غزو واحتلال باسم التحرير

عباس السيد

كان واضحا منذ الأسابيع الأولى للعدوان أن الأمر لن يتوقف عند الغارات الجوية ، وان التحالف الذي تقوده السعودية يسعى لأكثر من ذلك.
فبعد اقل من شهر ، أعلن تحالف  العدوان انتهاء عمليات ما اسماها عاصفة الحزم وبدء عمليات باسم ” إعادة الأمل ” وهي تسمية متناقضة تماما مع طبيعة تلك العمليات التي لم تكن سوى استمرار لعاصفة الحزم بوتيرة أعلى ونطاق أوسع للتدمير والقتل ، حيث شملت الغارات الجوية الإحياء والتجمعات السكنية والبنى التحتية في المدن والقرى بمختلف محافظات الجمهورية.
وتزامن ذلك مع استمرار الحشد والتجييش لقوات نظامية ومرتزقة من إنحاء العالم ، وكان ذلك مؤشرا واضحا على نوايا العدوان في غزو الأراضي اليمنية واحتلالها.

عدن بوابة الغزاة
وفي مطلع مايو 2015م بدأت أولى محاولات العدوان لا نزال قواته إلى سواحل عدن ،لكنها جوبهت بمقاومة شرسة من أبطال الجيش واللجان الشعبية اللذان كانا يخوضان معارك يومية شرسة في مديريات عدن مع ميليشيات مسلحة متعددة الأهداف والايدلوجيات، لكنها  جميعا مدعومة من تحالف العدوان وتعمل تحت مظلته.
سطر أبطال الجيش واللجان الشعبية في عدن ملاحم بطولية في التصدي لمحاولات العدوان القادم من البحر وعملائه في الداخل الذين كانوا يتمترسون في الإحياء السكنية ويتلقون دعما سخيا من تحالف العدوان عبر الجو والبحر والبر.
ومع ان ان الجيش اليمني واللجان الشعبية كانا يسيطران على معظم إحياء المدينة وأهم مديرياتها – كريتر والمعلا والتواهي وأجزاء واسعة من مديرية خورمكسر حيث يقع مطار عدن الدولي – إلا إنهما كانا يفتقدان إلى العمق الاستراتيجي بعد أن أصبحت الطرق التي تربط عدن بالمحافظات المجاورة غير آمنة لتلقي الدعم والإمداد.
وقد كانت الطريق الساحلي الممتدة من رأس عمران في باب المندب وحتى شقرة في شبوة تخضع لرقابة جوية مستمرة  وتحت مرمى البوارج البحرية في خليج عدن.
مفارقات الشرعية المزيفة
وفي مفارقات مثيرة لمن يتم تسويقه كرئيس شرعي ، وُجهت المليشيات المسلحة بالاستيلاء على المقرات الحكومية ورفع عليها علم التشطير ، وطرد حراسها المنتمين لأجهزة الأمن.
فما أن وصل الرئيس المستقيل والفار إلى عدن في 21 فبراير 2015م ، حتى بدأ علنا في اتخاذ خطوات عملية لا تخدم سوى : الفوضى، الانفصال ، والتمهيد للغزو والاحتلال. حيث واصل  العمل في مخطط  العدوان الرامي إلى تدمير المؤسسة العسكرية والأمنية تمهيدا لإغراق الوطن في الفوضى ليسهل بعد ذلك تقسيمه إلى دويلات وإمارات حسب الطلب.
وكانت أولى خطواته هي الاستغناء عن حامية القصر الرئاسي في المعاشيق واستبدالها بميليشيات خاصة بينهم قيادات أصولية متطرفة.
وانتشرت خلال تواجده في عدن عمليات الفرز المناطقي داخل  معسكرات الجيش والأمن في المدينة ، وشهدت تسريحات بالجملة للضباط والإفراد المنتمين لمحافظات الشمال.
