حكومة الانقاذ والعدو الأخطر (الفساد)
محارب علي أبو غانم
يقول نابوليون بونابرت في مقولته الشهيرة (أعطني قليلاً من الشرفاء أحط بهم جيشاً من اللصوص) .
طلب مني بعض الزملاء إعادة الكتابة حول أخلاقيات الوظيفة العامة وهل تم ادراجها ضمن البرنامج العام لحكومة الانقاذ الوطني فما كان مني إلا أن وافقت لما فيه الصالح العام .
بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة من 42 وزيراً قام رئيس حكومة الانقاذ الوطني الدكتور /عبدالعزيز بن حبتور . يوم الثلاثاء الموافق 7 ديسمبر 2016م بتقديم البرنامج العام لحكومته في 16 صفحة لمجلس النواب لمناقشته ومنح الثقة لحكومته التي قالت في رسالتها المقدمة لرئيس وأعضاء البرلمان أن برنامجها بمحاوره التي يركز عليها تمثل استجابة لاستحقاقات المرحلة الراهنة كأولويات ضمنية ذات طابع عاجل على المستوى قصير الأجل وكذا عدد من البرامج والسياسات متوسطة المدى، إلا أن استمرار العدوان والحصار على بلادنا سيفرض على الحكومة التركيز في أدائها في ظل الامكانيات والموارد المتاحة لديها على الأولويات المتعلقة بمواجهة العدوان والحد من آثاره وتعزيز صمود الجبهة الداخلية، كما تناول برنامج الحكومة بعض السياسات الاقتصادية والمالية والإصلاحات المؤسسية فنص على أن الأوضاع الاقتصادية الراهنة الناتجة عن العدوان والحصار تقتضي مضاعفة وتكثيف الجهود الوطنية من أجل انقاذ الاقتصاد الوطني والمالية العامة على وجه الخصوص من السقوط والانهيار وإعادتها إلى وضع الاستدامة وفي هذا الصدد ستعمل الحكومة على معالجة الاختلالات وتجاوز الصعوبات كما ستعمل على معالجة الاشكالات والاختلالات القائمة التي طرأت على سوق مبيعات المشتقات النفطية المحلية والغاز المحلي وستعيد النظر في جدوى الاعفاءات الجمركية والضريبية وإلغاء الاعفاءات الجمركية الممنوحة للجهات الحكومية والمؤسسات العامة وبعض المشاريع ذات الطابع الربحي التي تجاوزت فترتها القانونية وحل أزمة المشتقات النفطية وضمان توفيرها بأسعار عادلة وإعادة النظر في الآلية الخاصة باستيراد المشتقات إلى آخره من الأعمال الاصلاحية التي ستقوم الحكومة به فيما يخص السياسات الاقتصادية والمالية .
أما فيما يخص تطوير البناء المؤسسي والتشريعي فوعدت الحكومة بحل الاشكاليات القانونية والاجرائية التي صاحبها استلام القطاعات التي آلت ملكيتها للدولة نتيجة لانسحاب الشركات الأجنبية المشغلة لها .
والعمل أيضاً على توفير حاجات السوق المحلية من مادة الغاز المنزلي وضبط وانسياب جميع أنشطة التجارة الداخلية وتفعيل المرجعيات واللوائح والأدوات المنظمة لها إلى آخره من الاصلاحات الأخرى .
كل ما سبق ذكره من بعض الأعمال الاصلاحية التي ستقوم حكومة الانقاذ الوطني بها تدل على الاعتراف الضمني لهذه الحكومة بوجود الفساد في مؤسساتها والذي أدى إلى والاختلالات والتجاوزات لكن ما هي الوعود التي وعدت بها حكومة الانقاذ الوطني الشعب أمام مجلس النواب فيما يخص محاربة الفساد ؟ تناول البرنامج العام لحكومة الانقاذ الوطني فيما يخص التطوير الإداري والاصلاح المؤسسي أعمالاً ستقوم بها الحكومة لتطوير الأداء المؤسسي لكافة أجهزة الدولة على المستوى المركزي والمحلي بالاستناد إلى الضوابط الدستورية وأحكام التشريعات النافذة بالتزامن مع مكافحة التسيب في العمل الإداري ومكافحة الفساد الذي استشرى بسبب التغاضي والتأثير المباشر وغير المباشر للعدوان وذلك من خلال تفعيل نشاط دور الهيئات القضائية وأجهزة العدالة وتفعيل دور وزارة الشؤون القانونية للاضطلاع بدور فاعل تجاه القضايا المرفوعة على بعض مؤسسات الدولة وتفعيل قطاع الرقابة والتوعية القانونية للعمل على توعية المجتمع بالواجبات الوطنية والوقف النهائي للتوظيف الجديد وإلغاء أي اجراءات توظيف تمت بالمخالفة خلال الفترة السابقة واستكمال نظام البصمة والصورة الشخصي وإعداد نظام تقلد المناصب الحكومية (بمستوى الإدارات العليا) وهذا ما سنتكلم عنه ونركز عليه لكن قبل أن نتناول نظام تقلد المناصب الحكومية (بمستوى الإدارات العليا) والذي له اخلاقياته وتسمى في المصطلحات القانونية اخلاقيات الوظيفة العامة سنبدأ بتعريف مفهوم الفساد فالفساد في اللغة يعني التلف أو عدم الصلاحية فيقال فسد الشيء بمعنى فقد صلاحيته قال تعالى : “ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها” الأعراف 56.
