السعودية والقرار الأمريكي القاتل

أحمد عبدالله الشاوش
وافق مجلسا الشيوخ والنواب الأمريكي الأربعاء على رفض ” فيتو” الرئيس الأمريكي باراك أوباما ضد مشروع قانون يسمح لأسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001م الإرهابية مقاضاة السعودية لدى المحاكم الأمريكية ، ما احدث ” زلزالاً” هز ” عرش” الأسرة المالكة في السعودية ونظيراتها في دول الخليج التي ما تزال تعيش الصدمة على مدار الساعة لذلك التصويت المهين والاستغلال البشع والتنكر العجيب والإحراج الكبير، بعد مرور سبعين عاماً من الإفراط في الرومانسية والحماية مقابل النفط.
القرار الأمريكي لم يأت من فراغ ، وليس وليد الساعة أو الصدفة وإنما نتاج دراسة متأنية ومبيتة وابتزاز ممنهج منذ اليوم الأول للهجمات الإرهابية وما رافقه من جمع أدلة ووثائق ومعلومات واعترافات  كشفت تورط 15 سعودياً من بين 19 إرهابياً من عناصر تنظيم القاعدة الذين ترعرعوا في أحضان الرياض برعاية أمريكية ، وما الصفحات السرية التي تم الحديث عنها  وما يدور في الكواليس إلا بداية المشوار للعد التنازلي لنهاية العلاقة الحميمة  بين آل سعود وواشنطن لاسيما بعد انفراج العلاقات الأمريكية الإيرانية ، بعد التوصل للتسوية النووية ورفع الحظر واستعادة الأموال المجمدة والدور الخطير لإيران في منطقة الشرق الأوسط والأدنى المتخمة ببؤر التوتر التي عملت السعودية على إشعالها خدمة للعم سام ونزولا عند رغبة الجناح المتصهين  في الإدارة الأمريكية.
ورغم تحشيد السعودية للوبايت المحسوبة عليها من السياسيين والدبلوماسيين والمشرعين والقانونيين ورجال الاقتصاد من الأمريكيين والأوروبيين والعرب ، إلا أنها فشلت فشلاً ذريعاً في ” وأد ” الفيتو ضد ” جستا” لأن الإدارة الأمريكية لاتخضع للغة العواطف وصقورها متوحشة للنهش على مدار الساعة في سبيل مصالحها الجامحة وغير المشروعة والتي تشربتها الإدارة السعودية عن ظهر قلب وعاملت أشقائها بنفس التوحش ، ومن الصعب الوقوف معها أو اتخاذ مواقف مناصر لها  ، كما أن التصويت مثل حالة من الانتقام  والتأديب وتقليم أظافر من يتجرأ على مساومة أمريكا أو القفز على خطوطها الحمراء حتى لوتطلب الأمر تدمير البلد في سبيل الانتقام من حاكم أو أسرة ، وضحاياها كثير من شاه إيران وعبدالناصر والسادات وصدام حسين ومبارك والقذافي خير دليل.
ولذلك فإن السعودية  في الفترة الأخيرة تعيش حالة من العزلة والتصدع على مستوى الأسرة  نتيجة الصراع على السلطة ومصادرة شرعية ” مقرن ” وتهميش الأمير”متعب” وعدد من أبناء الأسرة  الذين تم تهميشهم وانتفاضة في المناطق الشرقية وحرب ضروس مع اليمنيين في الحد الجنوبي وإخفاقات في سوريا والعراق ،، وتذمر ونقمة شعبية من الاستبداد الداخلي  وغياب الحريات وحالات التقشف وارتفاع الأسعار واستعداء كل المحيطين وفي مقدمتهم الدول الخليجية التي تترصد له كالذئب ، في حين قطعت شعرة معاوية مع دول أخرى وجعل كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر وغيرها تحد شفراتهم للانتقام  منتظرين أول ترنح للثور الهائج الذي أدمى السواد الأعظم من الدول العربية في حروب قذرة خدمة للمشروع الصهيوني في سبيل الانتصار للعرش .
لم تكن هذه الرؤية نابعة من أيدولوجية سياسية أو حقد وموقف شخصي ولكني أظنها لسان حال المواطن  العربي الذي عانى الأمرين ، أنظمة قمعية تمارس التسلط وأخرى تابعة للرياض تدير عدد من السجون للزج بأي مواطن ينتقد تجاوزات السعودية وأمريكا و لم تتلوث يده بالمال الحرام .
هذا الدرس الأمريكي الشديد القساوة وغيره في منطقة الشرق الأوسط  لم يحدث لو ان النظام السعودي أعتمد منذ نشأته إستراتيجية قائمة على العقل والمنطق في إدارة السياسة الخارجية بحكمة قدر الإمكان وتجرد عن الطغيان والغطرسة والغرور وتعامل بندية وشفافية مع الدول التي تعتبر عمقاً له مع عدم التدخل في شؤونها الداخلية وقضم العديد من أراضيها والتأثير في بعض قراراتها السياسية والسيادية ونشره للفكر الوهابي الذي شوه الإسلام وهدد الأمن والاستقرار وخلق جيل حامل للكراهية ومتوشح بفتاوى التكفير  والتقتيل والذبح وتدمير التراث الإنساني وقبور الأولياء والصالحين  ، بعيداً عن آداب وأخلاق القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة التي قامت على الرحمة والاخوة والتكافل  والدعوة الصادقة والعمل الصالح  .
ولذلك فإن كل تلك التجاوزات السعودية والانقلابات والثورات ودماء ملايين الأبرياء من المدنيين والمهجرين والنازحين  والمعاقين وتدمير الدول الآمنة في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي لم تشفع لكل من تسبب في تدمير الإنسانية ، وسيصل القصاص الرباني إلى كل الدول والأنظمة التي تورطت في تدمير الأمة بدءاً من الرياض ومروراً بقطر وتركيا والإمارات وغيرها من الدول التي تآمرت على الأمة العربية والإسلامية وتبنت مجازر الإبادة ، وانتهاء بالجلاد الأمريكي الذي بدأت شمسه تغيب وكراهية الشعوب له في ازدياد بعد أن كثر شاكوه وقل شاكروه وتأففت من مجازره ووحشيته الأمم .. وإن ربك لبالمرصاد.
shawish22@gmail.com

قد يعجبك ايضا