> نجحت الكويت في حلحلة أزمات يمنية سابقة، وليس لها أجندة خاصة في اليمن
> تغيّر الخطاب السياسي والإعلامي الكويتي منذ بداية المباحثات بما يلائم دور الوسيط
> حيادية الكويت بدت تعويضاً عن تخبط الدور الأممي وانحيازه لدول العدوان ومرتزقتها
تقرير/ كمال البرتاني
(الكويت)، ربما تكون كلمة السر ومفتاح الحل في المباحثات الجارية بين الوفد الوطني ووفد الرياض.
جاء اختيار الكويت لاحتضان الجولة الجديدة من المباحثات اليمنية، بعد تداول مقترحات عديدة لانعقادها في الأردن، مصر وأثيوبيا وغيرها.
ورأى دبلوماسيون ومحللون سياسيون أن التوافق على الكويت مثل بداية مشجعة لإمكانية التوافق على حلول لمختلف القضايا الخلافية.
وبرغم طول مدة التفاوض، وعدم إحراز تقدم، أو “وجود تقدم بطيء”، إلا أن إصرار دولة الكويت على إنجاح المباحثات، وقيامها بدور الوسيط “غير المشكوك في نزاهته وحياده” قد يؤتي ثماره في الأيام القادمة.
الكويت واحة سلام
فور الاتفاق على انعقاد المباحثات في الكويت، اتجهت التحليلات لإبراز الدور الكويتي في حل النزاعات في المنطقة، وأدوار الكويت التاريخية في لعب دور الوسيط، ونجاحها في حلحلة أزمات يمنية سابقة، منها:
– التوسط بين شطري اليمن سابقاً عام 1972م لوقف المناوشات بينهما على الحدود، عقب زيارة قام بها (الشيخ صباح الأحمد) حينذاك لكل من صنعاء وعدن.
– احتضان لقاء الرئيسين صالح وعبدالفتاح إسماعيل في مارس 1979م، الذي توج بالتوقيع على بيان الوحدة اليمنية وتشكيل لجنة مشتركة لإعداد مشروع دستور دولة الوحدة، برعاية أمير الكويت الراحل (الشيخ جابر الأحمد).
– استضافة اجتماع لقيادة الشطرين(صالح وعلي ناصر محمد) في نوفمبر 1981م، لتنقية الأجواء بين الطرفين، بعد حربين شطريتين.
– نجاحها في المصالحة بين دولة الجنوب سابقا وسلطنة عمان، في ثمانينيات القرن العشرين.
– إضافة إلى المساهمة الكويتية في المبادرة الخليجية، ومتابعة تنفيذها.
وعدّ محللون هذه الخبرة الكويتية مؤشرا إيجابياً على إمكانية نجاح المباحثات الجارية منذ 21 أبريل الماضي. وأضافوا إلى تلك الخبرة أن الكويت لم تكن طرفا فاعلا في العدوان على اليمن، وكانت عضويتها في التحالف السعودي “اسمية” أو “رمزية”، أجبرت عليها تحت الضغوط السعودية، وظل قبولها العضوية في تحالف العدوان مجرد “مجاملة دبلوماسية”، مقابل الدور السعودي في تحرير الكويت من احتلال نظام صدام. كما أن الكويت ليس لها مطامع في اليمن، ولا مصلحة في العدوان عليه والسعي لإضعافه وتقسيمه.
وقبيل انعقاد المباحثات، نشرت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية (كونا) تقارير عن فرص نجاحها، أشارت فيها إلى امتلاك دولة الكويت “رصيدا حافلا في جهود المصالحة والوساطة من أجل تنقية الأجواء العربية العربية ولم الشمل العربي، وذلك انطلاقا من إيمانها بأن جهود الوساطة تعد أحد المداخل الرئيسة السلمية لإدارة وحل النزاعات التي يؤدي فيها الطرف الثالث دورا مركزيا.” مشيرة إلى الخبرة الدبلوماسية التي يمتلكها أمير البلاد (الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح) خلال عمله لعدة عقود وزيرا للخارجية.
وفي هذا السياق، قال الكاتب (خير الله خير الله): “يمكن اعتبار جولة المفاوضات في الكويت مفصلية، خصوصا أن الكويت كانت دائما مكانا يساعد في التوصل إلى تسويات. وهذا عائد أساسا إلى الاهتمام الكويتي القديم باليمن من جهة وإلى عدم وجود أجندة كويتية في ما يخصّ البلد من جهة أخرى.”
وقد رحبت دولة الكويت باختيارها لاستضافة المباحثات، بعد تلقيها ضوءا أخضر من واشنطن ومجلس التعاون الخليجي. وقال النائب الكويتي عبدالرحمن الجيران لـ”سكاي نيوز عربية” إن الإطار العام لسياسة الكويت هي لملمة الصف العربي، وإن “السياسة التي خطها أمير الكويت في السنوات العشر الأخيرة تؤكد أن الكويت مع السلام وأنها ترفض كافة أنواع العنف والتطرف والإرهاب”.
