ما وراء اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا

عبدالرحمن هاشم اللاحجي
* ما وراء الاتفاق الامريكي الروسي الأخير بشأن سوريا ؟ ولماذا تماهت السعودية في ارسال قواتها الى قاعدة انجيرليك التركية ؟ وما علاقة الترتيبات والتنسيقات الاعلامية بين الرياض وتل أبيب ؟ وما هو المزاج الامريكي السعودي فيما يتعلق بالمشكلة اليمنية العالقة ؟ وهل سيتعكّر كالعادة ؟!!!
اقدمت الرياض قبل ايام على عقد اجتماع (استثنائي) ثالث لوزراء الاعلام الخليجي للاطلاع على مشروع الخطة الاعلامية المُقدمة من حكومة الرياض والتي من المُزمع كما يقول البيان الختامي للمؤتمر: “ان تواكب سير العمل السياسي والعسكري لدول التحالف في اليمن”، وكان الاجتماع الذي انعقد في قاعدة الملك سلمان الجوية بالرياض وبحضور/ عبداللطيف الزياني :الامين العام لدول مجلس التعاون الخليجي ” قد شدد على ضرورة تفعيل الخطط التكاملية المشتركة للأجهزة الاعلامية وبما يكفل قيامها بواجباتها في اعادة الشرعية لليمنيين والقضاء على فتنة التمرد الحوثي الذي باتت تهدد أمن المملكة ومستقبلها في الحدود الجنوبية للبلاد . !
تل ابيب بدورها استضافت وفداً من الصحفيين والكتّاب والناشطين الأوربيين العاملين في قنوات عربية والتي تعود جذورهم الى مصر والعراق وكردستان السورية ، وكان موقع وزارة الخارجية الاسرائيلي قد كشف قبل ايام ماقال بأنه :اجتماع “سرّي ” لصحفيين وناشطين يعملون في قنوات بريطانية وعربية “كصحيفة الشرق الأوسط، وايلاف السعوديتين بالاضافة الى قناة البي بي سي البريطانية، ودويتشه فيليه الألمانية ” كما قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» على موقعها الإلكتروني بأن الصحفيين زاروا الكنيست ومتحف الهولوكست، ومحكمة العدل العليا، بالإضافة إلى جامعة حيفا، والمركز متعدد المجالات في هرتسليا، كما زاروا قرية درزية الواقعة في هضبة الجولان السورية. وبالرغم من التكتم الاسرائيلي حول اهداف الاستضافة “الطارئة” الا ان التوقيت الزمني واختيار العينات الملائمة والاماكن المناسبة يساعد الباحث عن الحقيقة في الوصول الى مكامن وخفايا ما يُحاك بالشعب اللبناني والسوري ويراد له ان يحدث في المنطقة الشرق اوسطية “عاجلاً” .!
الاتفاق الامريكي الروسي الأخير لوقف اطلاق النار في سوريا والمسبوق باتفاق: “نفطي – سياسي” روسي سعودي مشترك جاء كمبادرة تقدمت بها الولايات المتحدة الامريكية هدفت الى حفظ ماء وجه المملكة السعودية التي وجدت نفسها في ورطة حقيقة خصوصا بعد ان اعلن الأتراك “بذكاء” وعلى لسان وزير الخارجية التركية داووا اوغلو : استبعادهم شن عملية برية في سوريا ” وهو الأمر الذي اثار استياء ساسة البيت الأبيض ليأتي الرد الأمريكي مباشرة وعلى لسان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: “بأن أمريكا لاتعتزم دعم أي قوات برية ستشارك في سوريا “، والى هنا ويكفي !
المرونة الكبيرة التي ابدتها امريكا في تعاطيها مع الملف السوري مؤخراً تعود الى جُملة من الاهداف المندرجة ضمن مشروع امريكي جديد ومن تلك الاهداف (الثانوية): “تأديب الاتراك” نتيجة لعدم انسياقهم وراء المخطط الأمريكي السابق الرامي الى توريطهم في حرب عسكرية برية في سوريا ولقد بدا ذلك واضحا من خلال تشجيع الأمريكان على قيام دولة كردية جنوب البلاد وهو الأمر الذي اخرج اردوغان عن صمته ليُخيّر الأمريكيين بين: “بلاده او حزب العمال الكردستاني الذي ترى فيه انقره خطر حقيقي يهدد الدولة التركية الحالية” ، الا ان تلك التصريحات (الحازمة) تلك قوبلت بتجاهل واضح من قبل البيت الأبيض لتاتي التصريحات بعد ذلك بأن” “انقرة شريك اساسي لنا في محاربة داعش ” وهو موقف بعيد كل البعد عن خيارات اردوغان ومعادلته “الاُحادية ” .!
