في فبراير حراً كنت وسأكون..
كأحد ثوار 11 فبراير احتفلت بهذا اليوم الوطني وأنا أشعر بالفخر والاعتزاز أني من صانعي هذا الحدث اليمني العملاق .. احتفلت به رغم يقيني التام أنه مؤامرة أمريكية صهيونية بكل ما تحمله كلمة “مؤامرة” من معان عميقة وشيطانية.. لكنني ومع هذا لا أرغب إطلاقا في محو هذا اليوم الخالد من كياني أو الندم عليه وذلك لأنه يمثل بالنسبة لي أشياء كثيرة ومشاعر حميمة وذكريات وطنية تستحق الخلود. هذا اليوم يا سادتي يعد اليوم الأول في حياتي الذي صرخت فيه لأول مرة بصيحة الحرية بلا خوف وبأعلى صوت يمكنني الصراخ به وهو ذات اليوم الذي أنصت فيه لكلمات النشيد الوطني الهادرة فوجدت بدني يقشعر وعيناي تدمعان وأنا أسمعها تدوي في أعماقي : ” لن ترى الدنيا على أرضي وصيا”. ذكريات وطنية خالصة غاية في الروعة, وهنا لي رجاء خاص عند كل الوطنيين الذين يكرهون 11 فبراير ولهم الحق في كراهيته لأسبابهم الخاصة ؛ رجاء غاية الرجاء لا يطلب مني أحدكم أن أحتقر هذا اليوم لأنه مؤامرة أو لأنه تم تشويهه والتلاعب فيه أو لأي شيء من هذا القبيل لأني صدقا لا أستطيع وذلك لأنه حتى الآن مازلت أتذكر 11 فبراير 2011م جيدا كأنه البارحة .. مازلت حتى اليوم لا أعامله بأفعاله اللاحقة المخيبة للآمال وإنما أعامله على قدر نياته.. أقصد بنوايا الشرفاء الذين كان غرضهم منذ البداية وحتى النهاية عزة وكرامة وحرية هذا البلد الطيب وأهله الطيبين.
أقول لكم أيها الأعزاء : آسف لا يمكنني أن أشعر بالكراهية تجاه 11 فبراير وهو اليوم الذي أحسست فيه أن بمقدوري أخيرا الصراخ على الفساد متى أرغب وأدركت فيه أن صوتي الضئيل أصبح يساوي شيئا ذا قيمة بينما كنت معجونا بين تلك الحشود العريضة التي كانت متعطشة مثلي للحرية والاستقلال .. التي كانت تحلم بوطن ينعم فيه الجميع بالأمن والعدالة والكرامة والازدهار. أتخيل أحدهم ينبري ليصفها أنها ثورة قامت لإسقاط شخص ما أو حزب ما, لكنني أقول له اليوم وبكل ما أوتيت من حرية : لا يا عزيزي .. لا وألف لا .. لأننا في 11 فبراير لم نخرج أساسا على أشخاص بعينهم أو أحزاب بعينها ولكننا خرجنا لاقتلاع منظومة سياسية كاملة صممها الأعداء بعناية لإبقائنا تحت المراقبة والارتهان والوصاية. فلو كانت 11 فبراير أرادت أشخاصا بعينهم لماتوا جميعا مدهوسين تحت عجلتها التي لا تتوقف ولكنها كأي ثورة خالدة في التاريخ البشري كانت تريد سلوكيات وممارسات سلبية امتدت لعقود من الزمان ظل يمارسها ساستنا الضعفاء حتى أصبحنا في الحضيض رغم أننا أهل الإيمان والحكمة أولوا القوة والبأس الشديد . وللإنصاف ؛ نعم لقد بدأت فبراير ثورة خالصة بكل المقاييس لكنها وللأسف الشديد بعد أيام أو ربما ساعات تحولت إلى انقلاب بالتحايل على الثوار واستغلال حماستهم وبعد أن فشل ذلك الانقلاب الدنيء تدخلت دول الوصاية لإنقاذ مشروعها في اليمن وتم السطو على الثورة وعادت المنظومة نفسها بالمبادرة الخليجية وهكذا انسحبت الأحزاب وعاد إلى داره شطر من الشرفاء وبقي في الساحة الشطر الآخر الذي استطاع في 21 سبتمبر وبعد ثلاثة أعوام حسم الثورة وإنجاز ما تأخر في 11 فبراير وتمت الإطاحة بالمنظومة كاملة وعندها رأينا بأعيننا وطننا المسجون وهو يعود إلى أحضان أسرته بعد طول غياب ثم رأينا كيف ثار السجان وكيف جاء غاضبا على عاصفة الصحراء لاسترداده وهيهات أن يعود للوصاية من جديد ولو جاءت عفاريت الصحراء نفسها ولو جاء من جاء وقدم من قدم؛ سيحدث التغيير رغما عنهم ورغما عن عفاريتهم ورغما عن الشرعية السخيفة التي باسمها يتعللون.. وعلى الله -وحده- الركون.