وعبر النائب الكويتي، صالح عاشور عن أهمية فرض حل سلمي للأزمة اليمنية وقال: “لابد من الجلوس على طاولة المفاوضات والحوار المباشر (…) الاستمرار بالحرب له انعكاسات على دول الخليج ولابد أن تكون هناك بعض التنازلات”.
ولقيت موافقة الكويت على استضافة المباحثات ترحيبا دوليا، عبر عنه رؤساء، ووزراء خارجية عدد من الدول، بينها واشنطن ولندن وموسكو التي أشادت بالدور الذي تلعبه الكويت لتحقيق التسوية السياسية في اليمن. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زخاروفا في مؤتمر صحافي في موسكو: ” إن الكويت تؤدي دورا ايجابيا في المساعي السياسية الرامية إلى إيجاد تسوية في اليمن.”
تغيير الخطاب الكويتي
وأعطت الكويت مؤشرا إيجابيا للعب دور الوسيط بتغيير خطابها الإعلامي الذي كان معبراً، قبل استضافة المباحثات، عن وجهة النظر السعودية، وتبنت خطابا إعلاميا محايدا، بعد احتجاج الوفد الوطني على اعتماد وكالة الأنباء (كونا) المصطلحات والمسميات المعتمدة من قبل دول العدوان.
كما لمس الوفد الوطني حفاوة الاستقبال لدى وصوله إلى الكويت، وحظي بمقابلة أمير البلاد وكبار المسؤولين في الدولة، وتلقى تأكيدات بتجاوز الكويت “حزازات الموقف اليمني من حرب الخليج الثانية”، وحسب ما رشح من معلومات، فقد تحدث أمير الكويت بإيجابية عن السيد عبدالملك الحوثي والرئيس السابق علي عبدالله صالح، خلال لقائه الوفد الوطني.
ورأى مراقبون أن حيادية الكويت بدت تعويضاً عن التخبط الأممي وانحياز المنظمة الدولية لدول العدوان ومرتزقتها، وتعويضا عن الانحياز الكامل الذي بدا واضحا في خطاب وتحركات أمين عام مجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني، الذي مارس ضغوطا كبيرة لتنفيذ الأجندة السعودية. وثمّن مبعوث الأمم المتحدة لليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد دور الشيخ صباح في دفع جهود إحلال السلام في اليمن، مؤكدا أن “لقاءه مع الأطراف اليمنية كل على حدة كان له النصيب الكبير في الوصول إلى الأجواء الإيجابية التي تم التوصل إليها في المشاورات “.
كما عكست كلمة رئيس مجلس الوزراء بالإنابة ووزير الخارجية الكويتي (صباح خالد الحمد الصباح) في افتتاح المباحثات ذلك التغيير في الخطاب الكويتي، سياسيا وإعلاميا. وقد أكد في كلمته أن “مشاورات السلام تشكل فرصة تاريخية سانحة نأمل أن تقود فيها الحكمة اليمانية المعهودة إلى إنهاء الصراع الدائر وحقن دماء أبناء الشعب اليمني”، داعيا “جميع الأطراف إلى المساهمة الإيجابية في جولة المشاورات السياسية وصولا إلى وضع صيغة تقود إلى حل شامل ودائم ينقذ اليمن ويصون أمن واستقرار المنطقة.” كما دعا إلى “تحويل الحرب إلى سلام والتخلف إلى تنمية والعمل جميعا على وضع نهاية للصراع في اليمن”
وأكد الصباح تطلع اليمنيين لمشاركة إيجابية في المباحثات وأن “الشعب اليمني سيدفع تكاليف الحرب إن تأخر السلام”، مشددا على ضرورة أن يتبع المفاوضات إعادة الإعمار”.
وكانت مواقف كويتية قد أدانت العدوان على اليمن، وأعلن النائب الكويتي عبدالحميد دشتي مع مجموعة من البرلمانيين عن “مبادرة كويتية شعبية من أجل حل سياسي في اليمن”، قبل أن يعلن تشكيل “تحالف حقوقي لمقاضاة السعودية على تورطها في الأعمال الإرهابية التي تجتاح المنطقة والعالم”، في أعقاب القرار الذي أقره الكونجرس الأمريكي، حول مقاضاة السعودية على خلفية أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وأبدى دشتي استعداده لتغطية كافة تكاليف التحالف، مبيناً أن الهدف منه هو أن يظهر للعالم ولكل المتضررين من الإرهاب السعودي، الوجه الحقيقي للعرب والإسلام”.
كل ذلك يعد مؤشرات إيجابية على أن الكويت قد تكون “محطة التفاوض الأخيرة” لليمنيين، وبداية لإعادة الاستقرار وانطلاق مسيرة الإعمار، وتطبيب الجراح التي خلفها العدوان والاقتتال.