كان التخلص من معسكر عشرين يونيو – معسكر قوات الأمن الخاصة بعدن – في طليعة أهداف هادي ، نظرا لموقعه الهام بالنسبة للمديريات الرئيسية الثلاث ، كريتر ، المعلا ، التواهي ، والتي يقع فيها المقرات الرئاسية و مبنى الحكومة والميناء وقيادة المنطقة العسكرية الرابعة ومبنى التليفزيون ، وبعد عشرة أيام على وصول هادي إلى عدن ، بدأت الميليشيات في حصار المعسكر أوئل مارس 2015م.
على خطى أروى
المواقف الوطنية والتضحيات الكبيرة التي قدمها ضباط وإفراد معسكر عشرين خلال تلك المواجهات أعادت  إلى الأذهان المواقف النضالية التي سطرها إسلافهم في 20 يونيو 1967م ، ضد قوات الاحتلال البريطاني من داخل نفس المعسكر  الذي كان يعرف باسم معسكر البوليس المسلح. وهي الانتفاضة التي أدت إلى تحرير مدينة كريتر وسقوطها بايدي ثوار الجبهتين – القومية والتحرير –  بعد تلقيهم دعما مباشرا ولوجستيا من داخل المعسكر الذي تمرد على سلطات الاحتلال.
على نفس الخطى ، سار ضباط وإفراد قوات الأمن الخاصة في معسكر عشرين عام 2015م في مواجهتم لعملاء الاحتلال الجديد. لم يكونوا ” حوافيش او حراكيش ” ولا غير ذلك من التسميات التي يطلقها المغفلون ومثقفو الأرصفة في كل الاتجاهات.
فهم لم يتخذوا تلك المواقف ولم يقدموا تلك التضحيات إلا لأنهم يمنيون ، يحملون نفس القيم والمبادئ التي دفعت إسلافهم للانتفاض على المحتل البريطاني رغم الفارق في العدد والعتاد.
معسكر عشرين الذي يقع سوره الأطول  على طريق الملكة أروى الذي يربط كريتر بالمعلا، لا يكتفي براوية التاريخ. لكنه يقتفي الخطى الوطنية الوحدوية للملكة أروى على نفس الطريق. وخلف ظهره ، يُلقي معسكر عشرين بآثار ” الكابتن هينس” المطمورة بأطراف حي الخُساف.
سقط معسكر عشرين بأيدي ميليشيات هادي في 19 مارس ، بعد أكثر من أسبوعين من الصمود البطولي لأفراده الذين سقط منهم العشرات منهم شهداء وتم التمثيل بجثث العديد منهم في مشاهد مروعة تحاكي مشاهد الإرهاب التي تعرف بها القاعدة و داعش.
وفي خطوة انتقامية أخرى ، أطلقت ميليشيا هادي على المعسكر أسم معسكر ” الشهيد خالد الجنيدي ” وهو أحد قيادات الحراك الانفصالي ، استشهد خلال مسيرة للحراك الجنوبي بكريتر منتصف ديسمبر 2015م.
وبغض النظر عن مكانة الشهيد في قلوب الحراكيين الجنوبيين ، إلا أن إلغاء إسم ” عشرين يونيو ” ذلك يعد استهدافا لتاريخ كريتر ونضالات اليمنيين اليوم الذي كان للعرب أجمع بمثابة بارقة أمل ، بعد أيام من الصدمة التي تلقوها من إسرائيل في يونيو 67. أرتبط أسم عشرين يونيو بملحة بطولية خاضها اليمنيون ضد المحتل البريطاني. وهو أهم يوم في تاريخ كريتر منذ إنشائها.. ويبقى السؤال:
من له المصلحة في محو هذه الذكرى من تاريخ المدينة وتاريخ اليمنيين. ؟؟
حملة موازية ضد المدنيين
لم يتعرض أبناء المحافظات الشمالية لانتهاكات في مدينة عدن كما حدث لهم في حضرة الرئيس ” الشرعي ” حينما تم ملاحقتهم في كل الأزقة والمحلات والبسطات وتم جمعهم في معتقلات مؤقتة بطرق مهينة ، ثم برروها لاحقا بأنها إجراءات أمنية للتثبت من هوياتهم والتحري من علاقتهم بخلايا تابعة ” للحوافيش ” كما قالوا.
