المـنـاهـج الـتـعـلـيـمـيـة‮.. ‬مـصـانـع لإنـتـاج الـبـطـالـة


تحقيق‮/ ‬محمد راجح –
اكتشف مروان الحمادي‮ ‬أن رأسه مفرغ‮ ‬تماماٍ‮ ‬بعد اجتيازه ثلاث سنوات كطالب في‮ ‬كلية العلوم بجامعة صنعاء وهو ما دفعه للتوجه لسوق العمل وكان محظوظاٍ‮ ‬لحصوله على فرصة وظيفية في‮ ‬إحدى شركات القطاع الخاص‮.‬
وجدنا مروان الأسبوع الماضي‮ ‬يستعد لتأدية امتحان إحدى المواد التعليمية مع بدء الاختبارات بجامعة صنعاء مطلع الأسبوع‮ ‬حيث عاد لاستكمال دراسته التي‮ ‬توقف عنها في‮ ‬السنة الثالثة‮.‬
وجد هذا الشاب في‮ ‬سوق العمل في‮ ‬ظرف وجيز مالم‮ ‬يجده في‮ ‬أرقى مؤسسة تعليمية‮ ‬يمنية طوال ثلاث سنوات‮ ‬لأن ما‮ ‬يدرس في‮ ‬هذه الجامعات سواء العامة أو الخاصة لايمت بصلة لاحتياجات المجتمع ومتطلبات سوق العمل‮ ‬ولهذا‮ ‬يوضع الطالب في‮ ‬ورطة حقيقية بعد تخرجة واتجاهه للبحث عن وظيفة وفرصة عمل‮.‬

يقول مروان إن ما تعلمه في‮ ‬ثلاث سنوات كان في‮ ‬وادُ‮ ‬والمهام التي‮ ‬تتطلبها عمله الذي‮ ‬حصل عليه ويرتبط بتخصصه الدراسي‮ ‬في‮ ‬وادُ‮ ‬آخر وكل ما تلقاه من المنهج الذي‮ ‬درسة عبارة عن كلام ملازم نظري‮ ‬بنمط تقليدي‮ ‬متردي‮ ‬مهمته فقط صناعة البطالة‮ .‬
ما قاله هذا الشاب كلام عميق‮ ‬يجب التوقف عنده كثيراٍ‮ ‬ودراسته والأخذ به حيث‮ ‬يقول‮ : ‬البطالة التي‮ ‬دوخت البلاد والعباد في‮ ‬البحث عن أسبابها والحلول المناسبة لمواجهتها ولم‮ ‬يعرف أحد أنها تصنع هنا في‮ ‬مناهجنا التعليمية‮. ‬

يرى الدكتور أحمد الماوري‮ ‬أستاذ الإدارة الحديثة بجامعة صنعاء ضرورة عمل مسح وتحليل لواقع ظاهرة البطالة وتوفير معلومات دقيقة عن حجم الظاهرة وخصائص القوى‮ ‬غير العاملة ونوعية المهارات المطلوبة لها لتأهيلها لسوق العمل‮ ‬وأن‮ ‬يتم عمل قاعدة بيانات حديثة ومتجددة باستمرار تعنى بهذا المجال‮.‬
ويشير إلى عدم التنسيق بين المؤسسات المعنية بالتعليم والأخرى المعنية بسوق العمل مما أدى إلى زيادة عدد مخرجات التعليم التي‮ ‬لا تتناسب مع احتياجات السوق الفعلية‮.‬
بالإضافة إلى الطبيعة التقليدية في‮ ‬البرامج التعليمية التي‮ ‬تقدمها مؤسسات التعليم العالي‮ ‬اليمنية التي‮ ‬تركز على الجوانب النظرية وتفتقر إلى الجوانب التطبيقية‮ ‬كما أنها تركز على الكم دون الكيف‮ ‬مما أوجد مخرجات كبيرة العدد لا تتوفر لديها المهارات المطلوبة لسوق العمل‮.‬
ويرى الدكتور الماوري‮ ‬ضرورة أن‮ ‬يكون هناك تنسيق فعال بين الجهات التعليمية والجهات المعنية بالتخطيط وبسوق العمل‮ ‬بحيث‮ ‬يتم تحديد المهارات والتخصصات المطلوبة لسوق العمل والعمل على تلبيتها في‮ ‬مخرجات المؤسسات التعليمية‮ ‬والحد من المخرجات‮ ‬غير المطلوبة في‮ ‬سوق العمل‮.‬
