اعتبر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أنّ المفاجأة الكبرى التي ميّزت العام 2015 كانت الإعلان رسميًا عن وجود علاقات بين المملكة العربيّة السعوديّة وبين الدولة العبريّة، والتي تُوجّت في العاصمة الأمريكيّة، واشنطن، عندما التقى علانية المدير العام لوزارة الخارجيّة الإسرائيليّة، د. دوري غولد، المُقرّب جدًا من رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بالجنرال السعوديّ المُتقاعد، أنور العشقي أمام وسائل الإعلام، مُشدّدًا على أنّ هذا اللقاء ما كان ليتّم بدون ضوءٍ أخضرٍ من العائلة المالكة في الرياض، والذي يُعتبر العشقي مقربًا جدًا منها.
في السياق عينه، في كتاب “حليف: رحلتي عبر الانقسام الأمريكيّ-الإسرائيليّ” للسفير الإسرائيليّ السابق لدى واشنطن مايكل أورين تكشّف ما يلي: من بين الامتيازات الخاصّة بسفير إسرائيل لدى واشنطن القدرة على لقاء شخصيات عربية ودبلوماسيين عرب بشكل غير رسمي، وبعيدًا عن الأنظار.
وأضاف قائلاً: بغضّ النظر عن السفير السعودي الذي شكّل استثناءً ملحوظًا، كان كل نظرائي العرب تقريبًا على استعداد للتحدث. وقد كان هؤلاء الأشخاص استثنائيين، وتمّ تعيينهم فقط لقدرتهم على التفوق في الدوائر الأمريكيّة، على حدّ تعبير أورين، الذي شغل منصبه عندما كان عادل الجبير، سفير الرياض في واشنطن، وهو الذي يتبوأ اليوم منصب وزير خارجيّة السعوديّة.
وعلى ضوء ما أسماه نتنياهو التحالف الإسرائيليّ مع الدول العربيّة السُنيّة المُعتدلة، والتي ترى بإيران، كما إسرائيل، العدو الرئيسيّ، يُطرح السؤال: كيف يُمكن لتل أبيب مُساعدة الرياض في حربها على اليمن بالتزامن مع إخفاقات السعوديّة؟ السؤال لا يثير الدهشة في إسرائيل، مع تنامي العلاقات بين الجانبين، وفقاً لما كشفته التقارير العبرية المنشورة مؤخرًا، وفي ظلّ الدعوة الصادرة عن نتنياهو، إلى ضرورة إخراج العلاقات مع دول “الاعتدال العربي” من الغرف المغلقة إلى العلن. وهذا المكان وهنا الزمان، للالتفات إلى أنّ وسائل الإعلام العبرية كشفت النقاب عن التطور المتنامي للعلاقات مع السعودية وعن زيارة وفد إسرائيليّ رفيع المستوى إلى الرياض.
ومن الأهميّة بمكانٍ، الإشارة إلى أنّ الكشف الذي جاء بعد مصادقة الرقابة العسكرية عليه من دون نشر التفاصيل، ليس مستبعدًا أنّه استكمال لزيارات سابقة، بحسب ما أشارت إليه القناة العاشرة العبرية في التلفزيون الإسرائيليّ، لدفع العلاقات قدمًا بين الجانبين، والبحث في المصالح المشتركة والعمل البينيّ ضدّ الأعداء المشتركين، وفي مُقدّمتهم إيران وحزب الله، الذي صُنّف تنظيمًا “إرهابيًا” في جامعة الدول العربيّة بضغوطٍ سعوديّةٍ جمّةٍ. اليمن والحرب السعودية على اليمنيين، هما إحدى القضايا المشتركة التي يُمكن لإسرائيل أن تساعد السعودية فيها، خصوصًا في ظل إخفاقاتها وتعذر تحقيقها نتائج في الميدان اليمني.