الإجراء الذي اتخذته أجهزة الأمن التابعة لهادي في عدن ، يذكر بما اتخذته السلطات السعودية بعد أيام من بدء عدوانها على اليمن ، حينما دعت اليمنيين المقيمين في المملكة إلى تصحيح أوضاعهم ، وخلال شهرين كانت بيانات مئات الآلاف من المغتربين اليمنيين تدرس من قبل الأجهزة الأمنية السعودية لأهداف متعددة ، من بينها البحث عن مجندين بالترغيب والترهيب للزج بهم في الحرب ضد أهلهم في اليمن.
الفرز المناطقي مستمر
خلال مارس الجاري ، اتخذت الأجهزة الأمنية في عدن ، خطوة جديدة هي الأخطر في إطار عملية الفرز المناطقي التي بدأت العام الماضي ، حيث دعت كل الذين يحملون بطاقات شخصية صادرة من المحافظات الشمالية إلى استخراج بديل لها من محافظة عدن.!
هذه الخطوة التي لا معنى لها سوى خدمة مخطط الانفصال ، تم التمهيد لها بقناع وحدوي للتمويه ، من خلال قرار محافظ هادي في عدن الذي وجه برفع أعلام الجمهورية اليمنية في ساحات وشوارع عدن. وقد أثار هذا المشهد استغراب الكثيرين من اليمنيين في عدن وغيرها من المحافظات ، فقد جاء متناقضا مع كل الأحداث والإجراءات المناطقية والانفصالية التي شهدتها عدن طوال العام الماضي وبرعاية شبه رسمية.
أطماع السعودية في الجنوب والشمال
للسعودية أطماع تاريخية في اليمن ، وهي أطماع لم تتوقف عند التوسع الجغرافي الذي تحقق لها بضم أجزاء واسعة من مساحة اليمن الطبيعية إلى أراضيها ، لكنها أطماعها تتجدد باستمرار بارتفاع سقف طموحات وأحلام النظام السعودي.
ومع أن النظام السعودي أستطاع تحقيق الكثير من أهدافه في شمال اليمن منذ وقت مبكر من خلال تغلغل حلفائها المحليين في مناهل السلطة ومراكز صنع القرار ، إلا أن أبواب الجنوب ظلت موصدة في وجهه قرابة ربع قرن ، هو عمر جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي حكمها الاشتراكيون اليمنيون ، باستثناء الحرب التي اندلعت بين السعودية والشطر الجنوبي في السبعينات من القرن الماضي والتي انتهت بسيطرة السعوديون على أجزاء واسعة شمال من الربع الخالي ومنطقة الشرورة شمال شرق حضرموت.
ماذا تريد الإمارات؟!
تزل المشاركة الإماراتية في العدوان على اليمن واحتلال أراضيه مثار جدل لدى الرأي العام المحلي والعربي ، الذي يتساءل عن أهداف دولة الإمارات من هذه المشاركة وهذه التضحيات والخسائر البشرية والمادية التي تتكبدها في اليمن.
فالإمارات ليس لها حدود مشتركة مع اليمن ، وعلاقتها مع اليمن كانت دائما إيجابية ونموذجية ويدها الممدودة لليمن كانت بيضاء على الدوام. وليس لها طموحات توسعية في الهيمنة السياسية، على اليمن أو على جيرانها، نظرا لحجمها وتركيبتها الديموجرافية ونظامها السياسي الفيدرالي الهش.
وقد أجتهد الكثير من المحللين والصحفيين في تفسير المشاركة الإماراتية وأهدافها ، وخصوصا بعد ظهورها كقوة رئيسية خلال معارك احتلال عدن ، وظهورها فيما بعد كمسؤولة عن إدارة المدينة ، أوفي المعارك التي دارت في ” عقبة ثرة” بين محافظتي أبين والبيضاء أو حجم تواجد قواتها في مارب كما ظهر من خلال عدد القتلى في معسكر صافر في سبتمبر 2015م.
