من ملفات الشرطة: عصابة الدراجات والموظف الذي صار راعيا للأغنام

عرض وتحليل/ حسين كريش
القضية هذه على درجة عالية من الجسامة والخطورة وكذا الازدواجية المركبة والجرأة ثم الغرابة التي تفوق كل تصور وخيال .. حيث أن الجناة أو المتهمين فيها بلغ عددهم أكثر من 18 شخصاً , كما أن الضحايا بها وصل إجمالهم إلى الكثير والأدوات المستخدمة فيها الدراجات النارية , وبعض السيارات التاكسي , وكذلك أسلحة المسدسات المختلفة وبعض العناصر النسائية ثم رؤوس البلاكات والمطاطات وغير ذلك .. وأماكن ارتكاب العمليات كانت عدة مناطق ومواقع بنطاق أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء.. وآخر جريمة ارتكبت كانت في منطقة دار الحيد بسنحان محافظة صنعاء وفي ثنايا الأحداث والسطور ما هو أكثر إثارة وغرابة .. ومع الوقائع والتفاصيل من بدايتها .
هو مواطن اسمه : عبدالله علي عرسه , يعمل كمحصل مالي لإحدى شركات القطاع الخاص بالعاصمة صنعاء , من أهالي محل دار الحيد بمديرية سنحان محافظة صنعاء .. معروف بالبساطة والأمانة والنزاهة والتعامل بصدق وحسن ثقة مع كل الناس .. ثم في ذلك اليوم والذي لم يكن بعيداً وأثناء الحرب والعدوان على اليمن، والوقت كان قبل الظهر صادف أنه قام بحكم عمله ومعه شخص رفيق له اسمه / إسماعيل النهمي بسحب مبلغ ستة ملايين وعشرين ألف ريال بموجب شيك تابع للشركة من مصرف الجزيرة الكائن بشارع حدة أمام شارع الأمناء , وقام مع صاحبة بحمل المبلغ داخل شوالة على السيارة التابعة للشركة العامل بها والتي كانت بعهدته وهي نوع هايلكس غمارتين , وفي الكرسي الخلفي , وتحرك من هناك – من شارع حدة – متجها بالسيارة – ومعه رفيقه – نحو ميدان السبعين , ثم إلى منطقة دارسلم , وهناك قام بسحب مبلغ آخر وقدره أربعة ملايين ريال وثلاثمائة الف ريال لصالح الشركة من أحد المحلات للمواد الغذائية , ووضع المبلغ بداخل شوالة أيضا وضم الشوالة في الكرسي الخلفي السيارة إلى جانب الشوالة الأولى, ثم تحرك بالسيارة – وبرفقته صديقه – إلى سوق الهندوانة لشراء قات من هناك , حيث نزل صاحبه لشراء القات , ثم اتجه بالسيارة إلى شارع خولان ومنه إلى منطقة الخفجي وهناك نزل صاحبه إسماعيل ,وهو أي المحصل (عبدالله ) واصل سيره متجهاً في نهاية المطاف إلى منزله بمنطقة دار الجبد سنحان , ووقف بالسيارة أمام باب المنزل وبجواره تماماً على أساس أنه يدخل للمنزل لتناول الطعام الغداء , بعد ذلك خرج لكي يقوم بإيصال المبلغ الذي بداخل السيارة وقدره عشرة ملايين وثلاثمائة وعشرين ألف ريال (في الشوالتين ) إلى البنك لإيداعه فيه وتوريده لصالح حساب الشركة حسب المعتاد.. وقد أغلق أبواب السيارة وأمنها وترك الشوالتين بما فيها بداخلها , ثم دخل للمنزل لتناول الغداء وكانت الساعة وقتها الواحدة إلا ربع ظهراً .. وأثناء ما كان يتناول طعام الغداء هو وأهل البيت بالمنزل حضر إليه أحد أقربائه وهو ولد أخته والذي أخبره بما يفيد أنه وصل إلى باب المنزل ورأى زجاج (فريم ) السيارة المثلث كان مكسوراً وباب الكرسي الخلفي مفتوحاً وسأله من الذي كسره ..؟!