وهناك عدة صور للفساد منها الفساد السياسي والإداري والمالي والأخلاقي والديني والاقتصادي وسنتناول هنا الفساد الإداري ويعرف بأنه (إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها عن غايتها الرئيسية وهي المصلحة العامة) وهناك عدة تعريفات أخرى للفساد الإداري فمنظومة الشفافية الدولية تعرفه بأنه (سوء استخدام السلطة العامة) وصندوق النقد الدولي يعرفه بأنه (علاقة الايدي الطويلة المتعمدة التي تهدف لاستنتاج الفوائد من هذا السلوك لشخص واحد أو لمجموعة ذات علاقة بالآخرين ويصبح الفساد علاقة وسلوك اجتماعي تسعى رموزه إلى انتهاك قواعد السلوك الاجتماعي فيما يمثل عند المجتمع المصلحة العامة) والبعض يعرف الفساد الإداري بأنه (ذلك السلوك الإنساني الذي يدل على الانحراف في الالتزام بأخلاقيات الوظيفة العامة لتحقيق مصلحة شخصية مادية أو معنوية تتعارض مع المصلحة العامة) وهناك مظاهر وأشكال عدة للفساد الإداري في اليمن منها المحسوبية والمحاباة والوساطة في التعيينات الحكومية واستخدام أو استغلال المنصب العام من قبل الشخصيات المتنفذة للحصول على امتيازات خاصة مباشرة أو غير مباشرة كالامتيازات المتعلقة بالخدمات العامة ومشاريع البينة التحتية والوكالات التجارية للمواد الأساسية والحصول من الآخرين على العمولات مقابل تسهيل حصولهم على هذه الامتيازات ومن أشكال الفساد أيضاً غياب النزاهة والشفافية في طرح العطاءات الحكومية وأيضاً الرشوة والابتزاز والتهديد والاختلاس .
ويلاحظ أن أغلبية الباحثين والدارسين المهتمين بتحليل مظاهر وأشكال الفساد وتحديد أسبابه يتفقون على أن الفساد الإداري بمختلف مظاهرة وأشكاله يعود في الأساس إلى انحراف أخلاقي سلوكي يعكس تفكك عرى الالتزام بأخلاقيات الوظيفة العامة وهو السبب الذي يقود إلى انخفاض معنوية الموظف تجاه القيم الجيدة ويساعد على إخفاقه في التمسك بالقواعد الرسمية والعمل في ظل الإغراءات ودوافع المصالح الشخصية التي قد تكون مادية أو معنوية فعلماء الإدارة قد أجمعوا على أن علاقة الأخلاق بالإدارة جزء من العملية الإدارية لأن السلوك الوظيفي جزء من السلوك الإنساني الذي يتأثر بالقيم والتقاليد والفساد الإداري لا تقتصر أسبابه على خضوع الموظف للحاجات المادية ولكنها تشمل وبصورة أقوى خضوعه لتحيزاته وانتماءاته أياً كانت حزبية أو مذهبية أو غيرها وأيضاً أيديولوجياته وخلفياته المحددة.
فالفساد الإداري ما هو إلا نتيجة لفساد القيم الاجتماعية في المجتمع نفسه الذي يعيش بداخله هذا الموظف .
من جانب آخر نجد أن أخلاقيات الوظيفة العامة تحظى باهتمام من مختلف حكومات العالم حيث نلاحظ اتجاهاً يكاد يكون عاماً في تشريعات الخدمة المدنية لمعظم الدول وهو الاشتراط للتعيين في الوظيفة العامة أن لا يكون المتقدم للتعيين قد حكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية بسبب ارتكابه جريمة قانون الخدمة المدنية اليمني رقم (19) لعام 1991م , حيث نصت لائحته التنفيذية الصادرة بالقرار الجمهوري رقم (22) لسنة 1992م في إحدى موادها وهي المادة رقم (30) الخاصة بشروط التعيين في الوظيفة العامة في الفقرة رقم (7) على أن لا يكون قد حكم عليه بعقوبة قيد الحرية في جريمة تخل بالشرف أو الأمانة كالرشوة والاختلاس والسرقة والتزوير والتلاعب بالمال العام والشهادة الكاذبة وغيرها ما لم يكن رد إليه اعتباره .
فأخلاقيات الوظيفة العامة تعني مجموعة القيم الدينية والقواعد الأخلاقية الضرورية للاتجاهات والسلوكيات الجيدة للموظف العام لحماية هيبة وكرامة الوظيفة العامة وعند وضع هذه الأخلاقيات قواعد قانونية ملزمة فإن أي انحراف عنها يعتبر جريمة من المنظور القانوني لأنه يمثل اعتداء وتعطيلاً للمصلحة العامة والتي يحميها قانون عام يهدف إلى ضمان سير عمل المرافق العامة ومن جانب آخر يمثل هذا الانحراف تشويهاً لإدارة الحكومة ويبعدها عن غايتها النبيلة أي المصلحة العامة .
