أدار الغرب ظهره نحو أردوغان وتم اتخاذ قرارات في الولايات المتحدة وأوروبا تجاه السلطات التركية لن تظهر عواقبها فورا ولكن سيكون لها الدور الحاسم في الشرق الأوسط ومناطق أخرى.
حول هذا الموضوع كتب المحلل السياسي الروسي فياتشسلاف ميخايلوف مقالة ذكر فيها أن الأوساط الأطلسية والأوروبية فقدت ثقتها في الرئيس رجب طيب أردوغان ومنظومة الحكم التي أقامها في تركيا. ولم تعد واشنطن والعواصم الأوروبية الكبرى تنظر في موضوع استعادة المستويات السابقة من الشراكة مع الحكومة التركية الحالية.
بقي أردوغان ولفترة طويلة يتلقى إشارات خفية من الغرب تدل على عدم الرغبة بالتعاون الجدي معه وفي الفترة الأخيرة باتت هذه الإشارة واضحة وصاخبة بشكل متعمد.
في يوم 22 مايو قام رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، بصب ” دوش بارد” على رأس أردوغان عندما صرح ساخرا بأن تركيا لن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي قبل عام 3000 وبعد ذلك بعدة أيام أصدر البرلمان الألماني قراره بالاعتراف بالمذابح الجماعية التي تعرض لها الأرمن في الدولة العثمانية. كل ذلك جاء بعد أن قام أردوغان بإبعاد احمد داود أوغلو عن السلطة.
ولكن أردوغان لم يأخذ العبرة من ذلك وفضل الرد بطريقته المعتادة المفعمة بالاستفزاز.
في يوم 29 مايو أقامت تركيا احتفالات ضخمة بمناسبة سقوط الإمبراطورية البيزنطية المسيحية، وقتل آخر إمبراطور فيها قسطنطين الحادي عشر، والاستيلاء على القسطنطينية وتحويل كاتدرائية القديسة صوفيا الأرثوذكسية الى مسجد.
هذه الاحداث جرت قبل 563 أي أنه لا يوجد أي يوبيل يدعو للاحتفال المذكور ولكن الرئيس التركي أراد ذريعة لكي يظهر للغرب استقلاليته. وقال مهددا أوروبا:” لن يتمكن أحد من تخريب بلادنا بعد فتح اسطنبول”.
وتجدر الاشارة الى أن صحيفة “الغارديان” البريطانية كانت قد نشرت في 23 مايو مقالة بقلم الرئيس التركي كتبها قبيل افتتاح أول قمة إنسانية عالمية في اسطنبول. وفيها طالب اردوغان المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته ومساعدة تركيا في تحمل نفقات إعالة اللاجئين. وألقى أردوغان في مقالته درسا على الأوروبيين وطالبهم بالتعاون بشكل فعال اكثر مع تركيا في الشرق الاوسط.
بعد هذه المواعظ وبعد الاحتفالات الاستعراضية في اسطنبول لم يعد أمام الأوروبيين من مفر إلا زيادة الضغط على ” العثماني المتعجرف”.
بعد قرار البرلمان الألماني، جن جنون أردوغان الذي طالب نواب البرلمان المذكور من الأصول التركية ” تحليل دمائهم” للتحقق من انتمائهم التركي فعلا. هذا التصرف ليس فقط صدم الأوروبيين بل ذكرهم بأيام ألمانيا النازية، ومرة أخرى أقنعهم بأن “الفوهرر التركي” الحالي تمادى إلى حد لا يمكن بتاتا قبوله.
واختار الغرب طريق المواجهة مع الرئيس التركي الذي فقد الشعور بالواقع. ويدل على ذلك تصرف بريطانيا التي كانت تعتبر المدافع التقليدي عن تطلعات الحكام الأتراك عندما تتطابق مع مصالح المملكة المتحدة.
طبعا يسعى الغرب للمحافظة على تركيا داخل الناتو ولكن بدون حاكمها الحالي. ويجري التلميح إلى أن عملية انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي ستنال دفعة جديدة في حال تنحى ورحل أردوغان.
ولكن من هو الخلف الذي يمكن أن يرضي الغرب. قبل إزاحة احمد داود أوغلو كان الغرب يأمل بأنه الخلف المطلوب. ولكن أردوغان حطم هذا الحلم والآن بدأ الغرب يراهن على الحزب الجمهوري الشعبي المعارض الذي سينتشر جمهوره في مناطق غرب وجنوب غرب تركيا التي عادة ينحو سكانها بشكل تقليدي نحو أوروبا وهي مناطق متطورة صناعيا وفي مجال الخدمات وتعتمد على قطاع السياحة الذي يعاني حاليا من صعوبات جمة.
والحديث حول ان انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، لن يتم قبل عام 3000 يعتبر بمثابة المحرض الاستفزازي بالنسبة للجزء الليبرالي من المجتمع التركي وهو يهدف للدفع في تغيير الآراء السياسية بتركيا .
طبعا وضع الحزب الجمهوري الشعبي في البرلمان والشارع التركي يبدو ضعيفا حاليا ولكنه قد يتغير في حال توفرت الخلفية الخارجية المناسبة وفي حال ظهرت مقدمات داخلية لنمو شعبيته.
ومن نافل القول أن الامتعاض يزداد في الجيش وخاصة في قياداته تجاه الحزب الحاكم في تركيا وتجاه أردوغان الذي حاول تطهير القيادات العليا العسكرية من المعارضين له وتطلعاته الإسلامية، ولكن بين الضباط من الصف المتدني والمتوسط هناك مزاج معاد للإسلاميين يزداد حدة مع تفاقم الوضع في سوريا وفي القتال مع الأكراد. ولكن الغرب على الأغلب لا ينظر إلى الانقلاب العسكري في تركيا كحل محتمل لمشكلة أردوغان بل يركز الاهتمام على تقوية الحزب الجمهوري مع محاولة تعزيز علاقاته مع الأحزاب الموالية للأكراد وبشكل يسمح بتشكيل تحالف يمكنه التصدي للتحالف غير المعلن بين حزب التنمية والعدالة الحاكم والحركات القومية التركية المتشددة.
Next Post