> مواطنون: تمور هذا العام اسعارها مرتفعة وفيها مغشوش تاريخاً وتعبئة
> ظروف العدوان والحصار لا تبرر ترك الحبل على الغارب للانتهازيين
> تجار: استيراد التمور توقف بسبب الحصار وصرف العملة.. وأغلب المعروض كميات مخزنة
> بائعون: بعض فرق الرقابة تهتم بابتزاز التجار أكثر من صلاحية البضائع
> حماية المستهلك: أغلب أنواع التمور سيئ وردئ .. وغياب الرقابة يشجع الغش
> الصناعة والتجارة: ضبطنا 5000 صفيحة تمور مغشوشة .. ونأمل أن يكون المواطن عيناً لنا
> الخولاني: القانون يكفل حرية السوق ولا يخولنا التدخل لتحديد أسعار التمور
تحقيق / رجاء عاطف
في هكذا ظروف معيشية صعبة استغنى كثير من المواطنين عن التمر في شهر رمضان رغم أنه سنة نبوية ورغم فوائده الصحية واقترانه بالصيام بعد ارتفاع ثمنه لمبالغ مهولة بسبب جشع تجار يجدون في كل أزمة اقتصادية فرصة للتكسب خارج مسار القيم والإنسانية..
في هذا التحقيق نتتبع مظاهر غلاء أسعار التُمور، ومظاهر الغش في تجارتها إلى درجة يشكو معها المستهلكون بيع تمور مسوسة ومنتهية الصلاحية، بزعم أنها جديدة وتعبئة جديدة.. ونتقصى واقع الرقابة على هذه التجارة.. فإلى التفاصيل:
أم حاتم عبدالإله، لأول مرة تخلو مائدتهم في رمضان من التمر رغم شرائنا له، والسبب كما تقول: إشتريت نصف صفيحة من التمر بأربعة آلاف ريال وبعد فتحها وجدت رائحة عفنة والسوس يملأها من أسفلها وهذا ما جعلنا لا نفكر في شراء صفيحة أخرى، فالتجار يحتالون بخلط تمور جيدة بفاسدة!!.
شماعة تبرير
هذه الحال يؤكدها محمد باهي، الذي يرى أن “ما يحدث طبيعي نتيجة غياب الدور الرقابي للجهات المختصة” ويتمنى أن “يضعوا حداً لاستغلال التجار الجشعين”، يقول: “يجب على الجهات المعنية فحص التمور والرقابة على الأسعار واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المخالفين حتى يتجه الناس لشراء التمر وغيره من السلع الأساسية وألا يجعلوا من الظروف شماعة لتبرير استهتارهم وتخليهم عن مسؤوليتهم”.
وأما علي أبو طالب فيقول: اكتفينا بشراء التمر بالكيلو هذا العام؛ لأن التجار بالغوا في ثمنه مستغلين حاجة المواطنين في شهر الخير.
وبالمثل عزيز الفقيه، يقول: “تركنا التمر للتاجر حتى يصبح بمقدورنا شراؤه ما لم سنستمر بالإفطار بالماء وندعو الله على هؤلاء الجشعين الذين لا يخافون الله ولا يرحمون الفقراء وما أكثرهم”.
معرفة المغشوش
هناك خصائص يجب أن يتعرف عليها المستهلك عند شرائه للتمر، وفق صاحب أحد المحلات لبيع التُمور رفض ذكر اسمه، قال لنا: “التمر المغشوش يعرف من خلال العبوة أو الصفيحة، فإذا كانت العبوة مفرغة من الهواء يعتبر التمر تالفاً وغير صالح للاستهلاك الآدمي، وكذلك إذا كان شكل الصفيحة غير منظم ويظهر على التمر أثر سكر أو يكون له رائحة غير جيدة”.
وأضاف: “هذا الغش يكون واضحاً للمواطن إلا أن بعض التجار عديمي الضمير يسعون لبيعه لهم وكل همهم البيع والربح منها”.
يرجع هذا التاجر الذي طلب عدم كشف اسمه السبب في تمادي هؤلاء التجار إلى الجهات المعنية الرقابية التابعة للأمانة والمديرية، يقول: “هم يأتون فقط ليبتزوا التاجر ولا يهمهم المواطن والبضائع إذا كانت مغشوشة، وإذا وجدوا مع أحد التجار بضاعة ربما تكون تالفة يبتزونه مقابل عدم الضبط”.
مضيفاً: “في الأوضاع الراهنة يجب أن تكون الرقابة من المنافذ حتى لا تدخل البضائع المغشوشة إلى الأسواق”.
وعن الأسعار المرتفعة التي تباع بها التمور، قال: “عدد أنواع التمور كثير وأسعار بيعها حسب نوعية التمر”، مؤكداً أن التمر لم يرتفع سعره عن العام الماضي إلا بفارق بسيط بسبب صرف العملة، فالتمور تستورد من السعودية والخارج وبسبب الحصار لم يستورد الكثير من التجار التمور ويشترونها من السوق”.
