حصار الدواء وتخفيض الدعم الحكومي .. وتضخم مديونية الأدوية يهدد المركز بالإغلاق
مليار وخمسمائة مليون ريال مديونية المركز لشركات الأدوية
سبعة آلاف حالـة “إصابة” يستقبلها المركز الوطني لعلاج الأورام سنوياً
هجرة ثلاثة أخصائيين تم تدريبهم في أكثر من دولة في العالم و36 ممرضة هندية ضاعف معاناة المركز .
غياب الجراحة وفحص المسح الذري والطب النووي ..يضطر المرضى للسفر إلى الخارج
شحة العلاج الكيميائي والإشعاعي بسبب الحصار يعرض المرضى لانتكاسة قد تؤدي للوفاة .
يعيش مرضى الأورام السرطانية أوضاعاً صحية ومادية واجتماعية بائسة في ظل نقص حاد للدواء وحصار لا إنساني وانحسار للدعم الحكومي ومديونيات لشركات الأدوية ، وعدم وجود وسائل تشخيصية وعلاجية في غاية الأهمية.
هذا الحال بكل تفاصيله الحزينة والمؤلمة نناقش أبعاده وتداعياته والحلول المتاحة رغم صعوبة الوصول إليها راهنا في حوار مع مدير المركز الوطني لعلاج الأورام د. عفيف النابهي الذي تحدث عن واقع المركز وحقيقة ما يعانيه مرضى الأورام بعد أن صارت حياة عشرات الآلاف منهم في خطر حقيقي وداهم .
لقاء/ سارة الصعفاني
دكتور عفيف ..بداية نسأل عن عدد الحالات التي يستقبلها المركز الوطني يومياً؟
المركز يستقبل يومياً 100 إلى 120 حالة في العيادة الخارجية، وفي الإعطاء الخارجي (أي العلاج الكيميائي لفترة قصيرة 2-4 ساعات) 100 حالة، وفي قسم العلاج بالإشعاع من 100-150حالة يومياً بالإضافة لأعداد كبيرة جداً من المرضى للفحوصات المختلفة في المختبر والتلفزيون، وما خفف العبء علينا هو وجود وحدة للأورام في مستشفى الثورة وأخرى خاصة بالأطفال في مستشفى الكويت .
كم الحالات التي عالجها المركز خلال العام المنصرم ؟
المركز يستقبل حوالي سبعة آلاف حالة إصابة سنوية جديدة، أي خضعت للعلاج وتماثلت للشفاء خلال عام، أما الحالات المترددة فهي أعداد كبيرة جداً ، وتشمل المرضى الجدد وحالات مترددة؛ فالمريض يبقى في تردد على المركز أثناء العلاج وبعده حيث يأتي لتلقي العلاج على جرع كل عدة أيام أو العودة بعد العلاج كل عدة أشهر للتأكد من عدم انتقال الورم أو عودته في المكان نفسه، وكلما زادت المدة الزمنية بعد انتهاء المريض من العلاج كلما تباعدت مدة عودته للفحص.
مقاطعة: هل لديكم إحصائية عن عدد المصابين بالسرطان في اليمن؟
منذ بداية عمل المركز وحتى الآن يصل عدد المصابين إلى أكثر من 46 ألف إصابة جديدة، بالطبع هناك صعوبة في معرفة عدد مرضى السرطان في بلادنا ويُفترض وجود رقم وطني لحصر عددهم لكننا لا نملك شبكة إلكترونية ، ونتمنى الدعم من المنظمات الدولية.
طبعا بعض المرضى يتلقون العلاج في فروع المركز أو المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان في المدن، وهناك من لا يتلقون العلاج لأن وعي المجتمع بمن فيهم الأطباء قاصر في قضية الأورام ، ورغم اكتشاف الطبيب للورم لكنه يخبرهم بالعودة للمنزل لعدم وعيه بأن السرطان مهما بلغ مستواه يجب أن يعالج بالعلاج الشفائي إذا كان المرض في بداياته وبإمكاننا التحكم فيه بطرق علاجية جراحية أو إشعاعية أو كيميائية أو هرمونية أو بالعلاج التلطيفي حين ينتشر المرض ويصبح في نهايته للتخفيف من معاناة المريض وآلامه.
