شكراً صنعاء
ضرار الطيب
لم نكن بحاجة إلى حرب بهذا الحجم ، لنعرف أن صنعاء هي المدينة اليمنية الأجدر بوصف “العاصمة” . ولكن الحرب حدثت على أية حال ، ومن لم يكن يعرف صنعاء من قبل ، صار بوسعه الآن الاعتراف بأن صنعاء كانت الجبل الذي عصم الكثير من اليمنيين من طوفان العنف والكراهية .
تتحدث عن صنعاء ، فيخيل لسامعك أنها كانت بمنأى عن هذه الحرب ، والحقيقة أن هذه المدينة المزدحمة نالت نصيباً دسماً من الدمار والقصف ، ويكفي أن يمر أمام عينيك اسم “عطان” أو “نقم” أو “النهدين” لتعود إلى ذاكرتك أكبر أنواع الانفجارات التي شاهدتها في حياتك .
صنعاء لم تكن مختبئة طيلة هذه الحرب ، ومع ذلك كانت هي المخبأ الأكثر أماناً مما هو أسوأ من الحرب .. الكراهية.
اذا كنت في صنعاء ، فليس عليك أن تنتظر لوقت طويل حتى تجد شخصاً “جنوبياً” فرّ من بلاده لأنه فقد مأواه ، وعمله .. أو على الأرجح ،اضطر لترك كل ذلك خوفاً على نفسه من أبناء بلدته الذين كانوا على وشك ذبحه أو زجه في السجن لأنه يحمل أفكاراً لا تروق لهم بخصوص الحرب. ومع ذلك فلفظة “الجنوبي” في صنعاء لا تعني سوى ذلك الضيف الآتي من جزء من اليمن ، ولا يهم وجهة نظره ، اسم منطقته .. أو لقبه.
كل ما عليك في صنعاء هو ان تنتظر انتهاء المطر ، ليمكنك المرور في أحد شوارع صنعاء ، وخلال دقائق ستكون قد التقيت بشخص على الأقل من كل محافظة يمنية ، وإذا كنت ستلتقي بأكثر من شخص من محافظة واحدة ، فبالتأكيد سيكونون من أبناء تعز ، وذلك لأن الحرب في تعز وفرت الكثير من الأسباب للرحيل منها ، فمن لم يرحل بسبب تدمير منزله ، رحل فاراً من التصفيات العرقية ، ومن لم يغادر بسبب نهب كل ما يملك ، غادر لكي يستطيع العيش بقليل من الأمان.
كان الكثير يراهنون على اهتزاز صنعاء من الداخل كمدينة تستسلم للأقوى ، اعتماداً على قرائن تاريخية تم استخدامها في غير محلها، وعلى أية حال .. لقد كان الأقوى هو انتماء صنعاء لكل اليمن ، وانتماء كل اليمنيين إليها.
صنعاء المدينة المعروفة بمجتمعها “المسلح” تستقبل اليوم أعداداً هائلة من النازحين في كل مكان بدون أي مشاكل ، بينما تقبع المدن التي كانت مشهورة بالمدنية ، تحت سيطرة مزيج من التنظيمات الإرهابية ويفر منها سكانها خوفاً على كل شيء ، ابتداءً من الفكرة ، وانتهاء بالرأس.
هذه هي صنعاء ، لا يمكنك أن تعرفها جيداً بالبحث بين كتابات المتنبئين بسقوطها ، ولكنك ستعرف كل شيء عندما يطردك ابناء بلدتك وتستقبلك هي ، رامية بكل اعتبارات العرق ، واللقب ، والمنطقة .. عرض سورها الطيني القديم .