حكايات الموت والصمود

> منازل تعز..وقصف طائرات العدوان
> محامون: استمرار قصف منازل المدنيين يستدعي اهتمام المجتمع الدولي ومنظماته الإنسانية والحقوقية
> عائلات أبيدت.. والبعض اجبر على النزوح إلى أرياف لاتتوفر بها سبل العيش
> أهالي الريف يتضامنون بفتح بيوتهم لمن دمر العدوان منازلهم
> ناشطون: عشرات المنازل في تعز تعرضت لغارات العدوان بشكل متعمد

إعداد/ إدارة التحقيقات
قديما وحديثا يردد اليمنيون المثل الشعبي القائل ” مخرب غلب ألف بناء” في إشارة إلى قدرة المخربين على تدمير ما أنجزه الإنسان خلال فترات طويلة وبجهود كبيرة في اقصر وقت ممكن وبأقل التكاليف..
ذات المثل ينطبق تماما على التدمير اليومي الذي يمارسه العدوان السعودي تجاه منجزات الإنسان اليمني سواء العامة منها أو الخاصة..
وما نتناوله من تعز في مساحة هذا الاستطلاع لا يمثل سوى جزء بسيط من مخلفات العدوان التدميرية لكن تلك الجزئية تمثل أهمية كبيرة بالنظر إلى أهميتها لدى الإنسان اليمني..
والحديث هنا عن استهداف طائرات العدوان لمنازل المواطنين والتي تمثل بالنسبة للكثيرين كل ما يملكون من ماديات الحياة..وآثار تلك الأفعال الإجرامية على حياة الناس اجتماعيا ونفسيا وطبيعة حياتهم المستقبلية على الأقل خلال المدى القريب والمتوسط..نتابع التفاصيل:
في حي الجحملية بمدينة تعز يقطن المواطن عبدالله محمد الصبري في منزله المكون من خمسة طوابق والذي ورثه عن والده الذي كان قد بناه قبل أكثر من عشرين عاما بعرق جبينه فهو لم يكن حينها سوى رجل فقير يعمل بيديه آنذاك..
ورغم ضخامة الإرث الذي حصل عليه عبدالله من والده صوريا إلا أن الواقع لا يبدو كذلك فالمنزل ليس له وحده فهو ليس وحيد أبويه فهناك أربعة من الذكور وثلاث من الإناث إخوة له وهذا يعني أن نصيب الواحد منهم شقة واحدة لا غير وبهذا تكون هذه الشقة هي كل ما يملك عبدالله من الدنيا خصوصا وأنه لايمتلك مرتبا يمكنه من العيش بشكل آمن إذ كان يعتمد فقط على ما جادت به يديه فهو يعمل في قطاع الأعمال الحرة أو بالأحرى عامل بسيط متنقل بين المهنة والأخرى..
الحالة المعيشية الصعبة تلك التي يعيشها عبدالله لم تشفع له عند طائرات التحالف لتبقي على آماله البسيطة في العيش الكريم فقبل حوالي شهر من الآن كان الرجل على موعد مع أسوأ أيام عمره – كما يقول- حيث قامت طائرات العدوان السعودي بتنفيذ ثلاث غارات جوية على عمارة الأسرة استهدفت الغارة الأولى الدور الأخير إلا أن المنزل لم يسقط بكامله الأمر الذي جعل العدوان يعاود القصف مرة أخرى بعيد لحظات من الغارة الأولى ، وبعد الغارة الثانية تبقى من المنزل الدور الأول غير أنهم لم يتركوه فعاودوا قصفه بغارة ثالثة في اليوم التالي..
الصبري يحمد الله تعالى على ما ابتلاه به من عظيم الكرب – حسب قوله- ويحمده أيضا على إلهامه النزوح من المنزل قبل القصف بيومين فقط وبهذا يكون الرجل قد ضمن سلامة أفراد أسرته وهذا هو الأهم..
ما يؤسف حقاً أن عبدالله وأسرته لا يملكون منزلاً في ريف تعز كما هو حال بعض سكان المدينة لذا كان أمر نزوحه أكثر معاناة من غيره غير أن أهل الخير لا يغيبون عن عالمنا فقد استقبله أحد أصدقائه وأعطاه جزءاً من منزله الكائن في مديرية صبر الموادم ويقوم بمواساته بما يحتاجه من أساسيات الحياة.
قصف لأحلام البسطاء
