الثورة نت /
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً مطولاً (الخميس 25 أغسطس/آب 2016) أعده الباحث الأمريكي والمختص بالفكر المتطرف سكوت شين، تحت عنوان: “السعوديون والتطرف: مشعلو الحرائق ورجال الإطفاء”.
وقال سكوت شين، إن المتنافسين في سباق الرئاسة الأميركية الجمهوري، دونالد ترامب، والديمقراطية هيلاري كلينتون، لا يتوافقان في كثير من الأمور، لكن السعودية قد تكون الاستثناء.
مشيراً، أن كلينتون انتقدت دعم السعودية للمدرسة الراديكالية والمساجد المنتشرة حول العالم، والتي وضعت الكثير من الشباب في مسار التطرف، ووصف ترامب السعودية بأنها أكبر الممولين للإرهاب في العالم.
واستشهد بما كتبته العام الفائت المسؤولة السابقة بوزارة الخارجية الأميركية فرح باندث الدبلوماسية الأولى التي خدمت مبعوثة إلى المجتمعات المسلمة حول العالم، والتي زارت 80 بلداً وخلصت إلى أن التأثير السعودي دمر التقاليد الإسلامية السمحة، محذرة أن السعودية إن لم تتوقف عن ما تفعله الآن من نشر الفكر المتطرف، حتماً سيؤدي إلى عواقب دبلوماسية وثقافية واقتصادية.
وتطرق الباحث الأمريكي والمختص بالفكر المتطرف سكوت شين في تقريره المطول الذي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” إلى ما قاله الكاتب فريد زكريا في مقالة عن أن “السعودية خلقت وحشاً في العالم الإسلامي”.
وقال إن الفكرة أصبحت شائعة: “من البديهي القول إن تصدير السعودية للفكر المتزمت المتعصب الأبوي الأصولي من الإسلام، والمعروف بالوهابية أشعل فتيل التطرف في العالم، وأسهم في انتشار الإرهاب”.
وأورد سكوت شين عدة تساؤلات ما وصفها بالأسئلة المثيرة للجدل لغاية كبيرة، ويرجع ذلك جزئياً إلى الدوافع المتناقضة للدولة السعودية: هل أضحى العالم اليوم، مكاناً أكثر خطراً وعنفاً وانقساماً بسبب التأثير التراكمي على مدى خمسة عقود من التبشير الذي تموله مملكة النفط من قلب تاريخ العالم الإسلامي؟ أم أن السعودية، والتي غالباً ما دعمت الحكام المستبدين، مجرد كبش فداء للتطرف والإرهاب مع العديد من الأسباب المعقدة؟
ويقول الباحث الامريكي والباحث في معهد بروكينغز والمختص بالفكر المتطرف ويليام ماك كانتس، إن السعوديين يلعبون دور “مشعلي الحرائق ورجال الإطفاء” في آن واحد، ضمن إطار الإسلام المتطرف.. وأضاف: “انهم يروجون صورة سامة جداً عن الإسلام الذي يرسم خطوطاً حادة بين عدد قليل من المؤمنين الحقيقيين والآخرين، المسلمين وغير المسلمين، ويوفرون العلف الإيديولوجي للجهاديين المتطرفين.
ولكن في الوقت نفسه، يقول ويليام ماك كانتس – واحد من ثلاثة عشر من الأكاديميين والمسؤولين الحكوميين والخبراء عن الإسلام من عدة بلدان الذين تم مقابلتهم في هذا التقرير – “إنهم شركاؤنا في مكافحة الإرهاب”.
ونقلت الصحيفة عن الخبير النرويجي بملف الإرهاب والذي عمل مستشاراً للحكومة الأميركية، توماس هيج هامر، بأن من أهم تأثيرات “التبشير السعودي” هو إبطاء عملية تطور الإسلام ومنعها من أن تندمج بعالم متعدد ومعولم.
وتحدث سكوت شين في صحيفة “نيويورك تايمز” عن مدى امتداد السعوديين المذهل، لافتاً أن السعودية بنت المساجد في مختلف الدول، من مسجد غوتنبرغ في السويد الى مسجد الملك فيصل في تشاد، ومن مسجد الملك فهد في لوس انجليس الى مسجد سيول المركزي في كوريا الجنوبية، وقد جاء هذا الدعم من الحكومة وأعضاء العائلة الملكية ومن “المنظمات الخيرية” السعودية.
وأشار الى وجود إجماع واسع على أن الطاغوت الأيديولوجي السعودي غير التقاليد الاسلامية في عشرات الدول، وذلك نتيجة الانفاق الباذخ على نشر هذا الفكر على مدى نصف قرن، والذي قدرت قيمته بعشرات مليارات الدولارات.
