أول قانون تجاري في العالم

قانون مملكة (قتبان) التجاري
د.حسـن علـي مجلـي
هذا قانون تجاري يمني لا مثيل له في تاريخ العالم القديم (قبل الإسلام)، بل هو مع (قانون سبأ التجاري)، أول قانونين تجاريين في العالم منذ ظهور الإنسان على وجه الأرض. والقانون عبارة عن تشريع أصدره الملك (شهر هلل) أو (شهر هلال)، قبل أكثر من ألفين من السنين، لتنظيم التجارة وبيان واجبات التاجر والضرائب التي كان متوجباً عليه أن يدفعها إلى الحكومة. وقد أمر الملك بإعلان القانون المذكور، بعد تدوينه على الحجر، ليقف عليه تجار عاصمة مدينة (تمنع) وغيرهم من التجار الذين يقصدون عاصمته بقصد ممارسة التجارة، وقد تم زَبْرُه (نقشه) على حجر يبلغ طوله مترين، ونصبه الملك في (المنطقة التجارية) من العاصمة، وهي المنطقة المعروفة بـ (شَمَّر) وكان فيها سوق شهير.
أهميـــة القانـــون :
يعتبر (قانون تمنع التجاري) من أهم النصوص التشريعية الخاصة بتنظيم الأعمال والأسواق التجارية في العالم القديم، إذ يظهر مدى التطور الفكري والحضاري لدى سكان (الدويلات – المدن) اليمن القديم، كما أنه من القوانين النادرة المتكاملة والتي تتناول تنظيم التجارة داخل الأراضي التي شرع لحكمها، وفضلاً عن ذلك فإن هذا القانون هو بمثابة برهان تاريخي على معرفة سكان المنطقة بالنظم القانونية، حيث يشكل نموذجاً لتشريعات أخرى أصدرتها السلطات الحاكمة في نواحي الحياة كافة.
و(قانون تمنع التجاري) هو مجموعة من القواعد التي تهدف إلى:
1- تنظيم التجارة داخل العاصمة (تَمْنع) وأراضي قتبان قاطبة.
2- حماية حقوق (الشعب القتباني) التجارية من منافسة التجار الغرباء.
3- ضمان حقوق (الدويلة – المدينة) في الحصول على الضرائب.
اكتشـــاف القانـــون :
تم العثور على هذا القانون منقوشاً على عمود حجري في سوق (تمنع) عاصمة قتبان (بيحان القديمة) التي قامت وازدهرت قبل أكثر من ألفي عام. وقد ترجمه وعلق عليه لغوياً وطبوغرافيا البروفيسور (بيستون) جامعة إكسفورد – بريطانيا ونقل محتواه إلى اللغة العربية المؤرخ المرحوم: د. جواد علي، كذلك المؤرخ المرحوم سلطان ناجي
مضمــون القانــون :
وقد جاء في القانون المذكور أن على من يريد الاشتغال بالتجارة في منطقة (شمر) أن يقدم (عرباً) (عرب)، أي (عربوناً) وضماناً، وأن يقيم في هذه المنطقة وأن يقتصر نشاطه على التعامل بالتجارة وحدها، وبالأسعار السائدة فيها، كما أكد القانون أنه للقتبانيين العاملين في التجارة في هذه المنطقة حق الشراء من الخارج أيضاً. وتطرق النص النقشي إلى الفروق التي قد تحدث في الأسعار وإلى الخسائر التي قد تلحق بالخزينة العامة من جراء انخفاض الضرائب التي تنشأ من الفروق بين الأسعار وبسبب المضاربات، فأوجب على سيد (شمر)، أي على القائم بأمر المنطقة التجارية (عامل السوق) أي المسؤول الإداري عليه، بأن يدفع تعويضاً عن الأضرار الناجمة بسبب ذلك، كما نص القانون على (العربون) أي الضمان الذي يقدمه التاجر مقابل إعطائه حق اشتغاله بالتجارة في السوق ولضمان عدم تلاعبه أو تحايله في البيع والشراء.
العقوبــات والمحاكمــة :