هذه هي خلاصة المقاربة الصادرة عن الباحث الإسرائيليّ في معهد واشنطن، نداف بولوك، كما وردت في صحيفة “يديعوت أحرونوت”. بولوك أكّد على أنّ مجال المساعدة قائم بالفعل، وأضاف أنّه على خلفية الخبرة الإسرائيليّة الواسعة في حربها ضدّ حزب الله وحركة حماس. وبحسب بوليك، ترمي هذه المساعدة إلى تمكين السعودية من الدفاع عن حدودها في وجه الحوثيين، وبإمكانها الاستعانة بإسرائيل. ولفت الباحث إلى أنّ التدخل العسكري السعودي في اليمن الذي أُنفقت عليه أموال طائلة، تسبب بخسائر فادحة جدًا في صفوف السعوديين، رغم أنّ هذه الخسائر لا تحظى بتغطيةٍ إعلاميةٍ بارزةٍ.
وتابع قائلاً: إنّ معظم هذه الخسائر لحقت بالسعوديين على الحدود مع اليمن، وهي تحدّيات غير مسبوقة على هذه الجبهة، إلا أنّ إسرائيل بشكلٍ خاصٍّ، الشريكة غير التقليدية، يُمكن لها أنْ تمد يد العون في مواجهة هذه التحديات، حسب ما قال. ووفقًا له بإمكان إسرائيل تزويد الجيش السعوديّ بخبراتها المتراكمة عبر السنين في حربها المتواصلة مع حركة حماس وحزب الله: تكتيكات التصدّي لعمليات التسلل عبر الحدود، مواجهة الكمائن المضادة للدروع، وسائل تكنولوجية وخبرات مواجهة التهديد الصاروخي على أنواعه، وهي خبرات يمكن أن تتشاركها مع السعوديين.
ورأى بولوك أنّ المساعدة الإسرائيليّة للسعوديّة في حربها على اليمن من شأنها أنْ تعود بفائدة كبيرة على إسرائيل، فالتعاون بين إسرائيل والسعودية في مجال القتال البريّ، والحماية الفعالّة ضد الهجمات، سيُعززان مستوى التعاون بين الجانبين، ويُشكّلان منصة لتعاون مستقبلي في مجالات أخرى، أحدها العمل المشترك على إحباط عمليات تهريب أسلحة إيرانية عبر البحر الأحمر إلى حزب الله، أوْ التعاون الاستخباري لمواجهة نشاطات فيلق القدس وحزب الله في المنطقة عمومًا، بحسب وصفه.
أمّا فيما يتعلّق بالناحية الإستراتيجيّة، أكّد البحث على أنّ للتعاون العسكري في اليمن فائدة أخرى ترتد إيجابًا على المصلحة الإسرائيلية في الساحة السورية، خصوصًا مع تزايد التدخل السعودي في سوريّة. وشدّدّ على أنّ تل أبيب التي تملك تأثيرًا محدودًا على طاولة المفاوضات إزاء سوريّة الجديدة، بإمكانها استغلال علاقات أفضل مع السعودية، كي تكون شريكة في صوغ المستقبل السوريّ. مع ذلك، يضع الباحث الإسرائيليّ في مقابل ذلك شرطًا لازمًا لتحقيق المصلحة الإسرائيلية، مُشيرًا إلى أنّه من الأفضل ألّا تتدخل إسرائيل في الحرب اليمنيّة إلى جانب السعودية، بشكلٍ علنيٍّ، مُبررًا ذلك بأنّ الانتقاد الدوليّ للرياض حول الحرب في اليمن آخذ في الازدياد، ويفضّل ألّا تضع إسرائيل نفسها في ركب السعودية في هذا المجال، على حدّ تعبيره.
من ناحيته نقل الباحث سايمون هندرسون، في المعهد عينه، عن مسؤولٍ رفيعٍ جدًا في سفارة تل أبيب بواشنطن قوله: إنّ قيمة هذا التحالف الاستراتيجيّ، أيْ وقوف إسرائيل والعرب معًا يُشكّل الورقة الرابحة الأكيدة، لأنّه يتخطى السياسة والإيديولوجية، فعندما تقف إسرائيل والدول العربيّة إلى جانب بعضها البعض، تصبح قوية، على حدّ تعبيره.
Prev Post
Next Post