د . آمنة نصير –
سجلت الشريعة الإسلامية منذ أربعة عشر قرنا◌ٍ الحقوق والواجبات للمرأة¡ وسبقت في ذلك جميع الحضارات والمواثيق الدولية¡ فقد كانت المرأة محاصرة بالذل والهوان في كل مكان عند الأمم السابقة على الإسلام¡ وجاء الإسلام وغير مسار الفكر البشري وجاء بنظرة شاملة تليق بالإنسان الذي كرمه الله¡ رجلا كان أو امرأة .
ومما لا يقدح في المساواة بين الرجل والمرأة¡ أننا نجد الإسلام فرق بينهما في بعض المجالات¡ نظرا لطبيعة كل منهما واستعداده وتكوينه الخلقي¡ ودوره في الحياة¡ وهذا لا يقلل من مكانة المرأة في إنسانيتها أو أهليتها ولا من الكرامة التي أحاطها بها الإسلام¡ ومن هذه الأمور جعل شهادة الرجل معادلة لشهادة امرأتين عملا بقول الحق سبحانه: “واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى” .
وشهادة المرأة التي جاءت على النصف من شهادة الرجل¡ كانت موضع نقد وتهكم من أناس جانبهم الصواب في فهم حكمة التشريع الإسلامي في هذه المسألة¡ سواء من أهل الغرب أو الشرق ممن انساقوا خلف عقولهم القاصرة¡ واعتبروا أن كون شهادة المرأة نصف شهادة الرجل غض من قدرها أو تقليل من أمرها¡ وهذا فهم خاطئ .
والأصل في حق الشهادة للمرأة قررته الشريعة الإسلامية¡ وهو على النصف من الرجل¡ ولكن هذا في موقف التحمل للشهادة لا في موقف الأداء¡ وتوضيح هذا أن الشاهد له موقفان:
أحدهما: موقفه حين يحضر الواقعة ويشهدها¡ أي يراها ويعلم كيف وقعت¡ ويقف على التصرف الذي حصل عند حصوله¡ وهذا هو موقف التحمل .
والموقف الثاني: هو موقفه وهو يدلي بهذه الشهادة أمام الحاكم أو القاضي¡ وهذا هو موقف الأداء .
والآية واردة في الموقف الأول¡ وهو موقف التحمل¡ فليس ما يمنع القاضي أو الحاكم من قبول شهادة رجل وامرأة في موقف الأداء إذا رأى هذه الشهادة جديرة بالاعتبار¡ وبذلك تكون المرأة في موقف الأداء مساوية للرجل¡ ليست ناقصة عنه .
وقد يؤخذ الدليل على هذا التساوي من الآية نفسها¡ إذ هي تفرض أن إحدى المرأتين قد تضل¡ أي تنسى فتذكرها الأخرى .
إذن فالاعتماد عند الحكم على شهادة الأخرى التي ذكرت صاحبتها¡ أي أن الأمر قد آل إلى الحكم بشهادة رجل وإحدى المرأتين في الواقع¡ أما موقف التحمل الذي يفرق فيه القرآن الكريم بين المرأة والرجل¡ والذي يتطلب اشهاد امرأتين في مقابل رجل واحد¡ فهو موقف استيثاق واحتياط من صاحب الحق لحقه¡ والدائن والمدين حين التصرف يكونان في سعة من أمرهما¡ ويمكنهما أن يتطلبا من الشهود ما تتحقق به الصورة المثلى والضمان الأكمل .
فالموقف هذا موقف احتياط وتوثيق لشهادة المرأة¡ حتى لا يطعن فيها في المستقبل مما سيحدث من مشكلات .
إذن فليس على المرأة من بأس في هذا¡ ولا ينبغي أن يعد هذا انتقاصا للمرأة¡ أو تمييزا للرجل¡ وإنما هو وضع للأمور في نصابها¡ وحكم عادل صادر عن درس لنفسية المرأة بحسب ما تزاوله من الأعمال¡ وطبيعة مركزها في المجتمع¡ ذلك المركز القائم على الضن بها أن تمتهن وتبتذل .
ويؤكد هذا الاتجاه عالمنا الكبير محمد رشيد رضا في تفسير المنار فيقول: إن المرأة ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعارضات فلذلك تكون ذاكرتها فيها ضعيفة¡ ولا تكون كذلك في الأمور المنزلية التي هي شغلها فإنها أقوى ذاكرة من الرجل¡ يعني أن من طبع البشر ذكرانا وإناثا أن يقوى تذكرهم للأمور التي تهمهم¡ ويكثر اشتغالهم بها¡ ولا ينافي ذلك اشتغال بعض نساء الأجانب في هذا العصر بالأعمال المالية فإنه قليل لا يعول عليه .
وللإمام محمد عبده إضافة جيدة في هذا المضمار حيث يقول: “إن الله جعل شهادة المرأتين شهادة واحدة¡ فإذا تركت إحداهما شيئا◌ٍ من الشهادة كأن نسيته أو ضل عنها تذكرها الأخرى¡ وتتم شهادتها¡ وللقاضي – بل عليه – أن يسأل إحداهما بحضور الأخرى¡ ويعتد بجزء الشهادة من إحداهما وبباقيها من الأخرى” .
* أستاذة جامعية وعالمة أزهرية
قد يعجبك ايضا