الاستحداثات العمرانية تحاصر صهاريج عدن التاريخية


تحقيق صادق هزبر –
تتعرض الآثار والمعالم الأثرية والتاريخية في محافظة عدن لعمليات عبث وتشوه في محيطها حيث انتشرت خلال الفترة الماضية عمليات البناء العشوائي والتمدد العمراني بجانب صهاريج عدن الأثرية التي تعد أهم معلم أثري وتاريخي في محافظة عدن ورغم النداءات التي أطلقت من قبل المهتمين بالشأن الأثري وكذلك المختصين بحماية الآثار إلا أنها لم تلق آذاناٍ صاغية من قبل الجهات المعنية بالسلطة المحلية ووزارة الثقافة حيث يقول الأخ عبد الكريم البركاني نائب مدير عام حماية الآثار والممتلكات الثقافية بالهيئة العامة لحماية الآثار إن قانون الآثار لايعطي الصلاحية بتشويه المعالم الأثرية والبناء بجانب المنشآت الأثرية..وتعتبر حالات التشويه في تلك المعالم من المخاطر المحدقة التي تهدد تلك المعالم..وأضاف البركاني إن مكتب الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني هي من تقوم بصرف تلك الأراضي والتعويضات القانونية وغير القانونية بجانب المنشآت الأثرية والتاريخية بالمحافظة بالإضافة إلى انعدام التنسيق بين هيئة المساحة والهيئة العامة للآثار والمتاحف أثناء إنزال المخططات . وعن خطة المنع أو الإزالة قال البركاني إن المنع أو الإزالة تعتمد على السلطة المحلية في محافظة عدن وهي من على عاتقها عمليات الإزالة للمخالفات إذا كانت مهتمة بالمعالم الأثرية والتاريخية .
وتعد صهاريج عدن من أبرز المعالم التاريخية والسياحية التي يحرص على زيارتها الزوار المحليون والسياح العرب والأجانب القادمون إلى مدينة عدن والتي تدل على عمق الحضارة اليمنية القديمة.
وتقع صهاريج عدن في مدينة كريتر مديرية صيرة وتحديدا بواد يعرف بوادي الطويلة في امتداد خط مائل من الجهة الشمالية الغربية لمدينة كريتر – عدن التي تقع أسفل مصبات هضبة عدن المرتفعة حوالي 800قدم عن سطح البحر.
وتأخذ الهضبة شكلاٍ شبه دائري حيث يقع المصب عند رأس وادي الطويلة وتتصل الصهاريج بعضها ببعض بشكل سلسلة وقد شيدت في مضيق يبلغ طوله 750قدماٍ تقريباٍ ويحيط بها جبل شمسان بشكل دائري باستثناء منفذ يؤدي ويتصل بمدينة كريتر.
وتقول المصادر التاريخية إن بناء صهاريج عدن مر بمراحل تاريخية متعددة كان أولها في القرن الخامس عشر قبل الميلاد في عهد السبئيين وووفقا لما ذكره الأخ خالد رباطي في تصريحات صحفيه سابقة عن صهاريج عدن الأثرية.
أن المصادر تشير إلى إن الملكة بلقيس ملكة سبأ جاءت إلى عدن في القرن الخامس عشر قبل الميلاد وعندما شاهدت أن مياه الأمطار لا يستفاد منها وتذهب إلى البحر أمرت ببناء السدود لخزنها وتصريفها ثم جاءت دولة حمير (115 قبل الميلاد – 525م) على أنقاض دولة سبأ فوجدت أن معظم هذه السدود قد دمرت فقامت بتوسيعها حتى أصبح عددها يقارب الخمسين .. وما يؤكد عودة هذه الصهاريج إلى العصر الحميري وما قبله هو الطابع المماثل للأصل الحميري في مناطق أخرى من اليمن.
حيث اشتهرت اليمن قديماٍ ببناء المنشآت المائية والسدود الضخمة وقنوات الري ذات الطابع الفريد.