ويقول‮ : ‬لا بد من أن تتم مراجعة البرامج التعليمية في‮ ‬المؤسسات التعليمية وأن تخضع لرقابة صارمة من جهات الاشراف‮ ‬كما‮ ‬يتم تطويرها باستمرار بحيث تركز على النوع أكثر من الكم‮ ‬كما تضمن تزويد الخريجين بالمهارات اللازمة لسوق العمل‮.‬
ويشدد على أهمية رسم استراتيجية واضحة المعالم لمواجهة هذه الظاهرة‮ ‬يشارك فيها كل الجهات الحكومية المعنية‮ ‬والقطاع الخاص‮ ‬إضافة إلى منظمات المجتمع المدني‮ ‬ذات العلاقة‮.‬
حبر على ورق
أعلنت وزارة التعليم العالي‮ ‬مطلع العام تأسيس مجلس الاعتماد الأكاديمي‮ ‬وضمان جودة التعليم‮ ‬وأصدرت توجيهات للجامعات بضرورة ربط البرامج الأكاديمية باحتياجات سوق العمل المحلي‮ ‬والإقليمي‮ ‬والحد من البرامج التي‮ ‬تشكل عبئاٍ‮ ‬على المجتمع التي‮ ‬تخرج مجاميع من الشباب لا‮ ‬يحصلون على عمل‮.‬
لكن هذه القرارات والتوجيهات ظلت حبراٍ‮ ‬على ورق ولم‮ ‬يتم تنفيذها لأنها كما‮ ‬يبدو قرارات عشوائية لا تستند لبيئة عمل سليمة تساعد على إنجاحها وتفعيلها‮.‬
ويرى خبراء أهمية فعالية البرامج الجامعية بأن تتضمن مقررات دراسية وبرامج تدريب تساعد الشباب على اكتساب مهارات العصر مثل مهارات تقنية المعلومات والعمل الجماعي‮ ‬والتواصل الفعال مع الآخرين‮ ‬واكتساب إحدى اللغات الحية وتأسيس المشاريع الصغيرة‮.‬
ويشير مختصون في‮ ‬المناهج الأكاديمية بجامعة صنعاء أن مؤسسات التعليم العالي‮ ‬يجب أن تكون ديناميكية في‮ ‬أدائها وفي‮ ‬طرح برامجها وبحيث تغلق المجالات التي‮ ‬لا‮ ‬يحتاجها السوق أو‮ ‬يقلص القبول فيها‮ ‬وتفتح برامج جديدة فرضها السوق والقيام بوضع برامج تدريب تسهم في‮ ‬إعادة تأهيل الخريجين الذين لم تتوفر لهم فرص العمل للتأهل في‮ ‬مهن جديدة سواء بالشراكة مع الحكومة أو منظمات المجتمع المدني‮ ‬أو المؤسسات الدولية الداعمة‮.‬
معايير دقيقة
يدعو الدكتور جلال الدميني‮ ‬أستاذ المنهجية الأكاديمية في‮ ‬التنمية الإنسانية بكلية الآداب بصنعاء الى رفع مستوى المنتج التعليمي‮ ‬بما‮ ‬يتناسب مع متطلبات المجتمع‮ ‬وهي‮ ‬عملية تتطلب تطبيق عدد من المعايير والمواصفات المحددة على جميع عناصر العملية التعليمية‮ ‬بحيث تكون وثيقة الصلة بالحياة‮ ‬وقادرة على الوفاء باحتياجاته الحالية والمستقبلية‮ ‬بحيث تتطابق المخرجات مع المواصفات التي‮ ‬وضعت لها‮ ‬وتلبي‮ ‬حاجات كل من الإدارة التعليمية والمدرسة بعناصرها المختلفة والمجتمع‮ .‬
ويضيف أن اليمن قد قطعت شوطاٍ‮ ‬لا بأس به في‮ ‬نشر التعليم العالي‮ ‬في‮ ‬ربوع الجمهورية والانتقال إلى مرحلة الاهتمام بجودته من خلال التركيز على متطلبات سوق العمل واحتياجات المجتمع بما‮ ‬يمكن الشباب الانخراط في‮ ‬سوق العمل بنجاح‮.‬