فأخلاقيات الوظيفة العامة تشكل ضماناً لتصرف الموظف العام في إنجازه مهامه على أساس الموضوعية والنزاهة وبدون تمييز أو تحيز لأحد المنتفعين وفقاً لما توجهه المسئولية الأخلاقية والقانونية .
لكن في اليمن العزيز يمكن القول أن تدني الالتزام بأخلاقيات الوظيفة العامة يمثل أحد الأسباب الهامة المساعدة على انتشار الفساد في, فمن الملاحظ وجود خلل في بناء المجتمع ووظائفه الأمر الذي ينعكس سلباً على طبيعة العلاقات والسلوكيات ففي المجتمع اليمني تبرز بعض التقاليد والعادات المختلفة الخاطئة للمفاهيم الدينية وضعف الوازع الديني كما أن العلاقات غير المساعدة على التطور الحضاري مثل ما تفرزه بعض العلاقات القبلية والعشائر من الارتباطات وتأثيرات ذوي النفوذ على الوظيفة العامة يساعد في تفشي الفساد .
أضف إلى ذلك معيار الحزبية وهو المعيار الذي تم الأخذ به خلال الفترات الماضية لتولي الوظيفة العامة وضعف الرقابة التشريعية والقضائية في مكافحة الفساد وتأثير بعض السياسيين على عمل الموظفين العموميين باستغلال نفوذهم لتحقيق مكاسب غير مشروعة وعدم إعطاء الاهتمام الكافي للكفاءات والخبرات المناسبة عند اختيار القيادات الإدارية .
فالعلاقة بين أخلاقيات الوظيفة العامة والفساد الإداري هي علاقة ذات تأثير عكسي فالالتزام بهذه الأخلاقيات يشكل ضابطاً كابحاً لاتجاه الموظف وانزلاقه في مواقع الفساد بينما عدم الالتزام بها يساعد على الفساد وتفشيه وأسباب انتشار الفساد كثيرة منها الاجتماعية والاقتصادية والإدارية والسياسية , وأهمها السياسية فمن الملاحظ في الدول النامية اتساع نطاق فساد البيئة السياسية وخاصة في دائرة صناعة السياسات العليا رغم أنه من أشد أنواع الفساد ضراوة فهو يساعد على تسلسل الفساد إلى مؤسسات يعُول عليها القيام بالدور القيادي في مكافحة الفساد مثل المجالس النيابية ومجلس الوزراء والقضاء فهذه الهيئات هي الصانعة لأسس الحكم الصالح والقادرة على أن تضمن تنفيذها مثل احترام الحريات والحقوق وإيجاد النظام القانوني لحمايتها وتعزيز مبادئ الإدارة العامة الرشيدة والتي أهمها إيجاد وترسيخ البنى الإدارية والمؤسسية الصحيحة والفصل المتوازن للسلطات ودعم العمل المؤسسي والالتزام بمعايير الكفاءة عند اختيار الموظفين والقيادات الإدارية , وأيضاً تكريس ودعم الشفافية والمساءلة والمحاسبة فالموظفون العموميون يقومون بإداء مهامهم في إطار البيئة السياسية ووفق توجيهاتها الفعلية , فالإدارة الجيدة تشكل انعكاساً جيداً للسياسة الموجهة , بينما الفساد الإداري يعكس وجود خلل في السياسة السائدة .
فوجود الفساد في الوسط السياسي يساعد إلى حد كبير على وجود وتفشي الفساد الإداري ففساد السلطة من أهم صور الفساد فهي تكون بيئة ملائمة لاحتضان الفساد والدرع الحامي للمفسدين وتكون الراعية لبؤرة الفساد فمنها يستشري وينطلق ويتوسع ويصبح للمفسدين تنظيم يحتوى على شبكات قوية وضاغطة تتمترس خلف لوائح وتشريعات قانونية قابلة للتأويل .
(طلب من شارل ديجول تولي رئاسة الجمهورية الفرنسية الخامسة قال لهم : لم أتول حتى تقولون لي عن حال القضاء والجامعة فقالوا له : إنهم بأحسن حال فقال لهم سوف أتأكد من ذلك فمرت أشهر وهو يجول يبحث ويتقصى عن حال القضاء والجامعة فعاد لهم بعد ذلك وقال : نعم هم في أحسن حال , وقبل تولي رئاسة الجمهورية الفرنسية) .
ألا يفطر القلب حال القضاء والجامعة في بلادنا . وفي الأخير نرجو من الله أن تصدق الحكومة في نواياها تجاه الشعب وأن يفهم الشعب ما عليه من واجبات وماله من حقوق تجاه الحكومة وليكف الاثنان شعباً وحكومة عن تمجيد الأشخاص فالمجد كل المجد لكِ أنت يا يمن .