مقابل رد الجميل “للولايات المتحدة الامريكية” التي اخرجتها من وحل كاد ان ينهي وجودها في غضون اشهر معدودة هناك (إملاءات سياسية) يجب على الرياض القيام بها سيما في لبنان وكردستان كبادرة “ولاء واثبات طاعة ” وهو ما ترجمته النقلات السعودية الأخيرة فإيقاف المساعدات عن الجيش اللبناني وتقديمها فيما بعد على شكل (مساعدات مشروطة ) ستعمل على تعميق حالة الاحتقان بين الاطراف السياسية المتباينة وتدفع بالبلد نحو الفوضى الاهلية وهي خطوة تراها تل ابيب ممتازة ومناسبة ويتطلبها الموقف الحالي بدليل الترتيبات والتنسيقات الاعلامية بين الطرفين والاجتماعات المغلقة التي تتم من خلف الكواليس في القواعد الجوية السعودية التي فضحتها الصواريخ اليمنية في اكثر من “مصيدة ” .
إقدام الرياض على فتح قنصليتها في مدينة “اربيل” الكردستانية يوم الاثنين الماضي وتكليف السعودي / عبدالمنعم عبدالرحمن للقيام بعمله كممثل قنصلي عن بلاده في دولة كردستان الجديدة يأتي في اطار التنفيذ الفعلي والحرفي للمشروع الامريكي الراهن ،على ان قيامها بكل ذلك يستوجب منها ان تكف عن الحديث عما اسمته: “دعم الجماعات المسلحة في سوريا بصواريخ مضادة للطائرات ” فالاتفاق الامريكي الروسي الأخير يتطلب منها التزامات معينة (مع انها لم تكن طرفا فيه) وبالنظر الى العقود المبرمة بين الرياض وواشنطن فيما يتعلق بالجانب التسليحي فان بعضها يقتضي عدم نقله الى طرف ثالث ومنها الصواريخ الحديثة التي تزوّدت بها الرياض من واشنطن مؤخراً وتستخدمها الأخيرة كورقة ضغط تقيد بها الاولى من التحرّك خارج إطار أوامرها وتضمن طاعتها بشكل دائم .!
الخطة العسكرية الاخيرة التي اقدمت عليها قوات التحالف في اليمن كان من المتوقع لها ان تنجح حتى نهاية الشهر الجاري “كما يقول خبراء عسكريون ” ليكون بداية الشهر القادم موعدا لانطلاق عاصفة الشمال في سوريا ” حيث انها حشدت لتنفيذها قوة عسكرية ضخمة “من مختلف الجنسيات” واستخدمت احدث التقنيات والاسلحة الفتاكة وهاجمت من عدة محاور حدودية وغير حدودية لكنها انصدمت بجدار بشري صلب وجغرافيا معقدة لم تجعلها تتوقف عند حدها فحسب بل اجبرتها على التراجع وتساقطت بالتزامن مع ذلك مُدن حيوية كثيرة “كمارب والجوف وميدي وذو باب و ..الخ “.!
الجبير “وزير الخارجية السعودي” الذي ظهر نافخا ريشه كنسرٍ اربعيني في اكثر من محفل مهددا ومتوعدا بالقضاء على صقور الجيش العربي السوري قائلا بأنه: ” لن يكون هناك اسدٌ في سوريا مستقبلا ” معتمدا في حماسته الجنونية تلك على المساندة التركية” التي تراجعت بعد ذلك ” والدعم اللوجستي امريكي “المتراجع هو الآخر ” بات اليوم يدوس رأسه في الرمال كنعامة كهلاء وجدت اقدامها منغمسه في وحل مطاطي اسمه “اليمن” بينما اصبحت جلّ خطاباته تتحدث عن ما يسمّيه :”دعم الحكومة الشرعية في اليمن حتى تتحقق اهداف عاصفة الحزم ” التي اوشك العام تقريباً ان ينتهي منذ بدايتها .!
المزاج الامريكي السعودي في اليمن يبدو من خلال المعطيات والمؤشرات الراهنة على انه سيكون: “مزاج حرب مفتوحة ” فأمريكا لا تريد حلاً للمشكلة اليمنية العالقة بدليل انها تجاهلت وقف اطلاق النار الذي دعا اليه تقرير المبعوث الاممي ولد الشيخ امام مجلس الأمن الاسبوع الماضي وذهبت لتوقع على وقف لاطلاق النار مع روسيا في بلد “ليس لها وجود عسكري رسمي فيه ” انما دفعها لذلك ترتيبات استعمارية تهدف للمحافظة على الكيان الاسرائيلي عبر خلخلة المنطقة الشرق اوسطية من الداخل وضربها ببعضها البعض “بأقل التكاليف” مستخدمة “مقامرة” الكيان السعودي كوسيلة مرحلية لتنفيذ تلك السياسيات الشيطانية ودافعة به نحو الانتحار على جميع الصُعد الميدانية والسياسية والاقتصادية ، فهل ستنجح الخطة العسكرية القادمة لقوات التحالف في اليمن ؟!.
وحدهم اليمنييون من يستطيعون اثبات نفي ذلك

قد يعجبك ايضا