القائد الفيلسوف .. والزلزال القادم
علي أحمد جاحز
بين حين وآخر ينشغل التاريخ الانساني بتدوين مرحلة فاصلة تحدث زلزالا تغييريا يمتد تأثيره وتداعياته الى ابعد الامكنة ، ومن البديهي ان ذلك الزلزال له بؤرة ينطلق منها و محيط يتحرك فيه و قطر يمتد على مداه ، وخلف كل تلك التغييرات المزلزلة يقف شخص قائد وشخص مفكر فيلسوف وقد يكون شخصا واحدا يحمل الصفتين القيادة والتفكير الفلسفي .
ربما لم يستوعب البعض اننا نعيش هنا في اليمن مخاضات زلزال تغييري كبير ستعم تداعياته المنطقة والمحيط البشري كله ، وان بؤرة ذلك التحرك ثورة فكرية كانت بؤرتها صعدة ومران تحديدا و كان فيلسوفها الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي الذي وضع اسس ثورة فكرية فلسفية كبيرة لا تقف حدودها في اليمن بل تجاوزت الحدود و ذهبت الى اماكن بعيدة و هو ما ادركه الامريكان باكرا و شنوا الحرب عبر ادواتهم في اليمن ” النظام ” وفي المنطقة ” السعودية ” على الشهيد القائد وأتباعه القلة آنذاك .
كان الهدف من تلك الحرب وأد مشروع الثورة الانسانية الذي بدأ يتبلور في عقلية وروحية ثلة من الناس وبدأ يؤثر على الكثيرين ويشغل تفكير الكثيرين ، وحين تمكنوا من قتل الشهيد القائد والكثيرين من اتباعه في مران اعتقدوا انهم تخلصوا من تلك البؤرة ” الخطرة ” باعتقادهم ، غير انهم لم يتخيلوا ان تلك البؤرة قد قذفت بمكنوناتها الى خارجها وأن تلك المكنونات لاتزال تغلي في نفوس وعقول الآلاف الذين التفوا حول قائد جديد حمل الفكرة والهدف و اشتغل على مواصلة المسيرة .
لم تمض سوى حرب واحدة هي الحرب الثانية حتى ظهر السيد القائد عبدالملك الحوثي قائدا وفيلسوفا اذهل المراقبين في الداخل والخارج بطريقة إدارته لمواجهة غاية في التعقيد حيث كان يتحرك في مساحة جغرافية صغيرة ومفتوحة امام جحافل جيش دولة تقف خلفه لوجستيا دول الاستكبار العالمي كلها بأموالها وسلاحها وتقنياتها وغطائها الاممي والانساني ، ولانه قائد محنك وفيلسوف ثاقب الرؤية فقد كان في نهاية كل حرب من الحروب الست يخرج بإضافة جغرافيا جديدة وأنصار جدد لمشروع الثورة الذي حمله مع المؤمنين به عن الشهيد القائد والشهداء الذين قتلوا معه .
ونحن اليوم بعد مرور سنوات على انتهاء الحروب الست و الدخول في تحرك سياسي وثقافي واجتماعي منذ 2011م مرورا بحروب تشبه الحروب الست توجت المشروع بنجاح ثورة 21 سبتمبر ، نشهد اوضح تجليات القيادة الحكيمة ذات الرؤية الفلسفية العميقة وذلك من خلال ادارة مرحلة مواجهة العدوان الذي يقف وراءه العالم بكل ما للكلمة من معنى ، فالامكانات المتاحة لا تزن شيئا مقارنة بما يمتلكه العدوان ، غير أن ثمة فلسفة وقيادة تتلخص جلية في شخصية السيد القائد هي ما يقف وراء كل هذا الزخم الاسطوري الذي أذهل وأرهق العالم .
لو تأملنا خطاب السيد القائد عشية ذكرى رأس السنة الهجرية ، لوجدناه يحوي أبلغ تجليات الثقابة البشرية وأجلى انموذج لعقلية القائد المبصر بعين الحكمة الى ابعد مما يبصر الناس ، وبتراتبية وتسلسل مذهل وجدناه يفلسف علاقات البشر ببعضهم القوي والضعيف وكيف يصنع أحدهم شخصية الاخر وسلوكه ، وينتقل من ضرب الأمثلة التاريخية على وجود ثنائية المستضعف والمستكبر والعبد والمعبود وكيف يصنع المستضعف المستكبر ويصنع العبد معبوده ويجعله في وعيه قويا ثم يصدق تلك الاكذوبة ويصل الى مرحلة الخشية منه رغم انه صنعه هو من الحجارة .
هذه الامثلة خلص منها السيد إلى استنهاض وعي الناس بأهمية التحرك بوجه غطرسة المستكبرين والخروج من تحت وطأة الرهاب الذي يصنعه الناس في دواخلهم تجاه ظواهر هي في الاساس ضعيفة ، ثم يسقط كل ذلك على ما يجري اليوم من عدوان على اليمن وكيف استطاع اليمنيون أن يقفوا بوجهه ويهزموه ويكسروا الصورة النمطية عن المستكبر بكونه لا يقهر .
السيد القائد في كلمته الاخيرة لو تأملنا بعمق في تفاصيلها سنجده لا يستنهض فكر ووعي الثورة في الانسان اليمني وحسب ، بل يستهدف بتلك الفلسفة المنطقية ذات الحجج والامثلة التي تلامس سريعا الوعي ، شعوب المنطقة التي أصبحت تقف في موقع القطعان ، صنعت طغاة وعودتهم على الفرعنة وأوصلتها تلك المذلة وذلك الانقياد الى درجة انها لا تستطيع ان تفكر مجرد تفكير في ما يقرره الحاكم حتى وان كان الامر يتعلق بحياة الالاف ومصير الملايين وثروة شعوب وقداسة دين وهوية .
وباعتقادي مثلما تمكن هذا القائد الفيلسوف من استنهاض الشعب اليمني رغم الحروب التي شنت للحيلولة دون ذلك على مدى سنوات على بقعة جغرافية صغيرة في صعدة شمال اليمن بدعم ورعاية خفية من قوى الاستكبار ، فإنه سيتمكن من استنهاض شعوب المنطقة رغم الحروب والحصار القائم على اليمن والذي يدار علنا برعاية دول الاستكبار وعلى رأسها امريكا ، بل مثلما انتهت الحروب الست وما تلاها من حروب ضد المشروع القرآني الثوري بزلزال محلي هو ثورة 21 سبتمبر ، فإنني اثق أن هذه الحرب التي تشن على اليمن ستسفر عن زلزال كبير في المنطقة يليه زلزال أكبر على مستوى العالم .