*خلف أسواره أكثر من 50 طفلاً يعيشون احتمالات القصف وأحلام العودة إلى أسرهم
تحقيق / رجاء عاطف
خلف أسوار دار الأحداث (التوجيه الاجتماعي) التابع لمكتب الشؤون الاجتماعية- أمانة العاصمة، يمكث أطفال في عمر الزهور، جارت عليهم ظروف الأسرة والمجتمع ليقضوا ربيع حياتهم في مكان هو الأسوأ ضيقا واختناقا لأعمارهم البريئة وبين قضايا جسيمة وأخرى خفيفة تقع على عاتقهم، إلا أن الجميع منهم يصفون هذه المرحلة بأسوأ أيامهم التي قضوها خلف القضبان، فهي الأكثر خوفاً وهلعاً من أن تطالهم الحرب، كما طالت أدوار ومراكز إيواء الأطفال من قبلهم مهما كانت مسمياتها.
بين حزن الأيام وخوف الاحتمالات الأكثر دماراً في ظل العدوان، يقضي (ع.س) البالغ من العمر 15 عاما -في الصف الأول الثانوي- ما يقارب العام وثمانية أشهر حتى اللحظة بدار الأحداث بسبب قضيته التي نكتفي بذكر أنها قضية جسيمة، ويتحدث بحزن عن والدته وإخوته التسعة الذين يتمنى الرجوع إليهم ورؤيتهم خاصة في ظل العدوان الذي لم يسلم منه أحد..
أما (محمد) –البالغ من العمر 15عاما- يَدْرُس في الصفِّ السادس والذي يرفض زيارة أهله له إلى حيث يحتجز في الدار أكثر من عام بسبب إحدى القضايا التي يتحفظ الدار على البوح بتفاصيلها بموجب قانون جرائم الأحداث..
ويقول محمد: لا أرغب في مجيء عائلتي إليّ لزيارتي في هذه الظروف المعيشية الصعبة والأوضاع المرتبكة التي تمر بها بلادنا من حرب ودمار خوفا من أن يصيبهم مكروه لا قدر الله ، في هذه اللحظات التي تحدث إلينا كانت عيناه مغرورقة بالدموع شارد التفكير وقطع هذا الشرود قائلاً : كم أشعر بالضيق وأنا بعيد عن أهلي خاصة في هذه الظروف وأتمنى الخروج من هنا في أسرع وقت ممكن.
وأما الطفل ( ق- م )- 13 عاماً، دخل الدار منذ ما يقارب الـ 3 أشهر أو أكثر يدرس بالصف الثالث لم يعرف مصير الحكم في قضيته، إلا أنه لم يختلف عن زملائه في نفس المصير ويشتكي من معاناته وهو بعيد عن أهله فوجه إلينا سؤالاً عن شعور الإنسان وهو بعيد عن أهله، فكيف بطفل في عمر الزهور.. وهذا جعلنا نشعر بغصة الألم الذي يشعرون به خاصة ونحن في حرب والذي ربما لا يشعر المرء مهما كان عمره بالأمان إلا بين أسرته فكيف بالأطفال.
ظروف صعبة
هكذا وبهذه الحال يعيش في دار التوجيه الاجتماعي – بنين أو ما يعرف بدار الأحداث التابع لمكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بأمانة العاصمة- أطفالٌ في عمر دون السادسة عشرة أي من 8 سنوات الى 15 سنة، معضلة هؤلاء الأطفال، أنهم ارتكبوا جرائم أو مخالفات توجب على الجهات المختصة إيقافهم، بموجب قانون الأحداث، لكن الظروف التي يعيشونها اليوم في الدار مأساوية، ليس بما تشكّله من غياب أدنى سبل الرعاية الكافية، فحسب بل وبما تشكله هذه الأوضاع من خطر يتربص بهم على غرار ما حدث لدار المكفوفين من قصف مباشر من قبل طيران العدوان، الذي يمارس القتل اليومي بشكل هستيري دون التفريق بين طفل وكبير ومعسكر ومستشفى.. حيث وجه طيران العدوان إحدى غاراته إلى دار إيواء المكفوفين بأمانة العاصمة، وهم آمنون بعيداً عن أهاليهم..
رعب العدوان
هذه الحادثة ملأت قلوب أطفال دار التوجيه للبنين بالرعب والخوف، خاصة وأن الدارين بمنطقة متجاورة.. وفي هذا السياق أوضح مدير الدار محمد العرافي أن الأحداث المحتجزين في الدار بموجب القانون يشعرون بالخوف من همجية العدوان، التي طالت دار المكفوفين والكثير من المرافق والمدارس والتجمعات السكنية..