هل هناك وفيات بسبب الحصار الذي يمنع دخول الدواء؟
تداعيات غياب الدواء في المركز يؤدي إلى عدم أخذ العلاج الكيميائي والإشعاعي في وقتهما المحدد ما يعرض المريض لمخاطر انتكاسة قد تؤدي للوفاة في المستقبل، ربما هناك وفيات في مركز الأورام هذه الفترة لا أعلم حقيقة، ولمعرفة إحصائية بعدد الوفيات في اليمن نحتاج إلى نظام إلكتروني، وكنا تقدمنا بمشروع بتكلفة 250 ألفا دولار لوزارة التخطيط والتعاون الدولي حتى نصل إلى الدقة المتناهية والشمولية في المعلومات الإدارية والتموينية والفنية والعلاجية للمرضى وقد عينت في وضع استثنائي عام 2012م فلم أتمكن من الحصول على الحد المعقول من متطلبات المركز .
هل لديكم كادر أجنبي..أين هو الآن؟
غادر المركز 36 ممرضة هندية فيما بقية الكادر من أطباء وممرضين يمنيين حيث يحاولون سد الفراغ الذي تركته الممرضات الأجنبيات ويواجه المركز مشكلة مغادرة ثلاثة أخصائيين من أقسام مهمة كالراديو لوجي “الطب الإشعاعي” والأشعة التشخيصية حيث كنا نعتمد عليهم اعتماداً كلياً بعد أن تم تدريبهم في أكثر من دولة في العالم، وحالياً نبحث عن البديل لكن الأمر يحتاج للكثير من التدريب والتأهيل التخصصي، ومن المعاناة أننا أخلينا القسم في الدور الأخير من المبنى من المرضى خوفاً من راجع الرصاص بعد تكرر سقوطه عليه ونعمل على إعادة تشغيله لكن نقص كادر الممرضين وتوقف الموازنة التشغيلية يمثل عائقاً كبيراً .
ما أهم العقبات التي تواجهونها اليوم؟
أمامنا مشكلات وبالمقابل هناك طموحات كبيرة منها أننا أردنا أن يكون المركز في منطقة الجرداء بصنعاء كمركز مرجعي للوطن كاملاً وهذا المركز لصنعاء وما حولها، وقمنا بتوسعة المركز بأخذ أرضية مجاورة من وزارة الأشغال وتعويضهم ودفع 200 مليون ريال تعويضاً عن ما فيها من مبان ولم تدفع المالية ثمنها حتى اليوم، كما تم بناء طابقين من عدد 14طابقاً ، و توقف البناء وتعطلت معه فكرة توفير الأجهزة لكننا نستعد لتشغيل جهاز التخطيط المحوري الطبقي الذي يعتبر من أحدث الأجهزة، وتوجد مناقصة بقيمة 3 ملايين دولار لشراء جهاز معجل خطي ولعدم دفع ثمنه نفكر في الحصول عليه من منظمة الصحة العالمية .
كيف تحصلون على الدواء في ظل دخول المركز في وضع مالي حرج؟
المديونية للشركات مليار وخمسمائة مليون ريال، وشركات الدواء تطالب بمستحقاتها لكن موازنة المركز تكفي لسداد ثمن أدوية عام 2016م فقط ، كما أن المالية حين وردت لحسابنا نصف الموازنة أي مليار ومائتين وخمسين مليون قيمة علاجات سواء كانت كيميائية أو داعمة أو هرمونية أو مناعية لمرضى الأورام على مستوى البلد وضعت شرطا وهو أن المبلغ يخصص فقط للعلاج كون الأولوية المطلقة للمرضى فحياتهم في خطر، ونأمل أن يحصل الدائنون على حقوقهم في أقرب فرصة.
ما الذي تقدمه المنظمات الدولية في هذا السياق؟
لم نتلق دعماً من أي منظمة سوى منظمة الصحة العالمية، وندعو بقية المنظمات للتفاعل مع ما يعانيه مرضى الأورام ودعم المركز الذي يوفر الأدوية على مستوى الجمهورية والمؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان.
