عن الكلاب.. وكلب بن الجهم.. وعيون المها؟
فؤاد عبدالقادر
إقتناء الكلاب والقطط.. لم تعد مجرد عادة ضرورية للأوروبي، على اعتبار أن الكلاب أليفة، والقطط ظريفة لا يزعجان أحد، والكلاب والقطط تباع هناك في متاجر متخصصة لبيع الكلاب (أولاد الكلب)، وتتعامل بحسب الطلب، وبأسعار مرتفعة، لا يقدر عليها إلا المتريشين بالبلدي أصحاب الزلط، والكلاب بالنسبة لهم عادة اجتماعية محببة، وهي أكثر أماناً وإخلاصاً، والكلب الأوروبي أكثر دلالاً، وذو تربية خاصة، يتم الاهتمام بها بالأكل والشرب والسكن والتطبيب، ولا يتعرض للإهمال.
لاحظوا أنا أتحدث هنا عن الكلاب الأوروبية، وليست الكلاب العربية، وهناك فرق، الأوروبية رأيناها في القصور والفلل وفي السيارات الفارهة، رغم حسدنا للكلاب التي أورثها أصحابها الملايين والخدم والحشم.
بينما الكلب العربي يا عيني عليه.. في الشارع يبحث عن قوته الضروري في الزبالة، وعندما يجوع أكثر ينزل نهشاً في الناس، أو مطارداً من قبل البلدية، وتطلق عليه الرصاص.
الكلب الأوروبي يتبهذل في حالة واحدة عندما يأتي إلى الوطن العربي.. صحيح أصبحت الكلاب المدللة عربية أو يمنية، فقد عشنا ورأينا يمنيين وعرب يقتنون الكلاب الأوروبية ويعتنون بها حسب التساهيل، ومع أول مشكلة يواجهونها خصوصاً إذا سار صاحب الكلب إلى الخارج هيل هب يجد الكلب نفسه في الشارع لا معين ولا شيء.
كان العرب القدامى يهتمون بالكلاب ويعرفون قدرها، ويعطون حقها، هذا الشاعر البدوي علي بن الجهم أمام أحد الخلفاء المسلمين مادحاً له فيقول:
أنت كالكلب وفياً
وكالتيس في قرع الخطوبي
فتعلوا الأصوات غاضبة، كيف يصف الخليفة بالكلب والتيس، فيسكتهم الخليفة، وكان أديباً أريباً له باع في الشعر والأدب، قال لهم الخليفة: الشاعر لم يذمني، لكنه مدحني حسب بيئته وثقافته.
الرجل الشاعر بدوياً يعيش في الصحراء يملك جملاً أو ناقة، ويملك تيساً وكلباً لحراسته، والكلب بطبعه الوفاء، ثم طلب من الشاعر أن يبقى في ضيافته، وطلب من الحاشية أن تعد للشاعر مضافة رائعة من سكن وحشم وخدم، وكل ما تطلبه الضيافة، وبعد شهرين طلب الشاعر بن الجهم، وطلب منه أن يلقي قصيدة، فأنشد علي بن الجهم:
عيون المها ما بين الرصافة والجسري
جلبن الهوى من حيث لا أدري ولا أدري
إلى آخر القصيدة العصماء.
فقال الخليفة لخلفائه: ألم أقل لكم أن الشاعر ابن بيئته من الصحراء.. أنت كالكلب وفياً.. إلى تبديل البيئة، فكانت عيون المها ما بين الرصافة والجسري، وللكلاب والقطط.. والإنسان مواقف لا تحصى.