لافتاً ايضا الى ان وجود الكثير من العمال الاجانب في السعودية، خاصة من دول آسيا الجنوبية، أدى الى تفاقم المشكلة، حيث يعود هؤلاء الى اوطانهم حاملين الفكر الوهابي.
وقال التقرير إن السعودية لم تنتج اسامة بن لادن فحسب، بل انتجت 15 من اصل 19 شخصاً نفذوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ايلول، كما أن عدد الانتحاريين الذين ارسلتهم السعودية الى العراق بعد الغزو الاميركي عام 2003 هو اكبر من اي بلد آخر. كما ان السعودية تحتل المرتبة الثانية خلف تونس من حيث عدد المقاتلين الاجانب الذين انضموا الى داعش (عدد المقاتلين السعوديين بصفوف داعش هو 2500 مقاتل).
وقال محمد غورميز، رجل الدين المسلم الكبير في تركيا، أنه في حين كان يجتمع مع رجال الدين السعوديين في الرياض في يناير كانون الثاني، أعدمت السلطات السعودية 47 شخصا في يوم واحد بتهم تتعلق بالإرهاب، 45 منهم مواطنين سعوديين.
وقال محمد غورميز لرجال الدين: هؤلاء الناس درسوا الإسلام لمدة 10 أو 15 سنة في بلدكم. فهل هناك مشكلة مع النظام التعليمي؟ وقال، إن تدريس الوهابية تقوض التعددية والتسامح والانفتاح على العلم والتعلم التي ميزه الإسلام. وأضاف: “للأسف”، التغييرات لمست تقريبا جميع العالم الإسلامي”.
وفي خطوة اعتبرته الصحيفة انه شكل حرجاً كبيراً للسلطات السعودية، اعتمد تنظيم “داعش” الكتب المدرسية السعودية الرسمية في مدارسه الى ان استطاع نشر كتبه في عام 2015.
ونقلت الصحيفة عن الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى والمتخصص بالحركات الوهابية يعقوب اوليدورت، “ان من بين الكتب الاثنا عشر التي اعاد داعش نشرها، هناك سبعة كتب هي لمؤسس الحركة الوهابية محمد عبدالوهاب. وما قاله إمام سابق للمسجد الحرام في مكة المكرمة، الشيخ عادل الكلباني في مقابلة تلفزيونية في يناير كانون الثاني: “مع الأسف ان قادة تنظيم داعش رسموا أفكارهم من ما هو مكتوب في الكتب الخاصة بنا، والمبادئ الخاصة بنا”.
واشار التقرير الى ان عددا من المسؤولين الاميركيين ينظرون بسلبية الى الدور السعودي، إلا أن التمويل السعودي لمراكز الابحاث في الجامعات الاميركية منع الناس من رفع أصواتهم ضد نشر الفكر الوهابي، بحسب ما نقل التقرير عن الباحث ويليام- والذي يعمل حالياً على اعداد كتاب حول تأثير السعودية على الاسلام.
وعاد التقرير ليتطرق الى ما كتبته العام الفائت فرح باندث المسؤولة السابقة بوزارة الخارجية الاميركية، بان النفوذ الوهابي في العالم الاسلامي ينمو تدريجياً. وأضاف، ان فرح باندث دعت الولايات المتحدة الى “تعطيل تدريب رجال الدين المتطرفين” ورفض كتب التدريس “السعودية المجانية والترجمات المليئة بالكراهية”، اضافة الى منع السعوديين من تدمير الاماكن الدينية والثقافية الاسلامية التي تدل على التعددية في الاسلام.
وفي الوقت ذاته كما يوضح التقرير فإن مدى التأثير السعودي يعتمد بشكل واسع على الشروط المحلية. مثلاً، غيرت التعاليم السعودية الثقافة الدينية باتجاه ممارسات أكثر محافظة وتطرفاً في أندونيسيا. أما في دول أخرى، مثل باكستان ونيجيريا، فإن تدفق المال السعودي، والأيديولوجيا التي تروج لها، فاقم الانقسامات حول الدين.
وتتساءل الصحيفة في التقرير: لماذا من الصعب أن تتخلص السعودية من أيديولوجيا تجدها معظم دول العالم منفّرة؟ ليجيب أن مفتاح المعضلة السعودية يعود في جزء منه إلى عام 1744 حين لجأ مؤسس الوهابية محمد بن عبدالوهاب إلى حماية محمد بن سعود الذي كان زعيماً قبلياً قوياً. يومها، أقيم تحالف ذو مصالح متبادلة: حصل محمد بن عبدالوهاب على الحماية العسكرية لحركته، فيما حصلت العائلة السعودية على التبني من قبل أحد رجال الدين الأكثر تزمتاً.