كميات مغشوشة
في المقابل، الأمين العام للجمعية اليمنية لحماية المستهلك صالح غيلان، أكد أن “التمر المغشوش والتالف موضوع يتكرر كل عام وخاصة خلال شهر رمضان”، وعن دورهم حيال ذلك هذا العام، قال: “من خلال النزول الميداني إلى بعض محلات بيع التمور وبعض الأسواق الشعبية تم رصد عدد من أنواع التمور التالفة ومتغيرة الصفات وكذلك المصابة بأنواع من السوس وبعض الأنواع من التمور المغلفة والمعبأة في عبوات بلاستيكية منتهية الصلاحية وتحمل لواصق بتواريخ إنتاج وصلاحية استهلاك مزورة”.
غيلان أكد لنا أيضاً أن جمعية حماية المستهلك “لاحظت أن أغلب أنواع التمور المعبأة في شُوالات (الخيش) تمور سيئة النوعية ورديئة جداً وغير صالحة للاستهلاك الآدمي لاحتوائها حصوات رملية ومخلفات الأشجار مع تواجد السوس بداخل هذه التمور”.
وأضاف: “كما تم رصد عمليات غش عبر إعادة تعبئة بعض أنواع التمور المنتهي والجاف بعد ترطيبه بمحاليل سكرية أو تعريضه لبخار الماء وتعاد تعبئته في صفائح (تنك) وبحيث يوضع تمر جيد في أسفل وأعلى الصفيحة وتمر رديء في الوسط ما يخدع المستهلك”.
2000 كيلو
بلغة الأرقام يقول أمين عام جمعية حماية المستهلك صالح غيلان: “خلال النزول الميداني لفرق التفتيش تم رصد كميات من التمر التالف تقدر بحوالي طنين (2000 كيلو” معبأة في شُوَالات، وأيضاً في عبوات بلاستيكية بأوزان مختلفة تبدأ من250جراماً وحتى الكيلو، وهذه الكميات كانت محملة ومعروضة على شاحنة في منطقة مستشفى الثورة، فيما هرب صاحب الشاحنة عندما أحس بالمراقبة وانه قد تم كشفه”.
وقال : إنه لا توجد معلومات حول ضبط أي كميه حتى الآن فلم يتم ضبط سوى كميات بسيطة عبارة عن عبوات صغيرة بأوزان الكيلو وأجزائه.
وفي حين أوضح غيلان أنه “لا توجد معلومات عن ضبط أية كمية “أخرى” من التمور المغشوشة والفاسدة حتى الآن”، وأكد لنا” ملاحظة ارتفاع أسعار التمور واستغلال غياب الرقابة أو المتابعة من الجهات التنفيذية في مكتب وزارة الصناعة والتجارة”.
قوانين ومواصفات
من جانبه يقر مدير عام مكتب الصناعة والتجارة بأمانة العاصمة خالد الخولاني بأن هناك ثلاثة قوانين خاصة بالمواد الغذائية صدرت بعد العام 2007 – 2010م تعطيهم صلاحية ضبط المواد الغذائية التالفة والفاسدة ومنتهية الصلاحية بجميع انواعها وهذه القوانين هي (قانون التجارة الداخلية وقانون الصناعة وقانون حماية المستهلك).
وقال: “التمور هي إحدى المواد الغذائية التي تكاد تكون سلعة موسمية يقبل عليها المستهلك قبل وخلال شهر رمضان فقط وكان هناك توجيهات سابقة من وزارة الصناعة والتجارة لهيئة المواصفات قبل ثلاث سنوات بأن يتم عمل مواصفات لهذه التمور، بحيث يكون تاريخ الصلاحية محفوراً في صفيحة التمر نفسها، ولكن للأسف تأخر التنفيذ وتم عمل تاريخ الصلاحية في ورقة لاصق تكون داخل الصفيحة وخارجها بإشراف هيئة المواصفات والمقاييس عند دخول التمور من أحد المنافذ سواء البحرية أو البرية”..
الخولاني أضاف: لاحظنا خلال هذا العام والعام الماضي أن نوعية التمور جيدة في الأسواق، أيضاً مواصفاتها ونظافتها والصفائح بشكل مرتب ، وأنه خلال الثلاث السنوات الماضية تحسن مستوى التمر الموجود في الأسواق خاصة بأمانة العاصمة نتيجة لتشديد المكتب الرقابة والإشراف والضبط، فقد تم ضبط كميات كبيرة من التمور خلال الأعوام الماضية.