ويؤكد أن المناهج التعليمية الحديثة‮ ‬يجب أن تنعكس في‮ ‬امتلاك الخريجين مهارات تمكنهم من تأسيس مشاريعهم الخاصة بقدر معقول من الدعم الحكومي‮ ‬أو البنوك المحلية‮.‬
ويشير إلى أن مقياس النجاح في‮ ‬مؤسسات التعليم لا‮ ‬يرتكز على كم‮ ‬الخريجين وإنما أيضاٍ‮ ‬في‮ ‬جودتهم وفي‮ ‬مدى قدرتهم على تأسيس مشاريعهم الخاصة التي‮ ‬يمكن أن تدر عليهم الدخل والمساهمة في‮ ‬النهوض بالمجتمع‮.‬
وبحسب الدكتور جلال فإن نظام الجودة والاعتماد المدرسي‮ ‬يعد أحد الأساليب الحديثة لتحسين نوعية التعليم في‮ ‬المدرسة والارتقاء بمستوى الأداء في‮ ‬عصر‮ ‬يتسم بالمنافسة وسرعة تدفق المعلومات وتطور المعرفة‮ ‬وهو ضرورة ملحة تمليها متغيرات الحياة المعاصرة‮ ‬ودليل عملي‮ ‬لتقويم تميز المؤسسات التعليمية بين أقرانها على المستوى المحلي‮ ‬والإقليمي‮ ‬والدولي‮.‬
فجوة عميقة
تحقيق ثقافة الجودة في‮ ‬المؤسسات التعليمية قد‮ ‬يصعب مقارنتها بالمؤسسات الإنتاجية أو الصناعية أو التجارية أو الزراعية‮ ‬وذلك لأن الأسس التي‮ ‬تتحكم بالقياس والمواصفات لكل منها تختلف من مجال إلى آخر‮ ‬فالتعليم بنظر الدكتور الدميني‮ ‬قيمة تعتمد على العقل والفكر بشكل أساسي‮ ‬ولذلك فإنه‮ ‬يرتبط كثيراٍ‮ ‬بالجانب الفكري‮ ‬والروحي‮ ‬والقيمي‮ ‬عند الإنسان إضافة إلى ارتباطه بالجانب المادي‮ ‬والعلمي‮ ‬والمعرفي‮ ‬الامر الذي‮ ‬يؤكد حاجة جودة التعليم لمناهج تناسب تطورات العصر ومؤثرات العولمة وتطور الاحتياجات المجتمعية والتغيرات الحاصلة في‮ ‬سوق العمل‮ ‬ولهذا نلاحظ هذه الفجوه العميقة بين المناهج التعليمية المتردية التي‮ ‬تدرس في‮ ‬مؤسسات التعليم المحلية وبين كل ما‮ ‬يحصل حولنا من تطورات في‮ ‬شتى المجالات‮.‬
ويقول ان الجودة في‮ ‬المؤسسات التعليمية لها معنيان مترابطان احدهما واقعي‮ ‬والآخر معنوي‮ ‬وهو ما تفتقدهما مؤسساتنا التعليمية‮ ‬فجودة التعليم بمعناه الواقعي‮ ‬يعنى التزام المؤسسة التعليمية بإنجاز مؤشرات ومعايير حقيقية متعارف عليها‮ ‬أما الجانب المعنوي‮ ‬فيرتكز على مشاعر وأحاسيس متلقي‮ ‬الخدمة التعليمية كالطلاب وأولياء أمورهم والمجتمع‮ ‬وهذان الجانبان‮ ‬ينبغي‮ ‬أن تقيسهما معايير الجودة بشكل دقيق وشامل باستخدام أدوات قياس مناسبة لكل من العميل الداخلي‮ ‬ويقصد به الطالب والمعلم وكل القائمين على العملية التعليمية‮ ‬والعميل الخارجي‮ ‬ويقصد به أولياء الأمور والمجتمع وسوق العمل‮ ‬وذلك بهدف إيجاد خدمات أرقى تتناسب مع متطلبات التنمية وتستجيب للمتغيرات العالمية‮ .‬

قد يعجبك ايضا