وتشير الصحيفة، أن هذا المفتاح هو أحد “حدثين تاريخيين” قد يحددان التأثير السعودي في القرون اللاحقة، فبحسبها “الحدث الثاني، هو اكتشاف المنقبين الأميركيين احتياط النفط الكبير في السعودية”، وهو يوضح على هذا الصعيد أن هذا التطور خلق عائدات ثروة هائلة، ساهمت في إقامة نظام اجتماعي واقتصادي صارم، فضلاً عن أنها منحت المؤسسة الدينية المحافِظة ميزانية مسرفة لتصدير نزعتها الإسلامية المتشددة.
مبينة أنه، وعلى مدى أربعة عقود منذ عام 1964، وخصوصاً في الدول التي لا تتمتع بغالبية مسلمة، بنت السعودية 1359 مسجداً، 210 مراكز إسلامية، 202 كلية و2000 مدرسة.
ولفت الباحث الامريكي والباحث في معهد بروكينغز والمختص بالفكر المتطرف ويليام ماك كانتس، انه بعد الثورة الإيرانية في طهران وصعود الحكومة الشيعية في عام 1979، شكل تحديا رمزيا للمملكة العربية السعودية، مما دفع السعوديين إلى مضاعفة جهودهم لمواجهة إيران ونشر الوهابية في جميع أنحاء العالم
وأخيرا، في نهاية السنة، غزا الاتحاد السوفييتي أفغانستان واستولى على السلطة لدعم الحكومة الشيوعية. لكن سرعان ما واجهت حركة تمرد من المجاهدين الذين يقاتلون من أجل الإسلام، من جميع أنحاء العالم لمعركة استمرت عشر سنوات لطرد المحتلين.
وتطرق شين في تقريره الى حقبة الثمانينات عندما تعاونت السعودية والولايات المتحدة من اجل تمويل من أسموهم “المجاهدين” في الحرب الافغانية، وذكرت بأن الرئيس الاميركي السابق رونالد ريغن استقبل في البيت الابيض وفدا من “المجاهدين” الافغان الذين كانوا يتبنون فكراً شبه متطابق للفكر الذي تبنته فيما بعد حركة طالبان.
كما أشار تقرير الصحيفة الى ان الولايات المتحدة انفقت 50 مليون دولار بين عامي 1986 و1992 على ما اسمته “محو الامية الجهادية”، وقد تضمن ذلك طباعة الكتب للأطفال الأفغان والشباب لتشجيعهم على العنف ضد الكفار من غير المسلمين، مثل الجنود السوفييات. لافتاً إلى ان الفكر المتطرف هذا قد اجتاح المناطق التي سبق لها أن كانت مناطق تعايش بين مختلف الطوائف الاسلامية.
وعلى الرغم من ذلك، حاول التقرير تخفيف الدور الأميركي، لاحقاً، في معرض حديثه عن “الجهاد في أفغانستان”، قائلاً إنه بالنسبة للولايات المتحدة تغير الموضوع بعد هجمات أيلول 2001. وفيما اعتبر أن التغيير السعودي كان بطيئاً في هذا المجال، فقد أوضح أن المسؤولين الأميركيين يعتمدون أسلوباً ناعماً للضغط على حليفهم، لإدراكهم أهمية الاعتماد الأميركي على النفط والتعاون الاستخباري السعودي.
ونقل التقرير عن الصحفي الباكستاني سيد شاه الذي تحدث عن تأثير المعاهد التي تمولها السعودية في باكستان، كما نقل عن سيدني جونز مديرة معهد التحليل السياسي للنزاعات في العاصمة الاندونيسية جاكرتا، بان السعوديين يرسلون المال من اجل بناء المساجد ونشر الكتب منذ عقود.
وقالت جونز، ان النفوذ السعودي جعل من المجتمع الاندونيسي مجتمعاً أكثر “تعصباً”، كما أعربت عن اعتقادها بأن المال الذي ترسله السعودية يقف خلف الحملات التي تستهدف الشيعة والاحمديين في اندونيسيا، منبهة إلى أن التعاليم الوهابية تعتبر أتباع هذه الطوائف كفاراً، وأن العديد من “المتدينين الاندونيسيين” تعلموا في السعودية.
خبر للأنباء – ترجمة وتحرير/فارس سعيد وليلى جمال وفيروز سلام: