جبهة الكويت

نبيل حيدر
عودة(المقاتل) السياسي الوطني إلى الكويت تؤذن لافتتاح معركة جديدة سياسية بامتياز ولكنها معركة تلي في التراتبية المعركة الحربية التي ينفذها بواسل الجيش واللجان في الجبهات المتصدية لتحالف العدوان السعودي ومرتزقته.
( كويت 1) حقق فيه المفاوض اليمني مكاسب سياسية مهمة أبرزها كسر الحظر السياسي الدولي الذي فُرض مع انطلاق العدوان واستمر عاماً كاملاً بدون انفتاح سياسي حقيقي واستماع للطرف الوطني ممثل مجابهي العدوان وحصاره اللا إنساني .
نعم كان هناك جنيف 1 وجنيف 2 لكن الجنيفين لم يمثلا أي قيمة ترجيحية للمسار السياسي وعلى العكس بسبب تعنت وصلف الرياض ووفدها، وبسبب انغلاق الأفق الدولي على عكس ما جرى في الكويت وما سيجري فيها .
أخذت الجولة السابقة لمشاورات الكويت وقتاً احتسب طويلًا- سبعين يوماً- لكنه في حدث كالحدث الذي تمر به اليمن ليس كثيرًا.. ومع استمرار التلاعب السعودي ليس هينًا ، وإذا كان طويلاً فقد ساهم طوله في عقد لقاءات مكثفة عربية وإقليمية ودولية مع الوفد الوطني تضمنت مشاورات لا يمكن إلا أن تكون مجدية بجيدها وسيّئها ، وكان السمع والبصر والفؤاد حاضرين حضور المواجهة والاستماع والنقاش الذي لا تتيحه رسائل البريد الالكتروني والفاكس .
استطاع الوفد الوطني أن يقدم صورًا واضحة عن حقيقة الرؤية السياسية الوطنية لمجابهي العدوان وأن العدوان كما لا يمكن أن يكسرنا فلا يمكن أن يجعل البارود خيارًا أوحدً لنا . فالطرح السياسي موجود وبشكل وطني امتيازي يتحدث عن وطن للجميع ليس فيه غالب ذِئبوي ولا مغلوب دونوي رغم الجرح العميق الذي صنعه العدوان ومرتزقته .
التقى الوفد الوطني في جولة الكويت الأولى سفراء الدول الـ 20 وغيرهم والتقى ممثلين دوليين أممين على طاولة كراسيها أكثر من ولد الشيخ .. وهذا إنجاز لم يتحقق في الجنيفين ولا في اتصالات ما قبلها وما بعدها سواء في مسقط أو موسكو أو القاهرة أو بيروت .
و قيمة هذا الإنجاز ليست في ظاهره البروتوكولي أو الوجاهي  بل في ما تم في حواراته وبعرض الرؤية الوطنية التي نالت استحسان الكثير من الدبلوماسيين العرب والأجانب ووجدوا فيها عقلانية وواقعية ،  بخلاف طرح وفد الرياض الذي تنوعت ميوعته التفاوضية بين تعليق لحضور بعض الجلسات وامتناع عن بعضها وتلكؤ ثم عجز عن تقديم رؤية جامعة أو صورة واضحة لبعض القضايا مثل قضية الأسرى عندما عجز عن تقديم حصر دقيق ، بالإضافة الى تشتت وفده في طرح قضايا جزئية للنقاش وهروب من القضايا الرئيسة .

في كويت 1 جرى تداول واسع للوضع الاقتصادي وحصل اجتماع للبنك الدولي بحضور محافظ البنك المركزي ووزير مالية هادي .. والأهم ان الاجتماع تم بحس وسمع وبصر الوفد الوطني .. وهذا له مدلوله الايجابي على نقيض لو تم الاجتماع في عمّان أو غيرها وفي غياب الصوت الذي يمثل الواقع والضرر المباشر .
و من كويت 1 خرج وزير الخارجية البريطاني ليقول في لقاء متلفز أن يد هادي تمسك بحكومة مهترئة لا تحظى بقبول الجميع ولا تمثل الجميع .. تغير سياسي لا يمكن تجاهله .
وفي كويت 1 عرف المجتمع الدولي الطرف المتهرب من الحلول الحقيقية والخائف الوجل على خسارة المناصب وامتيازاتها السحرية التي اختلط فيها العطاء السعودي مع الاماراتي مع غيرهما .
ذلك وغيره ما كان ليتحقق لولا صلابة المفاوض الوطني السياسي وعدم رضوخه للضغوط ونفضه للوهن والضعف الذي ضخته ماكينة العدوان الإعلامية والسياسية والإشاعاتية . وبالطبع ومن خلفهم وأمامهم رجال في الميدان يرسمون معالم الطريق الثابت .
و من يظن أنه قادر على العيش خارج منظومة الإدارة الدولية فلا يعدو أكثر من ناثر للرماد فوق الأشواك وفي يوم ريح وبلا حذاء أراد جمع رماده ، مع الاعتذار للشاعر .
والذهاب في خط الحالة العدمية بتجاهل الكرة الدولية وتأثيرها لا ينتج شيئًا .. كما أن الاستسلام والارتهان حالٌ عدمي نقيض لا ينتج شيئًا .
حرب مواجهة العدوان وأدواته ليست غاية وهدفًا ولهذا تحتاج المواجهة إلى ذراع سياسية تفاوضية تبذل ما في وسعها، على الأقل لإقامة الحجة على الآخر  أمام رب الناس والناس .
وخلفنا تاريخ حافل بتجارب وظواهر بشرية كثيرة ينبغي التعلم منها  لم تقطع طريق التفاوض السياسي وتكتفي بالحربي العسكري وإن لم يتعلم الإنسان منها فانطبقت عليه المقولة الفلسفية الشهيرة القائلة بأن الدرس الوحيد من التاريخ أن الإنسان لم يتعلم من التاريخ .
قبل 2500 عام قال حكيم عسكري من الصين القديمة أن التنظيم المتقن للدولة هو الحليف الأقوى للجندي ، وكما هذه الحكمة الخالدة .. فالمفاوض السياسي في جبهة الكويت هو الحليف الأقوى للجندي المقاتل في الميدان .. والعكس صحيح .

قد يعجبك ايضا