فكان هذا السؤال كأنه المطرقة التي ضربته على رأسه , فارتعش مصعوقا وبلا إرادة قام واخوانه من فوق الغداء سريعا وخوجوا من المنزل لرؤية السيارة .. وهناك حين خروجهم رأى زجاج السيارة المثلث مكسوراً والكرسي الخلفي مفتوحاً .. ووجد الشوالتين اللتين فيهما المال لم تعودا موجودتين, وقد اختفتا من السيارة ومن المكان نهائيا وكاد ينهار من الصدمة .. إنها كارثة وكارثة كبيرة .. سارع ومعه إخوانه للتحرك والسير باتجاه خط القرية وعثروا في الطريق على شخصين من أهالي القرية وسألوهما عما إذا شاهدا أحداً ..؟ فرد عليهم الشخصان بأنهما رأيا دراجتين ناريتين مرتا من الطريق باتجاه الشارع الرئيسي قبل قليل وبين يدي سائقيهما شوالتين كل منهما مليئة بشيء ما .. فواصلوا تحركهم نحو شارع خولان , وسألوا هناك أصحاب المحلات البائعين فرد عليهم أحدهم بأنه شاهد شخصين على متن دراجتين بين يدي كل منهما شوالة بيضاء وقد اتجها في سيرهما بالشارع شمالاً.. فحاولوا اللحاق بهما والبحث عنهما , لكن لم يعثروا لهما على أثر , وكأن الدراجتين بحسب أوصافهما فص ملح وذاب حيث اختفتا وعلى امتداد شارع خولان كله .. فيأس المحصل المنكوب وأوشك أن يصفع نفسه , ولكن إخوانه حاولوا تهدئته , ثم عادوا إلى القرية لإبلاغ الشيخ والعقال وبعض الأهالي بالقرية بما حصل , فقالم أحد العقال بإبلاغ مركز شرطة القلقان التابع للأمانة كونه الأقرب للمنطقة بعد تدمير مقر شرطة المنطقة الرابعة ومديرية سنحان وبني بهلول بمحافظة صنعاء من قبل طائرات العدوان .. وتم طلب مختصي الأدلة الجنائية , وأجريت المعانية الفنية ورفع الصمات من قبل هؤلاء , واستكملت الإجراءات الأولية ولكن بفتور , حيث لم يتفاعل مركز شرطة القلفان وكذلك جهات الشرطة في البداية مع البلاغ والقضية , بل أن البعض منهم شكك في الأمر , وأعتبر القضية مجرد قضية مفتعلة , وأن وراءها المتحصل (الضحية ) نفسه لأن المبلغ عشرة ملايين وثلاثمائة وعشرين ألف ريال , وهو مبلغ مغر , وشاركهم في هذا الشك والظن حتى بعض أهالي القرية إضافة إلى صاحب العمل أو الشركة التي يشتغل فيها المتحصل (المنكوب) والذي تعامل معه كتاجر يهتم بماله وبالربح والخسارة ولا يهمه مراعاة الجانب الإنساني أو الثقة من عدمها وقد طلب منه إعطاءه ما يضمن حقه من مبلغ المال المفقود , فأعطاه وثيقة ملكية عقارية مقابل المال (المسروق) كضمان وليس ذلك وحسب , ولكنه وفصله من العمل أيضا وطرده ليتحول على إثرها الموظف (الضحية) إلى عاطل عن العمل , ثم إلى راعي أغنام .. إذ راح يرعى الأغنام التابعة لوالده وإخوانه بدلاً عن الوظيفة , ومضى يقابل نظرات الناس وتهامس الآخرين حوله بنفسية محطمة ومدمرة .. إنه وكل أفراد أسرته مثال للشرف وحسن السمعة ونموذج للكرامة والعيش بنقاء بين كل الأهالي والقرى بالمديرية والمديريات المحيطة , وهو ومعه كافة الأقرباء والأسرة لا يقبلون النظر إليه بأقل شك ولا بأدنى شبهة وإنه يهون عليه أن يموت ويفقد حياته من أن يقدم على الخيانة أو يفكر مجرد تفكير في السرقة وأكل المال الحرام .. وكان من حسن حظه ممن يعرف عنه هذه الصفات الحميدة ويقابله بالثقة فيه والذي كان أحد الأهالي بالقرية هو الأخ العقيد / خالد الشمج , والذي كان هو كذلك مديرا لأمن المنطقة الرابعة بمحافظة صنعاء .. حيث تحمس معه ولم يقبل أن يظلم بهذه الصورة من قبل الجميع , وأبدى استعداده وتفانيه للعمل على البحث في القضية وكشف ملابساتها وفاعليها من منطلق أن الواقعة حدثت في نطاق اختصاص منطقته وهي من مسؤوليته .