وأضاف العرافي: منذ بدء العدوان على اليمن في شهر( 3 / 2015) وما عاشه الأطفال من لحظات مؤلمة بسبب الراجع من تفجيرات جبل نُقُم وبسبب القصف المستمر عليه تأثرت أغلب الهناجر والمباني مما جعلنا خائفين على الاطفال من آثار القصف.
وفيما يتصل بالظروف الصعبة في الغذاء والصحة أكد العرافي أن العدوان على اليمن، وما سبقه من أزمات وصراعات مسلحة على مدى أربع سنوات، أثر بشكل كبير على الجانب الاقتصادي لليمن فانعكس على مرافق الدولة وتأثر دور الايواء بشكل عام ودار التوجيه بشكل خاص، إذ نعمل بدون موازنة من النصف الثاني 2014م الى يومنا هذا.
برامج توعوية
حول قوام الأحداث المحتجزين في الدار وماذا يقدمه الدار لهم من دروس وتوجيه اجتماعي قال العرافي: لا توجد إحصائية محددة لعددهم لأنهم في دخول وخروج من قبل نيابة ومحكمة الأحداث والإحصائية تقاس إما شهرياً أو سنوياً ولكن نستطيع القول إن متوسط العدد 40-50 طفلاً تقريباً، نحاول أن نحميهم من العنف الداخلي في ما بينهم، كما نحاول أن نعطيهم برامج توعوية ودروساً في السلوك الخاطئ الذي عاشوه وكان سبب دخولهم الدار، فما بالنا بخوف وقلق يأتي من فوق وهذا خلق نوعاً من التوتر لدى الأطفال الصغار والمشرفين في السكن الداخلي ناهيك عن الافتقار للجوانب الإنسانية التي نحاول قدر الإمكان توفيرها بما يتناسب مع الوضع الراهن.
وفي ما يتعلق بدور الدار في محاولة تحاشي ما يمكن أن يصيب الدار من قصف وعدوان قال العرافي: تم التواصل برسالة رسمية إلى نيابة ومحكمة الأحداث بتقديم المصلحة الفضلى للطفل بأن يكون بين أسرته في هذه الأحداث فاستجابت النيابة والمحكمة وتم إخراج الأطفال الذين عليهم قضايا خفيفة وابقاء الأطفال الذين عليهم قضايا جسيمة خوفا واحترازا عليهم من الثأر من غرمائهم، وكما هو معلوم توقف عمل النيابة والمحكمة مدة من الزمن وعند استئنافها من شهر 11 / 2015م بدأت حركة الدخول والخروج للأطفال في الدار.
دمج ومشاركة
وشدد خلال حديثه على ضرورة تغيير المجتمع للنظرة والمفهوم تجاه الحدث على أنه مجرم فهذا تصور خاطئ، لأن الطفل الحدث بشكل عام هو ضحية أسرة ومجتمع لأن القيم التي غرست فيه لم تغرس بالشكل الصحيح والأمر الآخر الطفل يفكر بأن المجتمع يكرهه، ولذلك كان لابد من عملية دمج ما بين المجتمع والحدث والعكس بمشاركة بعض المؤسسات في المجتمع المدني وبعض الأطفال الذين ليس لديهم قضايا جسيمة للمشاركة بأي فعالية خارجية، وعملنا برنامج الدمج المجتمعي لمدة شهرين 3 أيام أسبوعياً يدخل فيها أطفال الحارة إلى الدار وهم بحدود (100) حسب الفئات العمرية وبرنامج المساحات الصديقة والدمج وألعاب وغيرها، من الفقرات حيث أصبح مستواهم الآن أرقى بكثير من الماضي وهم في حماس بأن يخرجوا يخدموا أنفسهم والمجتمع لأنه أتى إليهم وشاركهم فرحتهم وألعابهم وأنشطتهم ، ومع ذلك فهو ضحية، لكن حضور ومشاركة المجتمع بجميع مكوناته ومبادراته يعمل على إعادة الثقة ومعالجة الجانب النفسي عنده وغرس القيم فإن المجتمع في أمس الحاجة له.
آمال وطموحات
وعن الخطط المستقبلية للدار يقول العرافي: لدينا آمال وخطط كبيرة جداً ولكن الأوضاع جعلتنا نركز كيف نوفر الجوانب الانسانية والأساسية حيث كنا نطمح بفتح قسم الرعاية اللاحقة والورش المهنية، لكننا نواجه مشكلة في توقف التدريب المهني فيها لعدم وجود مواد خام وموازنة تشغيلية لها والتي كان لتطبيقها آثار طيبة على الأحداث من الأطفال الحدث.
