الوحدة اليمنية.. بين العواصف الداخلية والتآمر الخارجي
حسن الوريث
مما لا شك فيه أن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في الثاني والعشرين من مايو 90م يعد أبرز حدث في تاريخ اليمن الحديث المعاصر وكأي حدث عظيم فقد تعرضت الوحدة لتآمر خارجي كبير سيما من تلك الدول التي لم تكن تتمنى أن ترى اليمن واحداً موحداً أرضاً وإنساناً وكان لهذا التآمر دورا كبير في تهديد مسار الوحدة اليمنية لأكثر من مرة فمنذ ذلك الموقف الذي تعرضت له بطرد أكثر من مليوني مواطن يمني من دول الخليج مروراً بحرب صيف 94م والذي كانت الأيادي الخارجية فيها واضحة جلية وصولاً إلى كافة الأحداث التي شهدتها اليمن بمفاعيل خارجية لمحاولة القضاء على الوحدة ومنها ما يجري حالياً من تشجيع ودعم لجماعات مختلفة سواء كانت الجماعات الإرهابية أو غيرها والهدف الأول والأخير هو إنهاء الوحدة اليمنية وتفكيك اليمن وإعادته إلى عصر الدويلات.
بالطبع فكل ما يجري داخلياً له ارتباط بتلك المؤامرات والتآمرات الخارجية سواء تلك الإقليمية أو الدولية فعلى المستوى الإقليمي تسعى دول الخليج وفي مقدمتها السعودية إلى جعل اليمن دويلات هزيلة مفككة متصارعة كي يسهل السيطرة عليها وذلك من خلال توزيع الجنوب على جماعات مختلفة فيما بينها سواء قبلياً أو مناطقياً أو حتى تلك الجماعات الإرهابية ودعمها لتظل تتصارع فيما بينها على النفوذ وبالتالي تتمكن تلك الدول من تحقيق مراميها وأهدافها في اليمن الضعيف المفكك المنقسم والأهم من ذلك لكه فقد سعت تلك الدول إلى خلق حالة من العداء والكراهية بين أبناء اليمن الواحد وقامت بتغذية لهجة الجنوب العربي الحر والشمال المحتل وغير ذلك من الأمور التي نراها جميعاً ونلمسها بشكل كبير أما على المستوى الدولي فالدول الكبرى وخاصة أمريكا لا تريد يمناً موحداً على اعتبار ان ذلك وفقاً لمنطقها يهدد مصالحها في المنطقة فهي تريد أن يظل الصراع موجوداً حتى تكون هناك ذريعة لبقائها في المنطقة بكل أساطيلها الحربية وما دخول القوات الأمريكية إلى عدد من المناطق في المحافظات الجنوبية إلا تنفيذ لذلك المخطط الذي تسعى إليه من إبقاء اليمن مفككاً نهباً للصراعات ومرتعاً للجماعات الإرهابية .
بالتأكيد فقد مرت الوحدة اليمنية بمنعطفات خطيرة منذ قيامها لكنها لا يمكن لا ترقى إلى مستوى الخطورة التي تمر بها اليوم حيث أصبح التشطير والتجزئة هدفا لبعض القوى السياسية دون أن تعي أنها ترتكب جريمة بحق التاريخ اليمني الحديث والمعاصر كما أن انجرارها وراء تلك المخططات التي تحدثنا عنها دون وعي منها يقودنا إلى ضرورة التنبيه لمثل تلك المخططات الرامية الى تفتيت البلاد وليس العودة إلى ما قبل 22 مايو 90م فقط بل فإننا سنعود إلى عصر الدويلات اليمنية وهذا هو ما يراد لنا حتى لا يأتي اليوم الذي نعض فيه أصابع الندم على وضع كان يمثل لنا فرصة ذهبية لبناء دولة يمنية قوية لا تخضع لأي وصاية سواء من الدول الإقليمية أو غيرها .
اعتقد أن هذه المدة من تاريخ الوحدة اليمنية يفترض أن تكون قد تجذرت في النفوس كفعل إيجابي وقيمة إنسانية وحضارية ونقطة ناصعة البياض في تاريخنا اليمني لكننا نرى ونسمع الكثير من الذين اندفعوا بدون وعي منهم إلى ما يمكن أن يؤثر على هذا المنجز العظيم بل ويقضي عليه تماماً ونكون قد حققنا أهداف أعداء اليمن الذي سعوا بكل قوة بل وبذلوا الأموال الطائلة لإبقائنا مقسمين مشتتين ومفككين مختلفين وبالتأكيد فهناك البعض ممن انساق وراء تلك المخططات ونصب نفسه قاضياً يحاكم منجز الوحدة بدلاً من أن يدعو إلى تصحيح مسارها وهذا هو المطلوب حتى تبقى الوحدة على اعتبار أن الخطأ ليس في الوحدة بل فيما يرتكبه البشر في تفسيرهم ونظرتهم للأمور وتوقعاتهم للأشياء واحتمالاتهم فيما يجب أن يكون أو لا يكون واجتهاداتهم الشخصية في حل كثير من القضايا والمعضلات أما الوحدة فلا يجب أن تمس هامتها ولا يخدش كبرياؤها وان يتم الحديث عنها بكل ما هو ايجابي وجميل.
ختاماً يمكنني القول أنه لا مبرر لدى دعاة الانفصال لمحاكمة الوحدة كفعل إنساني سامي سوى نزعات أنانية ضيقة ومصالح شخصية وارتهان لقوى خارجية أعمت بصرهم وبصيرتهم لتمتد الإساءة لوحدة الوطن التي فاخرنا بتحقيقها العالم كله واليوم والوحدة اليمنية يقرب عمرها من ربع قرن من السنين يجب أن نقف منها موقفا يتسم بالمهابة والاحترام لهذا المنجز العملاق الذي لم يأت بمحض الصدفة وإنما كان حصيلة لنضال طويل وشاق خاضت كوكبة لامعة من أبناء الوطن وسعت إليه بكل غال ونفيس وآمنت إيمانا حقيقيا مستقبلا مشرقا للوطن وأبنائه مرهون بتحقيق هذا المنجز العظيم الذي فتح آفاقاً رحبة أمام طموحات وأحلام أبناء اليمن ولا يجب أن نحقق لأعداء اليمن رغباتهم في القضاء على الوحدة اليمنية .