وتضمن القانون المذكور بعض العقوبات المالية، ومنها مصادرة الأموال المنقولة وبيوت التجار، وذلك في حالة ما إذا كان ضمانهم غير كاف أو أقل من المطلوب، كذلك ضَمَّن المشرع اليمني القديم (قانون التجارة القتباني) الظروف والحالات التي يمكن تتجاوز فيها العقوبات المفروضة على التاجر مقدار الضمان المقدم منه.
وقد تطرقت نصوص القانون المطبق في عاصمة الدولة القتبانية (تَمْنع) والتي كانت أشبه ما تكون بـ (المدينة – الدويلة) داخل الكيان السياسي القتباني الكبير في اليمن القديم، إلى التاجر الذي يضع (عربوناً) ، في (تمنع)، ثم يقوم بالاتجار مع تجار غرباء غير قتبانيين أو مع الأشخاص الساكنين في المناطق الأخرى، وورد في القانون أن للقتبانيين المتضررين من هذا الاتجار ولسلطات الحي التجاري (شَمّر)، أي المنطقة المخصصة للتجارة والمختصة بها من مدينة (تمنع) حق مقاضاة هؤلاء التجار وفقاً للقانون أمام (قاضي السوق). ثم تطرق القانون إلى وجوب العناية بهذه المنطقة التجارية من (تَمْنع) ولزوم المحافظة عليها ومراقبة تجارتها، ومنع ممارسة التجارة فيها بعد حلول الظلام وإيقاف كل بيع وشراء أثناء الليل بل وجوب مغادرتها عندما يرخي سدوله.
دور الملك وغاية المشرع :
يتضح من دراسة هذا النقش الذي لا مثيل له في العالم القديم أن حق تنظيم شؤون التجارة في المدينة كان محصوراً بالملك، الذي كان وحده هو المخول تحديد أنواع التجارة وأوقاتها.
والواضح من خلال الإطلاع على القانون المذكور – أن غاية المشرع في دويلات بعض ممالك اليمن القديم من وضعه، كانت هي ضبط الأسعار وحماية السوق من التلاعب وضمان حقوق سكان المدينة في التجارة، وتنظيم الجباية الضريبية وحماية مصالح الحكومة فيها.
نصـــوص القانـــون :
نورد فيما يلي نصوص (قانون قتبان التجاري) بحروف الخط المسند ثم ترجمة لها مع التعليق الأكاديمي على كل مادة من مواد القانون المذكور.
النقش : [A,B,C] RES 4337
المكان : تمنع
التاريخ : بدون
النص الكامل للنقش القتباني المتضمن نص القانون التجاري بحروف المسند، حيث يقابل كل سطر من الكلمات المنقوشة بخط المسند الترجمة العربية له حسب تسلسل الأرقام:
الجزء الأول:
[A]
[ستة أسطر من الجزء الأول من نصوص القانون بخط المسند].
القراءة العامة للنص :
الجزء الأول بالترجمة العربية الحَرْفِيَّة :
1 – هكذا أمر وحرر
2 – وشرع (شهر هلل)
3 – بن يدع أب ملك (قتبان) و
4 – (شعب) قتبان في (تمنع) أو (بروم) و
5 – الواديين حوكم) وأولاد (عم)
6 – وملاك تمنع وملاك (أولاد)
7 – عم بأن على تاجر تمنع
8 – وبرم يتاجر (فيهما) بدفع ضريبة
9 – إلى تمنع (وليكن لديه) متجراً في (شمر)
10 – وأي قادم لقتبان بتجارة
11 – وسلع وممتلكات لابد أن يملك متجراً أو
12 – ليمارس التجارة (البيع) في شمر مع كل
13 – الشعوب ، ومتى امتلك متجراً
14 – يأذن له بممارسة التجارة أو
15 – فليدخل كشريك مع صاحب متجر
16 – (عندها) يتاجر بدون تدخل مشرف (مأمور) (عامل) السوق( ) شمر ومتى
17 – أعلن مشرف السوق شمر بأنه
18 – يأذن للتجار القتبانين بالتعامل مع الشعوب (القبائل)
19 – بينما هو يتاجر في تمنع وله متجر
20 – في شمر وليتاجر القتبانيون
21 – مع الشعوب ومن يخبر

أستاذ علوم القانون الجنائي – جامعة صنعاء

قد يعجبك ايضا