إلى حكام المملكة

لا أدري إن كنتم تدركون ما تقومون به في اليمن أم لا لكن أدرك جيداً أنكم تحفرون قبوركم هنا في اليمن , لقد شاءت لكم الأقدار أن تذهبوا إلى النهايات من حيث تظنون البداية , فاليمن التي تقصفها طائراتكم , ستكون أكثر حضوراً وأكثر قوة من ذي قبل , بما تسخرون من هذه الحقيقة والحقائق دائماً لا تحلو لأحد ولكن قابل الأيام سيقولها لكم وحينها أرجو أن تتذكروا أنني في لحظة زمنية فارقة قد قلتها لكم قبل أن تصلوا إليها وقبل أن تصبح حقيقة تتداخل في تفاصيل حياتكم اليومية .

لقد مضى على عدوانكم أحد عشر شهراً تزيد أو تنقص وما تزال اليمن كما عهدتم ونعهد لم يتغير أو يتبدل شيء , ونحن كعادتنا (نبترعُ) في كل إشراقة صبح , ونغادي مزارعنا (بالمهايد) ونتحاور مع الطبيعة (بالمهاجل) كل الذي تبدل في حياتنا أننا ألفنا أزيز الطائرات , وصنعنا من بقايا صواريخكم طبولاً نرقص على إيقاعها رقصة “الهوشلية” فحياتنا منذ الأزل هي إيقاع , و”الهوشلية” هي إيقاع حياتنا حين نذهب إلى الصيد في الصحارى والغابات وفي قمم الجبال الشاهقة , ومازلنا نمارس هذه الغواية , فهي غواية مفضلة لنا لعلكم تدركون تفاصيلها أو بعض تفاصيلها في الحدود الجنوبية في جبال الدود والدخان وفي المواقع والثكنات والكهوف والمغارات .. وكثيراً ما نجد ولعاً شديداً “بالبرعة والبرعة” هي إيقاع الحرب لا تحلو حياتنا نحن اليمنيين إلا بها في أعراسنا وأفراحنا وأتراحنا تعودنا على إيقاعها الصاخب ولذلك فرقصة الحرب هي نزهتنا ومنتجعنا وهي إجازتنا الصيفية , شاءت لنا الأقدار أن نرقصها معكم في الكر والفر الذي يتعالى صوته في أفواه البنادق وصليات القواذف , وقد يصحبها “الزامل” الذي مافتأ يقول لكم كم أنتم حمقى وأغبياء؟ وهو يحدثكم عن بأس اليمانيين وعن بطولاتهم ويروي لكم القصص لعلكم تتفكرون أو لعلكم تعقلون .. لكنكم تماديتم في طغيانكم وظننتم أن الطائرات ستعمل على تغيير المعادلة .. وهي لم تفعل منذ أحد عشر شهراً مضت ولن تفعل, وكنتُ أظنّ ان الحجاج ابن يوسف قد حدثكم عنا , وعن قوة بأسنا ولكنه لم يفعل , وحسناً فعل , فماراء كمن سمعها , خير لكم أن تخوضوا التجربة من أن تسمعوا عنها, وياليتكم تشهدون ما نشهد في اليمن حياتنا لم تعد مأتماً وعويلاً بل تحولت إلى عرس “دائم”, تدرون كيف؟ أقول لكم حفلات الزواج مستمرة وصالات الأعراس تكتظ بالناس وبالمناسبات الفرائحية حتى الذين يستشهدون لا نقيم لهم العزاء ونتقبل فيهم الكلمات الحزينة ولا عبارات المواساة بل صرنا نزفُّ جثامينهم الطاهرة بالطبل وتطلق النساء الزَّغاريد والفرائحية ولا تجدون ثكلى ولا أيّم في اليمن إلا وهي قد تجاوزت ما كان عليه أسلافها وأصبحت تفاخر بما قام به ابنها أو بعلها أو أخوها أو فرد من أسرتها وتسرد على النساء رواية أدبية بالغة الجدة والروعة عن البطولات وعن العزة والنخوة الشهامة وعن الكرامة إنهن يتحدثن بأسلوب روائي لم يكتشفه كل الروائيين الحداثيين في زمنا , وهن يسطرن تاريخاً جديداً , ويرسمن واقعاً جديداً , ويبدعن حياة جديدة لا مكان للحزن والمآتم والسواد والعويل والبكاء ولا كلمات الرثاء فيها.
أما الأطفال فهم يتسابقون على بقايا الصواريخ حتى يأخذون الصور التذكارية معها , ويلهون ويلعبون معها وأحياناً يبثونها لواعج الطفولة , وكلمات العتاب يقولون بكل براءة: لماذا قتلتم أهلنا , ولماذا هدمتم بيوتنا وقد ينصبون لها المشانق والمحاكم .. إنهم أبرياء ويصرون على الاحتفاظ بأدوات الجريمة والقتل والدمار وكثيراً ما أقف منصتاً إليهم وهم يتوعدون تلك الصواريخ وتلك المقذوفات بالثأر والانتقام لكنهم يقولون عباراتهم ببأس الرجال , وثبات الشجعان .. إلى درجة أنني اشك في براءتهم وفي سذاجة طفولتهم أنهم كبار وليسوا بأطفال كما يقول لي حالهم وهم يحاورون ماترمونه إلى بيوتهم من صليات ومقذوفات .
لقد حدثتكم عن أهلي في اليمن .. فهل أدركتم أيها الأشباه لماذا قلت لكم في المستهل أنكم تحفرون قبوركم في اليمن .. لقد قارب العام على الانتهاء فهل نلتم من اليمن ما كنتم تأملون ؟ وهل سمعتم أنيناً أو بكاءً أو عويلاً؟ كلا .. نحن ما نزال نتسلق الجبال ونرقص “برعتنا” المعتادة.

قد يعجبك ايضا