– قرار زيادة القدرة الاستيعابية للنظام العام إلى 65% لم ينفذ!!
– الطلاب المستجدون: ظروف الحرب وذريعة القدرة الاستيعابية وندرة فرص العمل يدفعنا للقبول بتخصصات لا نريدها
– نبدأ في التفكير بالمستقبل قبل التنسيق للجامعة بفترة بسيطة
تحقيق/ سارة الصعفاني
لا يعرف غالبية خريجي الثانوية العامة أسماء الكليات الجامعية وتخصصاتها إلا بعد دنو موعد التنسيق في الجامعة بحثًا عن التخصص المناسب لهم ، واللافت أنهم يختارون نوع الثانوية (علمي / أدبي) في اللحظة الأخيرة وبدوافع هامشية لا علاقة لها بالطموح والميول، وبمعزل عن الهدف المستقبلي، وعند التنسيق والتسجيل لأول عام دراسي جامعي ينصدمون بالواقع من قدرة استيعابية هزيلة للجامعات الحكومية وثقل الكاهل من مصاريف النظام الموازي والنفقة الخاصة، فضلاً عن خيبة الأمل أمام تواضع دراسة بائسة في كليات متهالكة على وعد مع سوق عمل يرفض المخرجات ويكون معول هدم استباقي داخل عقول حائرة بين اليأس والرجاء:
ولو تتبعنا بداية الخيط لن نخطئ رؤية فشل المدرسة في مساعدة الآلاف من الطلاب على تحديد التخصص الجامعي باكتشاف ميولهم ورغباتهم وتبسيط طرق اكتساب العلم والمعرفة علاوة على محدودية إثراء المناهج الدراسية بالمعلومة والخلفية التاريخية والمعرفية وإجراء التجارب المعملية؛ حيث يقضي الطالب 12 عامًا دراسيًا من عمره مشتتًا بمقررات متعددة معقدة ثقيلة تحد من استيعابه ولا تشحذ رغبته في التعمق الذي يؤسس لبلورة طموحاته العلمية ومجال التخصص وفرص العمل.
من يهتم لأمرنا !
في كل عام دراسي جديد يقرر عشرات الآلاف الالتحاق بالتعليم الجامعي فلا يجدون من يساعدهم على تحديد التخصص المناسب لهم، تراهم فقط يبحثون عن لافتات الكليات ويلتقون ببعض من سبقوهم ليسألوهم سريعًا ” عن تخصصات الكلية ومستقبل الدراسة فيها، والمعدل، وامتحان القبول ” فيأتيهم الرد مختصراً مختلفًا من طالب لآخر، ما يزيدهم تشتتًا.
مقاعد لمن يدفع
تقضي القدرة الاستيعابية المحدودة جداً وأعباء وجود نظامي الموازي والنفقة الخاصة على ما تبقى لديهم من أمل عند اختيار تخصص اقتنعوا به نسبيًا، ما يدفع كثير منهم للقبول بكليات يجهلونها أو لا يريدونها ولا تناسبهم ومنها تخصصات تجد من يردد أنها بلا مستقبل في بلادنا أو أن فرص الوظيفة نادرة، أبسط مثال عليها دراسة اللغة الألمانية والفارسية والتركية أو اختيار تخصص في كليات الزراعة والشريعة والقانون والإعلام قد لا تتناسب مجالات العمل مع قناعات الأهل وتخلف المجتمع فضلاً عن ندرة فرص التوظيف في كافة القطاعات الحكومية والخاصة والمختلط، ما يمثّل حالات إحباط ويأس لعشرات الآلاف من خريجي التعليم الثانوي والجامعي سنويًا بعد معرفتهم مصير من سبقوهم، وكيف أصبحت الجامعة مكانًا لإصدار الشهادة الجامعية فقط ولمن حالفهم الحظ في الالتحاق بالجامعات أصلاً.
ويبدو تشتت الراغبين بالالتحاق بالتعليم الجامعي أكثر وضوحًا في محلات الإنترنت التي انتهزت فرصة تنفيذ فكرة التنسيق الإليكتروني للتكسب .. ولقد لفت نظري وأنا في أحد هذه المحلات عدم معرفة كثير من المتقدمين بالتخصصات الجامعية بل أن منهم من لم يحدد رغبته بعد، فتجده يسأل من يصادفه قبل لحظات من تقديمه طلب الرغبة في تخصص ما، عن الكليات وتخصصاتها الجامعية دونما حتى معرفة بمدى توافق الكلية مع تخصصه في المدرسة ( علمي – أدبي ) والمعدل والرغبة ، أو يترك القرار لموظف محل الإنترنت !
غياب الهدف المستقبلي
وبطبيعة الحال فإن التشتت واللامبالاة يبدآن من المدرسة، حيث تتحكم في اختيار الطالب للتخصص (علمي – أدبي) عوامل هامشية بل وطفولية لا علاقة لها بالميول والقدرة وبمعزل عن الهدف المستقبلي، فهذه مروة اختارت تخصصها فقط لأن صديقتها اختارت هذا التخصص ، كما أن الغالبية تلتحق في سنة التخصص ( ثاني ثانوي ) بالقسم العلمي وفي الجامعة تكون خياراتهم تخصصات أدبية، وبالمثل الذين فضّلوا القسم الأدبي عندما بدأ التفكير بالجامعة خاصة بعد حصولهم على معدلات مرتفعة أرادوا تخصصات علمية، وما يفسر الإقبال على القسم العلمي رغبة الطلاب بأن لا يحصروا أنفسهم في تخصصات معينة إذا ما اختاروا القسم الأدبي خاصة وأنهم يتركون التفكير بالجامعة وتخصصاتها إلى ما بعد عام من الثانوية ما يكشف جانبًا من غلبة الحضور للمثل الشعبي ” ما بدى بدينا عليه “.
