ثقافة اليمنيين .. وخطر التطرف ..
أحمد يحيى الديلمي
من المشاهد التي ألفنا عليها وانغرست في أذهاننا أنه كلما دخل الوقت المحدد لصلاة أي فرض ترتفع الأصوات ، تعانق السماء صادحة بالأذان .
المشهد بديع تتداخل فيه الكلمات والألفاظ وتختلف المفردات لتكشف عن طبيعة العلاقة الحميمية التي تربط اليمنيين ببعضهم وما تتسم به من تسامح وتآلف .
مؤذن يتوقف عن ” حي على الفلاح ” وآخر يضيف ” حي على خير العمل ” يتدافع على إثر ذلك الناس إلى المساجد لأداء الفريضة المنادى لها بكل رضا واطمئنان، كل مصل يرتاد المسجد الأقرب إلى منزله أو مقر عمله ، لا يسأل عن مذهب الإمام ولا يهتم لمفردات الأذان ، المهم أن يؤدي الفرض لله طبقاً لقيم التعايش والتآلف المتوارثة منذ مئات السنين ، يتجه كل مصل بقلبه إلى الله سبحانه وتعالى ، طالبين المغفرة والقبول ، يتوجه بإخلاص متناه ومشاعر صادقة لخصها الشاعر الخفنجي طيب الله ثراه بقوله :
كلاً يصلي كيف ما أشتى
لله والســـــــــــــــــــــر القبــــــــــــــــــــــــــــول
المشهد ذاته لا يقتصر على مدينة صنعاء عاصمة اليمن التاريخية ، بل تجده ماثلاً أمامك في كل مدينة يمنية تتجه إليها من حضرموت إلى صعدة ، فاليمنيون منذ القدم اعتبروا المساجد مواضع للتآلف ووحدة الكلمة ولملمة الصفوف ، قدسية المكان وما يشتمل عليه من معان روحية عمق الأخوة وحالات المحبة بين اليمنيين ، وأسقط كافة الأسوار المذهبية والخلافات الضيقة التي اتسعت بين المسلمين في الدول الأخرى، وأضافت الفتن والصراعات والحروب المذهبية بكل أشكالها ، وجعلت الطائفية والانقسامات المذهبية بؤراً للإثم والخطيئة ، تمكن من خلالها الأعداء والدول الاستعمارية من النفاذ إلى واقع الأمة والتحكم في مسارات حياتها عبر تغذية النعرات والصراعات المذهبية بأفق انتهازي جعل من خطط ورسم السيناريوهات مدخلاً لإشعال الحروب الطاحنة بين المسلمين بعضهم البعض ، والمستفيد يقف عن بُعد، يدير هذه الحروب بالريموت كنترول .
للأسف الشديد المشهد ذاته بات ماثلاً في – اليمن اليوم – بفعل الثقافات الدخيلة والمد التكفيري المتطرف منذ أن انغرست جذوره الأولى في دماج بعد إنشاء دار الحديث التي تبناها الفكر الوهابي ضيق الأفق بما بثه من ثقافة انغلاقية تضيق ذرعاً بالآخر المخالف وتمعن في تكفيره وإباحة دمه وعرضه ، ولو لمجرد الشبهة و اختلاف وجهات النظر في الغالب يكون الخلاف حوله فعلاً مندوباً، كما حدثني أحد المشائخ المتخرجين من دماج ، سألته عن سبب رفضه الصلاة خلف إمام مشهود له بالورع والتقوى ، أجاب بكل ثقة : الله يهديه ، هو فاسق دون أن يدري ، وسيرتقي إلى مرتبة الكفر إذا أصر على ارتكاب الإثم ، سألته عن هذا الإثم الذي يكفر ، فأجاب بنفس الثقة: إنه يجهر بالنية للصلاة ، قال شيخ الإسلام ” الجهر بالنية للصلاة ردة يُستتاب عليها فاعلها ثلاثة أيام ، إذا لم يتب يقام عليه الحد ” كما نلاحظ الفعل سنة لا يعاقب المصلي عليها إذا لم يؤدها مع ذلك اعتبرها الشيخ ردة توجب إقامة الحد وحد المرتد القتل ، ومن المعلوم أن شيخ الإسلام هو ابن تيمية .
إن الخلفية التي أسلفت تتضح الجذور الفكرية لغطرسة وعنجهية ذلك الشاذ الذي ظهر في القنوات يتحدث على انتصارات الصراري البشعة ويعتبرها من الانتصارات العظيمة والفتوحات المبينة ، إنها قمة المهزلة أن نصل في اليمن إلى هذه المرحلة من التشظي والانقسام ، بينما كل يتلفظ بالشهادة صباحاً مساء ، فأين ذهبت العقول.
إن العملية تمثل سقوطاً أخلاقياً مريعاً يخالف تماماً الثقافة التي توارثناها ونشأنا عليها والتي كانت مدخلاً للتسامح والتآلف بين اليمنيين ، وبالتالي لابد من المواجهة الحاسمة لهذه الجماعات الشاذة قبل أن تستفحل ويتحول التطرف والإرهاب إلى سرطان خبيث في جسد الأمة ..
والله من وراء القصد ..