في هكذا وضع استثنائي..ما الذي يحتاجه المركز وبشكل ملح؟
ينقصنا أجهزة المسح الذري لتشخيص الأورام بواسطة التصوير المقطعي، لكن المأساة أن المرضى لا يجدونه حتى خارج المركز نظراً لمحدودية عمر المادة المشعة والحصار وتأخرها في مطارات معروفة مما أدى إلى توقف فحص المسح الذري في اليمن، وسابقاً كان موجوداً في كل من مستشفى الثورة وآزال وهذا يضطر المرضى اليوم للسفر خارج الوطن، كما أنه لا يوجد قسم جراحة الأورام في المركز نتيجة محدودية المساحة وعدم إمكانية البناء فوق هذه المباني لكن صار عندنا أخصائي جراحة بدلاً من البحث عنه في المستشفيات، أيضاً الطب النووي سواء كان (Pet Scan) أو (Camera Gamma) تقنيات التصوير الطبي النووي بحيث تكون خدمة تشخيصية وعلاجية متكاملة، وقريباً سيتم تشغيل جهازC.T SCAN ( التصوير بالأشعة المقطعية ) ونحتاج جهاز MRI حتى نقدم خدمات تشخيصية مهمة للمريض ونخفف من معاناة المرضى المادية.
مراكز الأورام في العالم تعتمد على الدعم المجتمعي بالتوازي مع التمويل الحكومي ..ماذا عن هذه الفكرة في اليمن؟
مكافحة السرطان بحاجة لمبالغ مهولة وحتى في أغنى الدول، فعلاً المشاركة المجتمعية لها دور كبير في دعم الجهد الرسمي .. وفي اليمن يدعم التجار ورجال الأعمال وفاعلي الخير المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان لكن كمركز وطني لعلاج الأورام تم وضع خط أحمر أمامنا من قِبل وزارة المالية بعدم فتح حساب بنكي للتبرع للمركز، وهذه الأيام صارت تعطينا الضوء الأخضر لكن بعد مغادرة التجار ورؤوس الأموال.
ما طبيعة العلاقة بين المركز الوطني لعلاج الأورام والمؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان؟
علاقة تعاون متميزة هدفنا تشخيص الأورام وعلاج السرطان، نعطي المؤسسة الوطنية في صنعاء وفروعها في الحديدة وإب وتعز العلاجات الكيمائية وندرب الكادر الطبي، فيما يخففون الحمل على مركز الأورام والمريض معاً بتغطية تكاليف الموازنة التشغيلية للوحدات العلاجية وشراء الأدوية الداعمة، فالمريض يشخص في صنعاء ويتلقى العلاج في فروع المؤسسة حتى لا يعود للعاصمة في كل جرعة تخفيفاً عليه من معاناة السفر وتكلفته المادية لكن العلاج الإشعاعي ليس موجوداً إلا في صنعاء كما أن المريض يعود للأخصائي المشرف على حالته من حين لآخر.
كيف تقيم كفاءة فروع المركز في كل من عدن وحضرموت وسيئون؟
لدينا كادر متخصص في علاج الأورام في فروع المركز والمؤسسة معاً في الحديدة وعدن والمكلا وسيئون وتعز ما عدا إب ،ونعد خطة علاجية بعد تشخيص حالة مرضى الأورام كي يكون بإمكانهم تلقي العلاج في أي من هذه الفروع والعودة إلينا في أوقات معينة كإشراف دوري أو للعلاج بالإشعاع، وبالنسبة للمؤسسة في صنعاء لا يوجد فيها من يعالج لكننا نرسل المريض إليهم حتى يُساعدونه بتكاليف الجراحة أو الأشعة التشخيصية.
كلمة أخيرة تودون قولها..؟
ممتن لـ”صحيفة الثورة” لتلمسها معاناة مريض الأورام وعبرها نتقدم بالشكر لكل من منظمة الصحة العالمية التي وعدتنا بالمزيد من الدعم، وللقائم بأعمال وزارة المالية ومحافظ البنك المركزي لتعاونهم وإعطائهم خصوصية لمرضى الأورام ولو بصرف نصف الموازنة نتيجة ظروف البلد على وعد منهم بتوريد المبلغ المتبقي لحساب المركز، ولا ننسى دور وزارة الصحة في طرح معاناة مرضى الأورام أمام المنظمات الدولية.