5000 صفيحة
عن دور مكتب وزارة الصناعة والتجارة في الرقابة وضبط التمور المغشوشة والفاسدة هذا العام، قال خالد الخولاني: “يعتبر الغش هنا بالتلاعب في تاريخ الصلاحية، فحسب المواصفات والمقاييس تاريخ صلاحية التمور هي سنة ،وقد وجدنا هذا العام بعض المحلات قامت بعمل تاريخ الصلاحية لسنتين، وهذا مخالف للمواصفات والمقاييس، وخلال الأسبوع الماضي تم ضبط ما يقارب خمسة آلاف صفيحة مغشوشة من حيث التاريخ منها ما سيتم إحالته للنيابة ومنها ما يتم إتلافه وأيضاً إدخال الإجراء الإداري حوله”.
الخولاني نوه بأن الضبط يتم أيضاً من جانب السلطات المحلية في المديريات عبر لجنة خاصة في كل مديرية مشكلة بقرار من أمين العاصمة لضبط المواد الغذائية المغشوشة ومنتهية صلاحية الاستخدام بجميع أنواعها بما فيها التمور خاصة في فترة ما قبل وخلال شهر رمضان لتقوم بعملها بشكل متواصل”.
موضحاً أن لدى مكتب الصناعة والتجارة “هاتفاً مجانياً لاستقبال الشكاوى والتبليغ عن أي سلعة يشتريها المواطن، وبالتالي يأتي دورهم بتوجيه فريق مختص في المكان المبلغ عنه للتحري والضبط”.
لا شكاوى!!
لكن غير المتوقع هنا هو أن المكتب لم يتلق أي شكاوى من المواطنين أو بلاغات بهذا الشأن، بحسب تأكيد مدير عام مكتب وزارة الصناعة والتجارة في أمانة العاصمة خالد الخولاني الذي قال: “نأسف لعدم تلقي شكاوى من المواطنين إلا فيما ندر، ونأمل أن يتعاون المواطنون في تقديم البلاغات؛ لأن ذلك عون لنا في الميدان لأننا كادر بسيط وقليل ولا يمكن أن يتم مراقبة كل المحلات فالمواطن عين وعون لنا بتبليغنا”.
وتابع: “قد يكون انعدام الشكاوى التي يتلقاها المكتب سببه عدم وعي المواطن بأهمية تقديم شكاوى للجهات المختصة وقد يكون بسبب قصور من النواحي الإعلامية إضافة إلى أن إمكانياتهم بسيطة لا تؤهل للقيام بالتوعية”.
أسعار بلا قيد
وفيما إذا كان لهم دور في ضبط الأسعار أوضح مدير مكتب الصناعة والتجارة في الأمانة: “إن قانون المنافسة عمل على حرية السوق (العرض والطلب) عدا في خمس مواد أساسية هي القمح والحليب والسمن والسكر والغاز والذي لا يحق لهم تحديد أسعارها وإنما فقط التدخل بالوقت المناسب باتخاذ إجراءات قانونية والرفع للوزارة في حال ارتفعت أسعارها ارتفاعاً غير مبرر” .
وقال: “إن السوق تخضع للعرض والطلب فإذا كان العرض منخفضاً بالنسبة للتمور، فبالتأكيد سيرتفع سعرها وهي ليست مادة أساسية ولا يحق التدخل فيها، طالما تخضع لهذا القانون, فزيادة الطلب يعمل على انخفاض العرض وأحيانا تهافت الناس واندفاعهم خاصة في موسم رمضان لشراء كميات زيادة عن حاجتهم هو أحد العوامل الأساسية لارتفاع أسعار المواد الغذائية ويؤدي إلى جشع التجار ويستدعي ضعفاء النفوس منهم لاحتكار المواد أو المغالاة في هذه المواد”.. منوهاً بأن “المواطن قد يجد الصفيحة التمر قبل رمضان بـ8 آلاف أو أكثر ولكن بعد خمسة أيام من رمضان سيجد أن سعرها أقل”.
مطلوب تفاعل
في ختام حديثه ناشد مدير عام مكتب الصناعة والتجارة في أمانة العاصمة خالد الخولاني المواطنين “ضرورة التعاون في الإبلاغ عن أي مادة تالفة أو منتهية الصلاحية وعدم الاندفاع للشراء بكميات كبيرة تفوق حاجتهم، وطمأن المواطنين بأن” المواد والسلع الغذائية متوفرة بشكل كبير بحسب تأكيد كبار المستوردين سواء في المخازن أو الطريق”.
الخولاني حث أيضاً التجار على أن ” يراعوا ظروف الناس الذين تعرضوا طوال أكثر من عام لعدوان غاشم بكل المقاييس بما فيه الحرب الاقتصادية وأن يتقوا الله في هذا المواطن الذي تحمل عبء هذه الحرب، وأن يتراحموا, وعلى وسائل الإعلام أن تقوم بتوعية المستهلك”.