الدكتور/طه المتوكل
واجبنا في رمضان أن نستقبله بالقرآن.. نسمع اليوم استقبال رمضان، نسمع الكبار والصغار والنساء، نستقبل رمضان بالموائد، بموائد الطعام يا نفس ما تشتهي, يا نفس ما تشتي؟ ونقول هكذا, ونرددها جميعاً –نرددها جميعاً- لم أسمع أحد يقول: نفسي تشتهي الجنة -تشتهي الجنة- موائد الدنيا ما موائد الدنيا ما مطاعم الدنيا ما مشارب الدنيا بجوار الجنة؟!!.
هلا حدثنا أبناءنا وصغارنا ونساءنا عن الجنة, يوم تفتح باب الجنة يفتحها النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ويقول خازن الجنة: من؟ فيقول: محمد. فيقول: خازن الجنة أمرت أن لا أفتح إلا لك. فيدخل النبي وأول زمرة تدخل الجنة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجوههم كأنها الأقمار ليلة التمام.
هلا حدثنا أنفسنا بالجنة هلا اشتاق واحد منا بأننا نشتهي الجنة، الجنة التي أهلها لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون.. حصاؤها اللؤلؤ, لبنة من فضة، ولبنة من ذهب، وبلاطها المسك، هلا حدث واحد منا نفسه: رمضان آتٍ نريد الجنة, جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، إن الراكب يسير في ظل الشجرة ألف عام لا يقطع ظلها، هلا حدث أحدنا بالجنة, الجنة التي فيها الحور العين, الحور العين التي إذا دخلت خدرها أضاء منه بيتها, وإن الرجل لينظر إلى الحورية, الحور العين، فإنه ليذهل عن نعيم الجنة بأكملها.
لو أن حورية أطلت بيدها إلى الدنيا لأضاءت الدنيا بلا شمس ولا قمر، (إنا أنشأناهن إنشاءً فجعلناهن أبكاراً عرباً أتراباً لأصحاب اليمين)، (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون).
هلا حدث منا واحد نفسه رمضان آت وأنا اشتهي الجنة, جنة ربي التي أعدها للمؤمنين، هذه الجنة التي يقول الله عز وجل للمؤمنين: “يا أهل الجنة اليوم يوم المزيد ما تريدون -أنعم الله عليهم بالمنعمات كما تفضل الله عليهم بأنواع الملذات- ما تريدون اليوم يوم المزيد، فيقول أهل الجنة: نريد رضاك يا ربنا, نريد الرضا”. هلا حدث واحد منا نفسه بذلك، هلا قلنا لأنفسنا: نريد أن نستقبل رمضان بأن ندخل الجنة.
جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: “يا محمد من أدرك رمضان فلم يغفر له أبعده الله –طرده الله غضب عليه- من جاء رمضان فلم يغفر له أبعده الله، قل آمين، قال النبي: فقلت آمين”.
هلا تصورنا هذا هلا استعدينا لرمضان بذكر وقراءة وتسبيح وعبادة.
رمضان شهر قراءة القرآن, القرآن الذي تركناه وجعلنا نحتفل به احتفالاً, في الاحتفالات نقرأه وعلى الرفوف نضعه.
القرآن الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “مثل الذي يقرأ القرآن ويعمل به –يقرأ القرآن ويعلم به- كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل الذي لا يقرأ القرآن ولا يعمل به كمثل الحنظلة لا ريح لها ولا طعم, ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن لكن لا يعمل به كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر”.
القرآن الذي ما علمنا أبناءنا تعاليمه، لو قرأنا سورة الفاتحة -المثاني العظيمة- التي قال فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “أنزلت علي سورة ما أنزل مثلها في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في أحد من الكتب آيات مثلها, هي الشافية, هي الكافية, هي الفارقة”. هلا علمنا أبناءنا أن يكثروا من قراءة الفاتحة، أن يلزم الإنسان نفسه بكثرة قراءة القرآن، أن يلزم الإنسان نفسه في رمضان بكثرة الذكر لله رب العالمين..
جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بيته مسرعا إلى داخل المسجد فوجد أناساً في المسجد فقال النبي: “الله ما اجتمعتم إلا من اجله؟ فقالوا: والله يا رسول الله ما اجتمعنا إلا لنذكر الله، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما سألتكم تهمة لكم ولكن جاءني جبريل الساعة فأخبرني: جماعة في المسجد يباهي الله بهم الملائكة في السماء”، هؤلاء اجتمعوا يذكرون الباري سبحانه وتعالى، ولذلك يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: “يا بن آدم خلقتك للعبادة فلا تلعب, وقسمت لك رزقك فلا تتعب، فإن رضيت بما قسمت لك أرحت عقلك وبدنك وجسمك وكنت عندي مرضيا، وإذا لم ترض بما قسمت لك أتعبت جسمك وبدنك وعقلك وكنت عندي مذموما”.
لابد أن يكثر الإنسان في رمضان من ذكر الباري سبحانه وتعالى ويكثر من الطاعات ويكثر من التسابيح ويجتمع وأهل بيته يذكرون الله ويسبحون الله ويقومون من اجل الله سبحانه وتعالى. رمضان شهر الذكر شهر قراءة القرآن شهر التسابيح شهر العبادة شهر القرآن، لا شهر المسلسلات والأفلام لا شهر للفضائيات والقنوات لا شهر مضغ القات في القيل والقال.
رمضان أيضا كان شهرا للجهاد في سبيل الله رب العالمين، عندما نسمع وإياكم الأخبار عما يحدث لإخواننا في فلسطين مما يتقطع له الدم والقلب والمآسي من مذابح كل يوم ومن جرائم كل يوم ومن دماء تسيل والناس والمسلمون صامتون ما تحركوا.
القدس وأرض الأقصى هي أرض الإسلام, الأرض العظيمة التي بني فيها المسجد الأقصى أول بيت وضع للناس هو البيت الحرام ثم بني الأقصى بعده كما قيل بأربعين عاماً، ثم بعد ذلك بناه داوود فجاء داوود إلى رجل كانت الأرض أرضه، فقال داوود عليه السلام: هلا تبيعني هذه الأرض ابني فيها لله بيتاً, أمرني الله أن ابني فيه؟ فقال: لا أبيعه إلا بثمنه. فقال داوود: كم تريد ثمنا له؟ قال: أن تملأ الأرض غنماً, فتكون قيمته, فقال داوود: هلا اشتهيت أن أملأ لك الأرض بقراً أو خيلاً أو أعظم من ذلك لو سألتني ملك آل داوود لأعطيتك؟. فبناه داوود عليه السلام.
أرض القدس ليست خاصة بأهل فلسطين، إنما هي قضية المسلمين بأجمعهم.
جاء اليهود إلى السلطان عبدالحميد فقالوا له: نريد أن تبيع منا بعض ارض فلسطين؟ فقال السلطان عبدالحميد: إن ارض فلسطين ارض وقف, ارض وقف تخص المسلمين بأكملهم وليست خاصة بأهل فلسطين وحدهم، واليوم في تلك الأرض المذابح والمجازر والنساء التي تنتهك أعراضهن، والمسلمون ساكتون صامتون لا يتحركون!! لأن زعماءهم صامتون ساكتون وخونة باعوا أرضهم، وباعوا شرفهم وكرامة أمتهم.. لكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً. ولا بد أن يأتي الزمان فيتغير الحال, ويقوم المسلمون فيغيروا هذا الحال الدنيء لكن بإرادة الله تعالى وعلمه.
إذا جاء رمضان فأكثروا من الدعاء لإخوانكم بأن ينصرهم الله ويعز أرضهم وينصر بلادهم.
ثم بعد ذلك كل ليلة ينوي الإنسان صيام اليوم الذي يليه، عندما يضع الطعام في فمه ويقول: “اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت اغفر لي ما قدمت وما أخرت نويت أن أصوم يوم غد إن شاء الله” هكذا الإنسان يجدد نيته كل يوم. إذا رأيتم هلال رمضان فقولوا: “اللهم أهلَّه علينا بالأمن والأمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله”.. أسأل الله أن يجعله شهرا كريما علينا أجمعين.