استطلاع/فايز البخاري –
كْنتْ قد زْرتْ وادي سْردْد العظيم قبل سنواتُ عديدة وظلتú صورتْهْ الرائعة محفورةٍ بوجداني وذاكرتي منذْ أول زيارةُ عانقتú فيها روحي وداعبت عيناي ذلك الوادي البديع الذي تتوزع في جنباته أطيب الثمار,ويحوي في طياته مزروعاتُ هامة على رأسها وفي مْقدمتها زراعة فاكهة الموز وعمب الفلفل,فضلاٍ عن بقية الحبوب التي تتميز بنكهتها الخاصة في هذا الوادي الخصيب.
كان الوقتْ مْبكراٍ حين عزمنا السفر على أجنحة الشوق من أمانة العاصمة صنعاء صوب وادي القصبة الذي لا يزال عالقاٍ في الوجدان مْنذ سنين,رغم أنهْ لم يمر على رؤيته آخر مرة أكثر من أشهر قليلة,لكنها كانت زيارة عابرة عبر المشاهدة السريعة التي سمحتú بها نوافذ الباص الذي أقلنا من الحديدة إلى صنعاء.
لكن الزيارة الحقيقية التي كانت مخصصة لهذا الوادي البديع مضى عليها أكثر من أربع سنوات بحالها,وهذا ما زاد الشوق لدينا وكادت قلوبنا تسبقنا إلى وادي سْرúدْد الذي كْنا على موعدُ والمْتعةِ الحقيقيةِ في ضفافه حين سرحنا ومرحنا في أحضان الطبيعة البكر التي خِلِتú من الملوثات الصناعية وعوادم السيارات التي ابتْليِتú بها الكثير من مناطقنا ومْدننا اليمنية.
الساعة السابعة صباحِ يومُ مْشرقُ بالفرحة,نِديُ بالشوق,مْضمخُ بالوجúد كانت بداية الرحلة الممتعة صوب وادي سْرúدْد بمنطقة خميس بني سعد التابع لمحافظة المحويت والواقع أسفل جبال حراز على مشارف وادي سهل تهامة الشهير والذي يمضي غرباٍ ليأخذ اتساعة في عمق سهل تهامة وتصب مياهْه في البحر الأحمر بعد أنú يخترق مديرية الضحي وينشر الخير الوفير على جنباته التي تنتشر فيها المزارع الكبيرة وتمثل مصدراٍ مهماٍ من مصادر انتاج الفاكهة في بلادنا.
ويْعتِبرْ وادي سْردد,من الأودية التي تظل دائمة الجريان على مدار العام.
طبيعة خلابة
* جبال حراز التي مررنا منها مرور الكرام دون التعريج على قرية الهجرة السياحية الشهيرة أحسسنا بعتبها الذي لم تكتمه إلا حين عرفتú أننا متجهون صوب وادي القصبة,وحينها فقط التمستú لنا العْذر وسمحت بالمرور على أمل أن تكون الزيارة القادمة خاصة بها وبروابيها وآثارها العريقة وطبيعتها الخلابة التي قل أن التفتِ لها المعنيون أو حاولوا استثمارها بمنشآت سياحية تْدرْ على الوطن عملةٍ صعبة وترفع من الحالة المعيشية للسكان الذي يعيش غالبهم عيش الكفاف, وبالمثل هو حال سْكان وادي القصبة ومنطقة الخسفة الذي يقع الوادي في إطارها الجغرافي,حيثْ لا يكاد يقطعْ المرءْ أمتاراٍ قليلة حتى تقابلك وجوهَ شاحبة وبشرَ يْخيلْ للمرء أنهم من زمن ما قبل التاريخ,فضلاٍ عن انتشارُ مخيفُ ومْسيء لعدد كبير من الشحاتين الذين يجلسون على كراسي مْتحركة كمْقعِدين عن الحركة.
والمؤسف أن هذا المنظر المقزز ينتشر على جنبات وادي القصبة ووادي سردد والمنطقة بأسرها,من أسفل جبال مناخة وحتى مشارف مدينة باجل,وهو لا يسمح للعديد من الزائرين والسياح الاستمتاع بتلك المناظر الخلابة التي تضمها هذه المنطقة الخصيبة.
ثمرة الدوم
* قبل وصولنا وادي سْرúدْد كْنا قد مررنا بمنطقة الخسفة وفاتحة وادي سْرúدْد المتمثلة بالقصبة وواديها الخصيبوالتي ركنا فيها السيارة على جانب الطريق فكان الأطفال هم السباقين لاستقبالنا بعلاقيات مملوءة بثمار شجرة السدر الذي يْطلقون عليها (الدِوم) وفي بعض المناطق تْسمى ( بعار) لأنها تشبه بشكلها بِعِر الأغنام, وهي ثمارَ لذيذة تلقى إقبالاٍ كبيراٍ من قبِل أصحاب المْدن الذين يعبرون المنطقة ويوقفون السيارات للشراء من الأطفال على غرار ما يفعلْهْ غيرهم في مناطق أخرى حين يبيعون منتجات مناطقهم للمارة, إلا أن هؤلاء يتميزون بعدم نصب مطبات تْجبرْ المارة على التريث والشراء كما هو حاصلَ في بلاد الروس ووعلان جنوب العاصمة حيثْ تْباعْ ثمار القرع أو( الدْبأ) أو كما يفعل مواطنو قاع جهران بذمار وأهالي وادي قاع الحقل في يريم وكتاب حيث يعرضون البطاطس ويجبرونك على الوقوف أو التريث بواسطة تلك المطبات المتتالية والمتقاربة التي تتسبب بالعديد من الحوادث كل يوم.