كما استعرض كثير من المؤرخين في كتاباتهم صهاريج عدن وما تؤديه من وظيفة ومنها بناؤها المعماري الفريد فقد ذكرها الهمداني في القرن العاشر الميلادي في مؤلفاته وكذا كامل المقدسي موحياٍ بوجودها في وقت مبكر من تاريخ المدينة والرحالة ابن بطوطة الذي كتب عن زيارته لعدن عام 1329م وابن المجاور وابن الديبع وغيرهم من مشاهير المؤرخين في القرون الماضية.
واستمرت حمير حتى مجيء الإسلام ومنذ تلك الفترة مروراٍ بالدولة الإسلامية وتعاقب الدويلات اليمنية على حكم عدن وحتى العهد البريطاني مرت الصهاريج بفترات نهوض وإهمال ففي فترة الصليحيين (1047/ 1137م) أضيفت إلى احد الصهاريج (القبة) ذات الطابع الإسلامي في عهد الملكة أروى.
ويقال إنها كانت تستخدم ذلك الصهريج كمستحم خاص بها هي وحاشيتها.
ولعل ما يلفت النظر وجود لوحة مثبتة على جدار بالقرب من صهريج كوجلان مكتوب عليها “هذه الخزانات في وادي الطويلة مجهول تاريخها”.
وكما أشار عدد من المؤرخين والرحالة إلى أن كلمة “صهاريج” قد تعني عدداٍ من المسميات التي يقصد بها مكان حفظ المياه فقد وصفها الهمداني في كتابه صفة الجزيرة العربية أثناء تناوله لتاريخ مدينة عدن بأنها (بؤرة) والبؤرة في لغة القواميس هي”الحفرة”.
أما ابن المجاور فقد بين معنى صهريج في كتابه تاريخ المستبصر بأنها عمارة الفرس عند بئر الزعفران وقصد بها حوض المياه.. فيما قال الرحالة العربي ابن بطوطة في كتابه تحفة النظار بعد زيارته لمدينة عدن (… وبها صهاريج يجمع فيها الماء أيام المطر …) .فيما وصفها الرحالة والأديب اللبناني أمين الريحاني بان (هذه الخزانات من أجمل الأعمال الهندسية في العالم.
وتعد صهاريج عدن من المآثر الهندسية الجميلة التي تدل على عظمة ابتكار الإنسان اليمني لاحتياجاته قديماٍ فكما بنى السدود وزرع المدرجات الجبلية بنى أيضاٍ الصهاريج بنظام مائي متطور لبى احتياجات عصره واستمرت حتى اليوم شاهداٍ حضارياٍ يستمد منه شعبنا اليمني في العصر الحديث دروساٍ وعبراٍ للمستقبل ولنظام صهاريج الطويلة أهداف متعددة مختلفة عن الصهاريج الأخرى الموجودة بالمدينة والتي اقتصر دورها على اعتبارها خزانات لجمع الماء وحفظه حيث يرى الباحث “عبدالله أحمد محيرز” أبرز من كتب عن صهاريج عدن أن نظام الطويلة لم يكن به هدف جامد لمجرد توفير الماء في متناول المستهلك.. مؤكداٍ أنه كان يعكس نظاماٍ دينمائياٍ وتكنولوجياٍ بارعا ووجهاٍ حضارياٍ فريداٍ وهو وسيلة لتلقف الماء عبر جدران حاجزة إما منحوتة بصخور أو مبنية بالحجارة والقضاض وتقوم بثلاث مهمات تلقف الماء وحجز الحجارة والطمي الساقط مع الشلالات وتوجيه الماء عبر سلسلة من هذه الجدران لتصريفه إلى حيث تكون الحاجة إليه.
ويرى بعض الدارسين أن صهاريج الطويلة كانت معلقة وأن تراكمات الحجارة والطمي جعلت بعضها يندثر تحت الركام بحيث لم يعد يْرى والبعض الآخر أجزاء منها باتت مطمورة.
وقدر الباحثون عدد صهاريج عدن (الطويلة) بنحو 50صهريجا معظمها مطمور تحت الأرض أو أصابه الخراب وما هو قائم منها لا يزيد على 18صهريجا فقط تستوعب نحو 20مليون جالون وتستقبل صهاريج الطويلة سنويا عشرات الآلاف من الزوار والسياح العرب والأجانب لغرض الاطلاع على مكوناتها المدهشة وخزاناتها ومتحفها.

قد يعجبك ايضا