لم تقف معاناة استهداف منازل المواطنين عند عبدالله فهناك العشرات ممن عاشوا ذات الألم وتجرعوا المرارة من نفس الكأس.. محمد عبدالباري دحان مواطن آخر من محافظة تعز يقطن في منطقة ثعبات- التي تعتبر مسرحا لغارات العدوان السعودي ومنطقة اشتباكات مستمرة – تعرض منزله المكون من طابقين لغارة من طائرات العدوان مما أدى إلى تدميره بشكل شبه كامل..
يتحدث دحان عن الحادثة ومدى تأثر حياته بهذا العمل فيقول ” قبل 35 عاماً كنت قد قررت العمل خارج القرية التي تقع داخل إطار مديرية المسراخ وكان العمل غير محدد فكنت اعمل كبناء وأحياناً كنجار وأحيانا أمارس أعمالاً بسيطة وبعد سنوات من العمل المتعب اشتريت قطعة أرض بسيطة في ثعبات وبعد ذلك بفترة بدأت بناء منزل للأسرة واستغرق البناء أكثر من 15 عاماً وانتهيت من بناء الطابقين قبل سنوات قليلة ورغم سعادتي بتأمين سكن لأنبائي الذين يبلغ عددهم سبعة أفراد خمسة منهم ذكور أكبرهم يدرس في الجامعة إلا أن العدوان لم يبق لي هذا الإنجاز الذي أنجزته طوال سنين عمري إذ قام بتدمير منزلي تماما بعد أن نفذ غارة جوية عليه قبل أسابيع.
ويواصل دحان الحديث عن مأساته لكن هذه المرة عن الحالة المعيشية التي يعيشها هو وأفراد أسرته بعد نزوحه من المنزل إلى قريته التي تركها وراء ظهره قبل عشرات الأعوام ورغم انه وجد هناك في قريته الأمن من الغارات اليومية التي يروح ضحاياها بالعشرات من المدنيين إلا انه يجد صعوبة كبيرة في إيجاد مصدر دخل للأسرة الأمر الذي انعكس سلبا على مستوى الحياة عند أسرته التي تعاني من شح في أساسيات الحياة كالمواد الغذائية وغيرها.
المنازل العشوائية
بجوار منزل دحان يقع منزلا مبنيا بشكل عشوائي يعود ملكه للمواطن فيصل المقبلي البالغ من العمر ثلاثة وستين عاما ورب أسرة مكونة من ستة أفراد ويعيش على راتب متقاعد من الدولة لا يتعدى 30 ألف ريال يضمه إلى جانب راتب ابنه الأكبر الذي يعمل كجندي في وزارة الداخلية..
وبالرغم أن منزل المقبلي لم يكن هدفا لغاراتهم بشكل مباشر إلا أنه لم يسلم من أضرار تلك الغارات بل انه اخذ نصيب الأسد من الأضرار فإذا كان الكثير ممن استهدفت منازلهم بغارات العدوان قد خسروا منازلهم إلا أنهم على الأقل قد نجوا بجلودهم بعد أن نزحوا إلى أماكن آمنة قبل القصف أمّا فيصل فلم يسلم منزله ولا أسرته فعندما استهدف الطيران منزل جاره دحان أحدث الصاروخ هزة قوية في محيطه وسقط على إثرها أجزاء من المنزل الذي كان يكتظ بأفراد العائلة مما أدى إلى إصابة زوجته في أكثر من مكان في جسدها كما أصيب اثنين من الأبناء بجروح في أقدامهم ورؤوسهم.
وبحسب إفادة فيصل المقبلي فإنه حتى اللحظة لم يتعاف أحد أبنائه نظراً لخطورة الإصابة..ويضيف: ما من يوم إلا ووضعه الصحي يزداد سوءا خصوصاً وأن الحالة المادية صعبة للغاية ولا نملك ما يمكننا من علاجه في الخارج أو على الأقل في مستشفيات محترمة في الداخل.
ختاما…
ناشطون وحقوقيون ومحامون سخروا وقتهم منذ بدء العدوان على اليمن لرصد حالات استهداف الطيران لمنازل المواطنين أكدوا لنا أن عشرات المنازل تعرضت لقصف طائرات العدوان وتسبب ذلك بوفاة وإصابة عشرات المواطنين المدنيين..الأمر الذي يستدعي نظرة مسؤولة من المجتمع الدولي ومنظماته الإنسانية التي تدعي أنها تعمل من اجل حماية حقوق الإنسان في مختلف دول العالم.

قد يعجبك ايضا