ن .. والقلم ..الحمًادي
عبد الرحمن بجاش
بدا المكان في تلك اللحظة من ذلك العام بعيدا , وإن بدا أيضا أن الطبقة الوسطى أو قل فئة المثقفين اجتمعوا في مكان واحد بدا أيضا أنه نواة لتجمعات متميزة أن جاز التعبير .
الكفاآت المهنية بمختلف إشكالها وضروبها قررت أن تختار المكان ليكون نواة أيضا لتخطيط مدن حضريه حقيقية , لم لا… قال المؤسسون لتلك الجمعية التي كان بنك الإسكان النموذج الذي خبا سريعا بفعل سوء الإدارة اللاحقة , وكان بدا ناجحا أبان إدارة الأستاذ احمد جابر عفيف فأنجز المدينة السكنية الأولى , والتي ظهرت بتخطيطها أنموذجا تحدث عنه الناس , وخربوه بأيديهم فيما بعد إثباتا لغياب الدولة , ولفشل من أدار البلاد بعقلية لا تمت للعلم بصله .
كانت المدينة السكنية حدة فرصة عظمى لترسيخ مبدأ التخطيط القائم على العلم , لكن العشوائية عممت عليها وهي عنوان مرحلة كبيرة تبارى فيها من كنا ننظر إليهم على أنهم مثقفون فإذا بهم يطلقون عليها دولة الإعجاز والانجاز, والدولة اليمنية الحديثة فتبين أن الأمر كله مجرد سراب , وهم مجرد خدام سلطة , فخدعوا أنفسهم راضين بما استفادوه من جاه وسلطة , وخدعوا البسطاء !!! .
يظل المكان أحد الأبطال إن لم يكن البطل الأول في الترتيب قبل البطل الآخر الزمان , وان ظل الإنسان بطل الإبطال , ما هو المرمى والمقصد , يظل المكان بطل الرواية الأكبر الحياة , ولذلك ترى الناس في بلاد الله على قولة عمي صالح يحافظون عليه في مآقي عيونهم , فالمتاحف , والشوارع , والمباني , والمقاهي , وطرق مر عليها من خُلدوا في التاريخ , مقصدا ومهوى للباحثين عن الحقيقة , من يكتبون تاريخ الإنسان , ومن يتتبعون أثر أي نشاط إنساني مخلد , هو تاريخ الإنسان بلا شك محل اهتمام في حدوده القصوى .
عندما تدخل مقهى نجيب محفوظ في قاهرة المعز , فترى أولاد حارتنا على الواجهة, والكرنك , وقصر الشوق وفي الثاني , وفي كل تفاصيل المكان أنصت فتسمع قهقة محفوظ تأتي من رأس البر حيث كان يكتب في لحظة إلهام قصصه ورواياته .
الحمادي في هذا السياق قصة أخرى أصيله , وهو احد المعجونين بتراب الأرض , يعرف أين يغوص بحثا عن الرزق , بشرف وكرامه , ما إن سكن الناس منازلهم وبدت المدينة بحلتها القشيبة بشرا وتخطيطا وأملا بغد آخر , حتى أسس الحمادي بقالتة (( بقالة الحمادي )) بعنوانها الأبرز (( طه )) , وسنة بعد أخرى يتحول الحمادي إلى حكاية المدينة فتصير بقالته بأمانته وحسن تعامل طه ومن بجانبه مهوى النساء اللائي رأين فيه رجلا يؤتمن على جودة البضاعة التي يأتي بها من تجار الجملة , ويصير أخا لكل بيت بحسن معاملته, دفتره امتلأ عن آخره ديونا , لا يتردد أن يمنحها ميزة لزبائنه .
ظلت بقاله الحمادي علامة المكان , بل البطل الذي تتحدث عنه روايات كثيرة , وفجأة ينتهي كل شيء , كما هي أشياء كثيرة تندثر في هذه البلاد , ونعود معها إلى الخلف , بالأمس فقط عرفت أن البقالة أغلقت أبوابها , ومع إغلاق آخر فتحة تذهب مرحلة مهمة من أعمارنا سدى كما هي العادة وبالتأكيد لن يلفت الأمر انتباه أحد لأن الأغلب الأعم لا يدرك أن شخصية أي مدينة تتشكل من تفاصيل المكان الذي يكون حكاية في حياة الناس !!!, كم هو الوجع يعتصر المكان ويعصر مشاعري , وأنا صديق المكان . لله الأمر من قبل ومن بعد .