من نوادر البردوني
الشاعر عباس علي الديلمي
لا ادعي أني كنت لصيقا بأستاذنا وشيخنا الشاعر الكبير عبدالله البردوني، ولكني كنت من كثيري التردد عليه، ورفقته في رحلات قيادة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين الذي كان يعقد اجتماع مؤتمره العام، ولقاءات مجلسه التنفيذي بين صنعاء وعدن بالتناوب، ورافقته أيضاً ضمن الشعراء الذين كانت تختار أسماؤهم للمشاركة في الأسابيع الثقافية اليمنية في الخارج – عدا الأسبوع الثقافي المقام في السعودية-
وبما أن الصحبة في الشعر من الأمور التي تجعل معرفة الشخص بالآخر أكثر فهماً ووضوحاً، فقد كان لتلك السفريات إضافتها لما أعرفه عن صديق والدي الذي صار صديقي الأستاذ البردوني.
تميز البردوني بالنكتة الذمارية وسرعة البديهة والتعليق الساخر الذي يغنيه عن كثير من القول، وهنا سأسرد بعض نكاته وردوده اللاذعة وتعليقاته التي لا تخلو من النكتة، مع أصدقائه وغير أصدقائه من الشعراء.
يا عصابة رأسي
كنا جلوسا في منزله بحي بستان السلطان بصنعاء، بعد صدور ديوانه ” وجوه دخانية في مرآيا الليل”الذي تضمن قصيدة بعنوان ” في وجه الغزوة الثالثة” والتي فهمتها أنا أنه قد قصد بها أن ما تتعرض له اليمن بعد حركة 13 يونيو 1974م من مضايقات وتآمرات سعودية، يشكل أو هو بمثابة غزو سعودي لليمن بعد غزو واحتلال المخلاف السليماني ” جيزان – نجرن – عسير” وغز والاعتداء على ثورة 26 سبتمبر ومحاربتها لسبع سنوات وهي القصيدة التي ورد فيها قوله:
عندهُ اليوم خبرةُ الموت أعْلى
عندنا الآن مهنةُ الموت لُعبهْ
صار أغنى صرنا نرى باحتقارٍ
ثروة المعتدي كسروال ” قحبْة”
وبينما نحن جلوس دخل علينا أحد الشعراء السعوديين ومعه مرافقه خلال زيارته لليمن وبعد المجاملات وما شابه، قال الشاعر السعودي للأستاذ: قرأت ديوانك ” وجوه خانية” وأعجبت به ، إلا أن هناك جزئية لم تعجبني، فقال له الأستاذ: ما الذي لم يعجبك؟! أجابه عندما أوردت في قصيدة ” في وجه الغزوة الثالثة” مفردات مثل ” سروال قحبة”. ضحكنا وكانت ضحكة البردوني أعلى الضحكات .. ثم قال له لم يعجبك أن القحبة مسرولة ، ولو كانت بلا سروال كانت ستعجبك .. تعالت ضحكاتنا من جديد، وتمالك زائرنا السعودي نفسه: وقال مفردة أو كلمة ” قحبة” لا تليق في الشعر.
وبدافع الطالب الجامعي الذي يريد أن يبدي للآخرين معارفه، تدخلت مخاطباً زائرنا وقلت له.. بل هي مفردة عربية صرفة ووردت في شعر أبي طيب المتنبي – بعظمته- عند ما هجا ” الظبة” وقال في تلك القصيدة الشهيرة والتي قتلته.
وما عليك من العار أن امّك قحبة
ضحك الأستاذ وصرخ كما يصرخ القبائل عند طلب شد الأزر قائلاً ” يا ذمار يا عصابة رأسي”.