من أهم مميزات وادي القصبة أنهْ يقعْ في منطقةُ هامة تفصلْ بين السهل والجبل,حيث تنتهي عندهْ سلسلة جبال حراز ومناخة وتبدأ المنطقة السهلية التي يْعتبر وادي سْرúدْد البداية الفعلية لها ولكل سهل تهامة الفسيح,
حبوب متنوعة
* واصلنا رحلتنا لنتوغل كثيراٍ في أعماق وادي سْرúدْد الزاخر بالمياه التي تستهوي جميع المسافرين على طريق صنعاء-الحديدة وبموقعه الجغرافي الطبيعي البديع الذي يجعل من مْناخه مْناخاٍ معتدلاٍ طوال العام لأنهْ في موقعُ متوسط بين الجبال الشاهقة والسهل الساحلي المنبسط بين الطقس البارد والطقس الحار,فضلاٍ عن انتشار الأشجار الكثيفة التي تنتشر في بعض مناطقه وتجعلهْ يبدو للرائي أول وهلِةُ أنهْ غابةَ وليس وادياٍ,نظراٍ لارتفاع أشجار المانجو والأثل والكافور والسدر والطلح والطنب التي تعم الوادي بأكمله,وبينها تتوزعْ أشجار الموز بغزارة شديدة,حتى ليبدو أن الموز قد استحوذ على ما سواهْ من أشجار الفواكه التي تْزرِعْ في وادي سْرúدْد.
أما حقول الدْخن فتنبسط بشكلُ جمالي يوحي للمشاهد أنهْ أمام لوحة فنية مْتقنة. وليس الدخن وحده الذي يْزرعْ من الحبوب في هذا الوادي,بل توجد هناك مختلف أنواع الحبوب,لكن لمنظر الدْخن مذاقَ خاص كما هو لطعمه,خاصةٍ وقد قلت زراعتْهْ في اليمن,وأضحى الكثير من الجيل الراهن لا يعرفْ عنهْ شيئاٍ,بعد أنú قلت زراعته وعزفِ الكثيرون عن شرائه واستخدامه,بعد أنú كان لهْ حضورَ طاغُ في المائدة اليمنية.
ما يحْزْ في النفس أن وادي سْرúدْد يتميز بنهر مياهُ عظيمُ لم يْستِغل حتى الآن بالشكل الأمثلحيث لو تم بناء سد في أحد مناطقه المرتفعة لولدِ طاقة كهربائية كبيرة فضلاٍ عن أن الكثير من مياهه تذهب هدراٍ لعدم استهلاكها في المنطقة الواقعة بين الجبال أسفل مناخة فقد أخذت السيولْ الكثير من الحقول وأجزاء كبيرة من بقية الحقول دون أنú تقوم الدولة بأية خطوة لإعانة المواطنين لاسترجاع واستصلاح ما أخذته السيول.
ترويج سياحي
* أما سْكان مناطق وادي سْرúدْد المنتشرة من أسفل جبال حراز ومناخة وخميس بني سعد وحتى مديرية ملحان في المحويت ومشارف مديرية باجل والضحي في الحديدة فهم بشكل عام يعتمدون على الزراعة كمصدر دخل رئيسي,إلى جانب تربية الأغنام والماعز, والدجاج البلدي,لكن الأهم أن تربية النحل وإنتاج العسل ليس غائباٍ عن السكان البسطاء الذين يحاولون تنويع مصادر الدخل لتكفيهم وتوفر لهم العيش الكريم كونهم لا يعتمدون على الدولة في توفير أسباب المعيشة,الأمر الذي يجعلك تقف إجلالاٍ واحتراماٍ لهؤلاء الناس الذين ينحتون في المستحيل لإيجاد أسباب معيشة كريمة بعيداٍ عن الدولة وكل أجهزتها الرسمية,وهم يضربون بذلك مثالاٍ رائعاٍ لكل الكْسالى الإتكاليين الذين يريدون من الدولة أن توفر لهم كل شيء.
لقد عشنا ساعات ولحظات في أحضان وادي سْرúدْد مرتú سراعاٍ كأنها البرق,وهكذا هو الحال مع الأماكن الساحرة ذات التأثير البديع.. ودعنا وادي القصبة وفي القلب ألف سؤالُ وسؤال عن الإهمال المتعمد لهذه المنطقة التي تستحق الكثير من الترويج وتوفير البْنية التحتية للجذب السياحي,وأقلْها بناء استراحات على ضفاف الوادي يلجأْ إليها الزائرون, ومن خلالها يتمكن أبناء المنطقة من المضاربة بسلعهم وبيعها للزائرين والسياح. وبذلك نفتح نافذةٍ جديدة لسكان المنطقة من أجل تحسين معيشتهم التي لا تزالْ في غالبيتها بْدائية.
وإذا كان بالإمكان نسيان أي شيء في وادي سْرúدْد فلا يمكن أبداٍ نسيان روائح الكاذي التي ينتشر بائعوه على جانبي الطريق يعرضونه بشكلُ مْلفت يْجبرْ الزائرِ على شرائه والاستمتاع بروائحه الزكية التي يندر وجودها في الكثير من المناطق اليمنية التي تسمع عن الكاذي ولا تعرفه.