أن الأكاديميين كغيرهم من الموظفين وسائر فئات الشعب متضررون من توقف المرتبات، وإذا كان بعض الأكاديميين ينادون بالإضراب تبعا لمواقف أحزابهم المؤيدة للعدوان مع أن بعضهم أطباء ومهندسون، ويتجاوز دخلهم اليومي من أعمالهم الخاصة مرتبهم الشهري، فإن بعض الأكاديميين ممن يعتمدون بشكل كلي على مرتباتهم يقفون عاجزين عن تلبية الحاجات الأساسية لبيوتهم فيتضررون من إيقاف مرتباتهم لشهر واحد فضلا عن أكثر من ثلاثة شهور .
مع إيماننا الكامل بأن المستفيد الأساسي من أي دعوة للإضراب في الجامعات هو العدوان وأدواته، وأن الخاسر الأساسي هو الطالب اليمني والوطن، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما مدى قدرة حكومة الدكتور عبد العزيز بن حبتور على دفع مرتبات أعضاء هيئة التدريس في الجامعات، وسائر الموظفين المتأخرة لديها؟
هل فعلا هي قادرة على الدفع وتماطل، وبالتالي تحتاج إلى إجراءات نقابية كالإضراب تجبرها على دفع المرتبات، أم أن قدرتها في الوقت الراهن لا تتعدى ما تدفعه من نصف راتب بين فينة وأخرى ؟ ثم هل ثمة تقصير أو فساد يحول دون تجاوز الأزمة؟ أم أن العدوان وأدواته هم الأسباب المباشرة التي خلقت الأزمة وتسعى إلى مفاقمتها؟.
يفترض أن من يجيب على هذه الأسئلة بكل أمانة ومسئولية هم الأكاديميون من أساتذة السياسة والاقتصاد، كشركاء في مناهضة العدوان وبناء الوطن، لا مجرد أجراء يبحثون عن راتب وإلا توقفوا عن العمل.

قد يعجبك ايضا