على أنه من الإنصاف التأكيد أن من الطلبة من ربطوا استباقًا بين المقدمات والنتائج وألتحقوا بقناعة وثقة بعد أن اختاروا تخصصاتهم بدقة، لكن القدرة الاستيعابية لكليات متهالكة حطمت رغبتهم وأحلامهم بكل بساطة فانصرفوا عنها مجبرين لتخصص آخر، يزداد الوضع سوءًا عندما يفشلون في أكثر من تخصص وضعوه البديل الممكن في حال لم يحالفهم الحظ بمعيار الأفضلية والقدرة الاستيعابية المحدودة والظروف المالية الصعبة أو حتى المحسوبية.
وقبل فترة بسيطة كان هناك قرار من التعليم العالي بلسان أحد مسؤوليه في مقابلة له مع صحيفة “الثورة” تحدث عن زيادة القدرة الاستيعابية للنظام العام لـ 65% لكن عمداء الكليات لم ينفذوا القرار، لعدم وصول القرار لهم كما كشف عن ذلك أكثر من عميد !
بالعودة الى إحدى مشاكل البدايات، ترى نجوى المعلمة في إحدى المدارس الحكومية أن فصول الأدبي صارت محدودة العدد بالقياس إلى فصول القسم العلمي التي لم تعد تتسع، نتيجة ما يُقال من أن القسم العلمي للأذكياء والمتفوقين، فيما الأدبي للمهملين والفوضويين وبأن إدارة المدرسة والمدرسين رسخوا هذه النظرة بدلاً من تغييرها، والمفارقة أن كثيراً من الذين يزدحمون في التخصص العلمي في المدارس الثانوية يشقون طريقهم فيما بعد إلى دراسة تخصصات جامعية نظرية .
وتتابع كلامها قائلة: لحل المشكلة وضعت بعض المدارس فكرة تحديد نسبة 85% وما فوق كشرط للقبول في القسم العلمي، لكنها تؤيد اختيار الطالبات وفقًا للمعدل في المواد العلمية فقط، وأن تنفذ الفكرة في الجامعة في احتسابهم المعدل عند جمع درجات امتحان القبول أي اختيار المواد حسب نوع الكلية وتخصصاتها .
مقاعد محجوزة
وتقول سمية عبدالله – طالبة مستجدة في جامعة صنعاء – تقدمت لكلية طب الأسنان مرتين وفي السنة الثالثة فقدت الأمل، يتقدم للكلية الآلاف سنويًا ويتم قبول 50 فقط نظام عام ، فيما عدد طلاب الموازي والنفقة الخاصة وأبناء أساتذة الجامعة الضعف، ويدرسون مع النظام العام، ويأتي من يقول لنا “المقاعد محدودة”!!
شروق السياغي من كلية الآداب تقول: بدأ الأمل بالغد يتلاشى عندما أدركنا الواقع، وهناك الكثير لم يُقبلوا في تخصصات أرادوها ولم يجدوا وظائف منذ سنين، لكن يبقى الحصول على شهادة جامعية مكسباً للزمن .
تنقصنا المعلومة
من جهته يقول سليم الريشاني – طالب مستجد في كلية الحاسوب -: كيف لنا أن نعرف عن الكليات وتخصصاتها ومجالات العمل بأنفسنا، حتى الموظفين في الجامعة لا يردون على تساؤلاتنا ولم نجد دليلاً يعرفنا ويساعدنا على معرفة الجامعة بتخصصاتها والقوانين، إذا كان من سبقونا لا يعرفون عن تخصصاتهم سوى الشيء البسيط، البعض مجبراً اختار تخصصاً لا يناسبه؛ فالطالب عندما يعرف من غيره مدى صعوبة القبول في جامعة صنعاء تكون غايته قبوله ولو في أي كلية لكنه فيما بعد يدرك تورطه في تخصص لا يناسبه إما لتعقيدات في المقررات أو لأنه لا يناسبه أو لاكتشافه أنه تخصص فرصه الوظيفية محدودة.
ما قاله يفسر حالات التخبط التي يعيشها بعض الملتحقين بجامعة صنعاء من تنقل بين الكليات وتخصصاتها، مع الأخذ في الاعتبار مدى صعوبة واقع إجراءات تغيير الكلية.
ويبقى القول
لا ترتقي الشعوب ولا تتقدم الأوطان إلا بالتعليم الجاد الذي يعطي العلم والمعرفة الحقيقية للطالب ويستوعب طموحات الأجيال الصاعدة، ليس بمجرد منحهم الشهادات الجامعية، إنما أيضًا بتوجيه كل الشباب نحو التأهيل العلمي الذي يتوافق مع قدرات كل منهم ومساعدة الطالب في اتخاذ قرارات شخصية في أجواء من الدعم والرعاية الصحية والمادية التي تفضي في النهاية إلى أجيال يمنية تكون بحق هدف التنمية ووسيلة تحقيقها.