وثانيا أن الواجب يحتم عليه إنصاف المظلوم وإثبات براءة من هو بريء في نظره وضبط الفاعلين الحقيقيين وتقديمهم للعدالة , حتى لو كان ذلك بشكل ذاتي وبتحرك خاص بالاشتراك مع المظلوم (المجني عليه ) وأقربائه .. بحيث تحرك وإياهم , وبدأوا من نقطة الصفر في المتابعة والبحث .. وذهبوا لتتبع سير تحرك المجني عليه يوم الواقعة من لحظة سحبه المبلغ الأول (ستة ملايين وعشرين ألف ريال ) من مصرف الجريرة بشارع حدة , ثم انطلاقة بالسيارة الها يلوكس والمبلغ عليها من بشارع حدة , تتبع خط سيره حتى وصوله إلى دار سلم وسحبه المبلغ الثاني (أربعة ملايين وثلاثمائة ) وحمله على السيارة وانطلاقه إلى أن وصل أخيراً إلى باب منزله وقريته دار الحيد وحدوث الواقعة هناك في وضح النهار ..وذلك من خلال الاهتمام باستخراج تسجيلات كاميرات التصوير والمراقبة الخاصة بالمصرف المسحوب منه المبلغ الأول وكذا مصرف الكريمي المقابل له بشارع حدة , وكاميرات المراقبة الموجودة على امتداد الخط ومعرفة من قام بتتبع المجني عليه واللحاق به في سيره من لحظة انطلاقه وحتى وصوله إلى محل دار الحيد والتحري بدقة عن ذلك وجروا في هذا الاتجاه جري الوحوش , واجتهدوا أكثر مما ليس متوقعاً , وتحملوا الكثير والكثير إلى أن توصلوا بعد جهد جهيد إلى استخراج صور لبعض الأشخاص الذين كانوا على دراجات نارية وبعض سيارات وقاموا بملاحقة المجني عليه والسير وراءه وهو بالسيارة الهايلكس من لحظة انطلاقه من شارع حدة وحتى وصوله نهاية الخط.. والصور التي كانت واضحة لهؤلاء الأشخاص المشتبهين وعلى الدراجات والسيارات تم استخراجها من كاميرات بنك كاك بنك على الخط .. ومنهم ثلاثة أشخاص تمت متابعتهم من قبل العقيد/ خالد الشمج مدير أمن المنطقة الرابعة ومن معه إلى أن توصلوا إليهم وتمكنوا من ضبطهم وإيصالهم إلى المقر البديل الخاص بأمن المنطقة ومباشرة استنطاقهم هناك بنفس اليوم كلا على حدة , وكان ذلك بعد ما يزيد عن خمسة أسابيع من يوم الواقعة , ليتضح حينها من خلال المحاضر والاعترافات للأشخاص الثلاثة المجهول وينكشف المستور , ثم تتغير المفاهيم والمعادلة , بل وتتحول القضية إلى مثار اهتمام لمباحث المحافظة صنعاء ومباحث أمانة العاصمة وللإدارة العامة للبحث الجنائي إضافة لشرطة المنطقة الرابعة .. ويتشكل فريق عمل مشترك للمتابعة والضبط من الجهات المذكور .. لتتطور بعد ذلك الأحداث ويتم اكتشاف عدة جرائم وقعت من قبل وكانت مجهولة , كما تم ضبط أشخاص آخرين كانوا ضمن عصابتين لديهم دراجات نارية وسيارات وكذا عناصر نسائية يستخدمونها في مراقبة واصطياد الضحايا من أمام المصارف والبنوك وملاحقتهم حتى سلبهم مالديهم من أموال ونقود , وقد نتج عن ذلك سقوط قتيلين إثنين وإصابة بعض الأشخاص وهذا وغيره ما ستعرفه عزيزنا القارئ الكريم في الحلقة الثانية والأخيرة بعدد الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى، وإلى اللقاء.

قد يعجبك ايضا