فهل كان دور الإمارات كبيرا بالفعل ـ كما يظهر في وسائل الإعلام ـ وهل الإمارات مؤهلة لهذه أصلا الملفات وتداعياتها المستقبلية ؟!.
السعودية والقناع الإماراتي
ذهبت الكثير من التحليلات إلى أن الحماس الإماراتي يرجع إلى اهتمامها بموانئ عدن ، وسعيها للسيطرة عليها ، وضمان إدارتها مستقبلا وفقا لخطط وسياسات لا تؤثر سلبا على موانئ دبي.
وهذا ما كرره الصحفي البريطاني ، بيل لو ، في مقال له بموقع ” ميدل إيست آي ” في 16 مارس الجاري ، بعنوان : ماذا تريد الإمارات من حربها في اليمن ؟.
ومهما يكن حجم المشاركة الإماراتية في تحالف العدوان ، التي بالغت فيها قنوات العربية والجزيرة وغيرها من وسائل الإعلام الذي يدور في فلك التحالف ، يظل اليمنيون هم الأقدر على فك شفرة اللغز ، وعدم الوقوع في حبال اللعبة السعودية المضللة.
قد ينخدع الرأي العام أو جزء منه بهذا التضليل المخادع ، لكن على السياسيين اليمنيين أن يكونوا أكثر وعيا بالتكتيكات السعودية. لأن خطأ السياسي قد يقود إلى نتائج كارثية. فمنذ سيطرة تحالف العدوان على مدينة عدن ، انتشرت الأعلام الإماراتية بكثافة في المدينة ، بينما اختفت بشكل تام أي مظاهر تشير إلى تواجد قوات سعودية في المدينة.
لم يكن الأمر صدفة ، كما لا يعني ذلك أن عدن أصبحت نصيب الإمارات كما يتوهم البعض. بل لأن السعودية لا تريد إثارة حساسية اليمنيين وقد ارتدت في عدن قناعا إماراتيا نظيفا ومفضلا لدى اليمنين.
وحتى عند بدء إنزال أول دفعات من قوات التحالف إلى المدينة في مايو 2015 ، قال مسؤول في اللجان الشعبية لهادي ، أن أفراد تلك القوات تابعون للجيش السعودي والإماراتي ، لكنهم جميعا من أصول يمنية.!!
القناع الإماراتي ترتديه السعودية حتى في مأرب ، وكان تصريح الشيخ الإماراتي وتوعده برفع أعلام التحالف فوق سد مارب جزءاً من القناع ، كما أن السعودية أخفت عدد قتلاها في ضربة توشكا التي استهدفت معسكر صافر بمارب في سبتمبر 2015م ، بينما تم إعلان القتلى الإماراتيين دون تحفظ.
وفي حين تعترف السعودية بـ300 قتيل من جنودها خلال عام تؤكد تقارير صحفية غربية أن الرقم يتجاوز 3 آلاف قتيل ، وهذا العدد الكبير لا يمكن أن يكون نتيجة للمواجهات مع الجيش اليمني واللجان الشعبية في نجران وعسير وجيزان فقط.
مشروع سعودي بامتياز
وبغض النظر عن حجم المشاركة الإماراتية وأهدافها ، علينا أن لا نفقد البوصلة فالعدوان والاحتلال مشروع سعودي بامتياز.
نعم يشارك فيه كثير من المساهمين والمنتفعين ، ولكن لولا السعودية لما أقدم الجيش المصري على احتلال الجزر اليمنية في البحر الأحمر ” ميون- حنيش ، زقر ” فهل لنا أن نصدق بأن مصر أقدمت على ذلك بهدف حماية قناة السويس كما يروج في إعلام التحالف ؟
ولأن المشروع سعودي تكفلت السعودية بدفع مرتبات إضافية لمرتزقة “بلاك ووتر” الذين يشاركون في الحرب على اليمن مع أنهم يعملون كقوات خاصة في أبو ظبي منذ 2011م ويتقاضون رواتب شهرية وامتيازات من دولة الإمارات.

قد يعجبك ايضا