مجزرة مخيم النازحين في حيران

الأباتشي السعودية والقنابل العنقودية .. وحشية لا محدودة

صلاح الشامي
كان الحاج ناصر هادي راجح خميس البالغ من العمر 60 عاماً خارجاً لتوه من المسجد الذي أدى فيه صلاة الظهر والذي يبعد 500 متر تقريبا عن مخيم النازحين في منطقة دغيج التابعة لمديرية حيران في محافظة حجة الذي يقيم فيه مع أسرته وأقربائه وأبناء منطقته الحدودية، وهناك في المخيم كان علي هاشم خميس الذي بلغ الستين وزوجته نعمة يقطنون في خيمة بجوار خيمة الحاج علي دحان خميس 65 عاماً.. عندما دوى ذلك الانفجار المروع وسط المخيم الذي فيه ما لا يقل عن 210 من أسر النازحين، همّ الحاج ناصر هادي بالإسراع إلى المخيم ليرى هول الفاجعة، إلا أن مروحيات الأباتشي السعودية حلقت فوق المخيم قبل أن تقصفه بعنف .. وبلا رحمة.

من بعيد.. كان عادل حسن أحمد عبده 20 عاماً يراقب عمليات القتل والدموع تترقرق على عينيه لم يكن البعد الفاصل كيلو متراً واحداً الذي يفصله عن المخيم هو العائق بينه وبين مساعدة النازحين، كونه من أهالي “دغيج” لقد كان أعزل.
وهناك في المخيم.. كانت طائرات الأباتشي تلاحق المدنيين .. وهم يحاولون الهرب من المخيم، لكن الأباتشي كانت تحاصرهم وتعاود استهدافهم.
لم يستطع علي أحمد أحمد طراش 17 عاماً العودة إلى المخيم للاطمئنان على والده البالغ من العمر 70 عاماً ، لذلك بقي على مقربة من المخيم حتى انتهى القصف.. كان علي يشاهد تحليق الأباتشي وهي تنقض على النساء والشيوخ والأطفال وحتى الرجال المدنيين ، مطلقة سيل قذائف رشاشاتها، ثم تحلق فوقهم مبتعدة قبل أن تستدير عائدة .. بينما الأخرى تطلق صواريخها وقنابلها فوق رؤوسهم وخيامهم مباشرة.. وكان بعض القنابل ما إن يلامس الأرض حتى تخرج منه مئات القنابل..  إنهم يقصفون المدنيين بالقنابل العنقودية.
لم يكن الحاج ناصر هادي بعد خروجه من المسجد يتوقع أن يعود ليرى قريبه علي هاشم خميس وزوجته قد فارقا الحياة هما وجارهما علي دحان خميس.
كذلك لم يستطع علي أحمد أحمد طراش أن ينتظر كثيراً .. وما إن عاد حتى وجد أباه الطاعن في السن ممدداً هناك في ركن من بقايا خيمته المحترقة وحوله بعض الأهل، وهو لا يستطيعُ تحريك قدمه ولا يده.. فصرخ الولد في هلع: أبي..
ليرفع الشيخ المسن إلى ولده نظرة فرح بوجه محروق، لم يمنع كل ما به من إطلاق دموع الفرح بعودة ولده الوحيد سالماً.
وفي مزرعة بجوار المخيم.. كان محمد عبده هندي 50 عاماً وهو من أهالي “دغيج” يجثو على ابنته الوحيدة “جبرة” 15 عاماً ورأسها ووجهها قد ضرجا بالدماء، وينادي في الأهالي لإسعاف ابنته.
هب علي أحمد للمساعدة في رفع والده العجوز وأثناء حمله والسير به خلال المخيم كان المشهد رهيباً.. لم يكن قد انتبه إليه لانشغاله بوالدة أثناء عودته إلى المخيم.
فإلى جوار خيمته كانت هناك جثث متفحمة لا يزال دخان احتراقها يتصاعد والمكان أشبه بجحيم وإلى جوار ذلك أناس هرعوا لإسعاف الجرحى وهم يرفعون جريحة تتدلى قدمها شبه مبتورة وهي تصرخ صراخاً يخلع القلوب.
وعلى اليسار طفل مختضب بدمائه وطفلة لا تزال ممسكة ببقايا دمية كانت تلعب بها وهما يتلقيان الاسعاف .. لم يكن المشهد درامياً.. لقد كان واقعياً حقيقياً أنتجته أمريكا والسعودية بالتعاون مع عملاء الداخل.
لم يكن مخيم اللاجئين نكرة.. لقد كان مخيم لاجئين معترفاً به ومعروفاً وتم حفر بئر خاصة به على يد إحدى المنظمات الدولية.. كما لم يكن بجوار المخيم أي معسكر أو أي مظهر من المظاهر المسلحة، ولم يكن المخيم ذاتُه يؤوي غير النازحين..ولا يعلم أحد سبباً لاستهدافه من قبل طائرات العدوان.
وعند أصيل ذلك اليوم السبت 6 /6 /2015م كان الأهالي ومن سلم من النازحين قد أسعفوا أكثر من 60 جريحاً بينهم 18 طفلاً وطفلة و9 نساء و12 رجلاً من كبار السن.. بينما كانوا قد أحصوا 13 شهيداً بينهم 3 نساء و2 من كبار السن.
انطلقت سيارة أحد أهالي المنطقة وهي تقل عدداً من الجرحى وذويهم.. وفي السيارة كان أحد النازحين ممسكاً بيد والده المسن الجريح وهو يتطلع عبر زجاج مؤخرة السيارة بعينين دامعتين إلى المخيم الذي ترك فيه والدته الشهيدة وبعض إخوته.
كان المخيم بأكمله يستعد للنزوح مرة أخرى يشاركه في ذلك سكان قرية “دغيج” بأكملهم الذين لن ينسوا ذلك اليوم.. لكن بعض أهالي القرية لم ينزحوا من قريتهم .. لقد فضلوا البقاء فيها.
وفي اليوم التالي كان الطفلان محمد وقريبته عائشة يرعيان الأغنام بجوار المزارع المحيطة.. فوجدا إحدى القنابل العنقودية ملقاة على الأرض لم يستطيعا منع نفسيهما من مقاومة رغبة معرفة هذا الشيء لقد كان شيئاً مجهولاً بالنسبة لهما.
دفعت الطفلة عائشة ذاك الشيء بقدمها ليدوِّي انفجار هرعت على إثره بعضُ نساء القرية ورجالها.. وصدى مجزرة أباتشي الأمس لا يزال في آذانهم وأثره في نفوسهم.
كان ذلك الانفجار بمثابة استمرار لعملية الأمس التي تنمر فيها العدوان بأحدث طائراته على نازحين عزل أغلبهم أطفال ونساء وشيوخ .. وكأن المعركة لا تزال مستمرة.
عندما وصل الأهالي.. كان الطفلان ملقيين على الأرض يصرخان والدماء تسيل من جسديهما الصغيرين..
نقلا إلى المستشفى للعلاج .. لكن الطفلة فقدت أصابع قدميها.. فقدتها وإلى الأبد.
• بالتعاون مع “المركز القانوني للحقوق والتنمية” .. بتصرف

قد يعجبك ايضا