ودعا العرافي المنظمات التي تعمل في مجال الطوارئ للأطفال، إلى الالتفات إلى الأحداث فهم في أمس الحاجة للدعم النفسي والطوارئ لأن البعض يقول لا يوجد أحداث وهم كلهم بالجبهات وهذا الكلام خاطئ، متعجبا من التقارير التي تصلهم قائلا : عليهم أن يتأكدوا من المعلومات ومن مصدرها وليس من غيرهم، ويحمل مدير الدار أي منظمة أو جهة تشير بعدم وجود أحداث أطفال في الدور، وعليهم أن يتحملوا المسؤولية لخطورة هذا الكلام لأن الأحداث الموجودين مرتبطون بنيابة ومحكمة ووزارة داخلية وأشياء كثيرة، كما قدم الشكر لكل المؤسسات والمبادرات والشخصيات الرائعة في المجتمع المدني الذين وقفوا وساندوا ووفروا للدار احتياجاته الانسانية رغم ما يمر به الوطن من عدوان سافر عليه.
أسباب ومعالجات
ومن جانبها أكدت منى الصباحي- أخصائية اجتماعية بدار التوجيه الاجتماعي: عند دخول الطفل الدار تكون لديه سلوكيات خاطئة وهذا الانحراف له أسباب كثيرة منها الفقر والتفكك الأسري وكذلك التقليد لبعض برامج الأطفال التي تغرس فيهم العنف إلى جانب عدم تحمل الإعلام والمدرسة والمسجد والأسرة مسؤوليتهم في غرس القيم الايجابية والمحافظة عليهم، حيث أن أكثر الفئات العمرية تواجدا هم من سن 12 – 15 سنة.
وقالت أيضاً : المألوف لدى الآخرين أن الحدث الصغير هو مشروع رجل عصابة كبير إن لم يخضع لبرامج علاجية سلوكية لتغييرها وهذا ما يتم العمل به في دار التوجيه، مشيرة الى أنه بعد استقبال الحدث يتم الجلوس معه بغرض جمع المعلومات عنه وتحليل النقص والثغرة والمشكلة التي دخل بسببها حينها يتم إعداد خطة تطويرية على ضوئها يتم اتباع برامج وأنشطة معينة من شأنها علاج السلوك الخاطئ وتعليمه قيماً أخلاقية وتوجيهه إلى بناء نفسه ومجتمعه بتدريبه على مهنة ليقتات منها بعد خروجه.
توعية الأسرة
وتابعت حديثها قائلة : بعد برامجنا التي نعطيها للحدث، نتجه للأسرة وتوعيتها بشكل مستمر بكيفية التعامل مع أبنائهم حيث وجدنا تجاوباً منهم بنسبة (60 – 70 ٪) من الأسر ونكثف التوعية للأسرة التي لا تستجيب سريعاً حيث نحرص على ألا يعود الطفل مرة أخرى للدار وأن من مصلحة الطفل الفضلى بعد تعديل سلوكه أن يرجع لأسرته وبعد ذلك متابعة الطفل بعد خروجه من الدار من قبل إدارة الخدمة المجتمعية لدينا لمدة شهر أحياناً بنزول ميداني أو اتصال والغرض من ذلك رؤية ثمرتنا التي غرسناها في الدار، إلا أن من يقيس مدى نجاح البرامج المقدمة هي الأسرة.
وأضافت: إذا عاد طفل مرة أخرى للدار نكلف لجنة بحث ونزول ميداني لمعرفة الأسباب لدخوله وخروجه ورجوعه مرة أخرى، وفيما إذا كانت المشكلة من الدار أم من الأسرة ويتم حل المشكلة وكان هناك حالتان عادت للدار وبعد البحث تبين أن السبب من قبل الأسرة كونهم العامل الرئيسي الأول لانحراف الأبناء.
القلق والانطواء
وقالت الصباحي: هناك تخوفات بين الأطفال المتواجدين في الدار بسبب الحرب وهم يشعرون بفقدان حريتهم وأسرتهم فيحدث توتر وقلق وانطواء، وأيضاً يتأثر الكثير بعدم زيارة أسرهم لهم حتى وإن وفر الدار لهم كل شيء، سيظلون يشعرون بهذا النقص في ما بينهم خاصة في هذه الظروف، مشيرة إلى أنه في هذا الجانب يقومون بعمل برنامج الدعم النفسي والدمج مع المجتمع لنعطيهم الحياة ونشعرهم بقيمتهم وهذا يحدث تغييراً في سلوكياتهم كما نجد تجاوباً ونفسياتهم جيدة ومعنوياتهم مرتفعة، كما عملنا برنامج اليوم المفتوح ثلاث مرات لأسر الاطفال ليشاركوا أطفالهم أنشطتهم في الدار إلى جانب أننا نقدم برنامج بناء شخصيتي الإيجابية والذي يعمل على بناء الشخصية وتغييرها ودمجها مع المجتمع، وكذا صقل الموهبة وتنميتها وغرس القيم الأخلاقية والسلوكية والقيم الوطنية وحب العمل الجماعي، وهذا البرنامج يعمل بشكل كبير ليخرجه فرداً صالحاً للمجتمع.