العرب وإيران الى أين ؟
ما يدعو للحيرة والقلق أن بوصلة العلاقات السياسية بين العرب وإيران مازال يشوبها الكثير من الضباب والغموض ، نتيجة للخلافات المصطنعة والتاريخ المعلب والاختلاف غير المبرر، البعيد عن منطق العقل ولغة التسامح والمصالح المشتركة وقاعدة التعايش الإنساني ورابطة الإسلام .
ألف وأربعمائة عام من التشدد والتخندق والصراع والضياع والتكفير والتكفير المضاد دونتها كتب التاريخ وكشفتها أساطير الأولين بما أختزلته من أساليب الترهيب والترغيب والتعصب الأعمى ، جعلت المواطن العربي والإيراني يعيش في حيرة وحالة من الوهم والرعب والفزع ، ورغم ذلك مازال الكثير من هؤلاء الأكثر اتزاناً وتحرراً وتحكيماً للعقل يستغربون حالة العداء التاريخي ويدركون الدهاليز المظلمة للتعبئة الخاطئة والروح الانتقامية من مراكز القوى الخفية والخبيثة التي أوغرت القلوب حقداً وحولت السواد الأعظم من الامتين إلى ضحية وقربان للسياسات الخاطئة التي يتبناها رؤوس الشياطين من الحكام العرب وبعض أقرانهم في إيران .
وما يعزز تلك الانقسامات أن السواد الأعظم مازال أسيراً لثقافة الاحتواء وإيقاعات التسلط وأساليب الفرقة وسياسة الاغواء في المجتمع الإسلامي الواحد ، الذي مازال مشدوداً لثقافة الانغلاق دون أن يغادرها إلى عالم النور والتنوير ، في حين ” يهرول ” قادة وملوك وأمراء وحكام ومثقفي العرب إلى التطبيع مع العدو الصهيوني بكل وقاحة من فوق الطاولة واقلها ” نذالة ” من تحتها بين الجزمات ، متنكرين للقسم وقافزين على الثوابت ومتمردين على منظومة القيم التي جاء بها الإسلام الحنيف.
ورغم بعض محطات التقارب والانسجام وتحكيم العقل الداعية إلى التئام الجروح وواد الخلافات وإصلاح ذات البين لتصحيح مسار الأمة .. يسارع مثلث الشر ” البريطاني – الصهيوني – الأمريكي” إلى تحريك تجار الحروب من حكام وسياسيين ورجال دين وأعشار المثقفين لإثارة ” الفتنة” وتأزيم الأوضاع وبث سموم الفرقة والعودة بنا إلى فترات تاريخية مشوهة ومزورة وبعضها حقائق مؤسفة لتأجيج الخلاف عن طريق الأبواق الإعلامية وسعار الدبلوماسيين والسياسيين والفتاوى الشيطانية وغيرهم من أبناء الطابور الخامس لتفخيخ المواطن الغلبان ” فكرياً ” ونسف أي تقارب عقلاني يجسد اللحمة الإسلامية والإنسانية التي من شأنها حفظ أمن واستقرار شعوب المنطقة والتفرغ للبناء والأعمار ، ورغم ذلك يصر شياطين الانس على انتهاج سياسة ” فرق تسد ” ورفع ترمومتر الكراهية وتسويق المشاريع الطائفية والمذهبية التي أثبتت الأيام والسنين أن أسرة ” آل سعود ” هي الراعي الرسمي لتدمير العالم الإسلامي والعلاقات الإنسانية نيابة عن مثلث الشر ، في ابتداع الفكر ” الوهابي ” الأكثر دموية وإرهابا في عالم الأديان والمعتقدات والمذاهب والنحل الهدامة ، مستغلين في ذلك حالات الجهل والفقر والبطالة مقابل إغراءات المال السحت الناتج عن الطفرة النفطية.
إلى أين نحن ذاهبون ؟ ألم يحن الوقت لتحكيم العقل وتفعيل مبادئ التسامح والتعايش الإنساني وتجنيب أو تجميد صفحات التاريخ المثيرة للانتقام وطي صفحة الخلاف والاختلاف ونبرات التشكيك والتخوين والتكفير ووقف نزيف المعارك العبثية منذ فجر الإسلام مروراً بحرب الخليج الأولى والثانية وما تلاها التي دمرت الأوطان ، وشردت ، وقتلت الأطفال والشباب والشيوخ واستنزفت الثروات والانطلاق نحو الاسهام في بناء الحضارة الإنسانية بدلاً من ان نصبح مجرد ” دُمى ” قادة ومواطنين في أيدي الثالوث الرهيب؟
مازلنا في العالم العربي نفتقد إلى استراتيجية واضحة المعالم نهتدي بها في ظلمات البر والبحر وتنتشلنا من مستنقعات الانحطاط إلى غد آمن ومشرق يُشرفنا ويحمي أجيالنا من الضياع ، ومازالت الأجواء ضبابية وأشبه بالسراب لتواري القدوة وغياب الإرادة وانعدام المصداقية .. هرولنا إلى إقامة علاقات مشبوهة وبعضها متميزة مع الشرق والغرب وفحطنا إلى آخر بقاع الأرض ، مع أعدائنا وأصدقائنا وتجاوزنا الخطوط الحمراء وبقية الألوان دون احم ولادستور في سبيل نزوات ومصالح جامحة لمراكز القوى العابثة في وطننا العربي التي زلزلت الأمن القومي العربي وصدعت رأس المواطن بالخطابات الاستهلاكية الزائفة ، في حين أننا لم نستغل علاقاتنا بإيران وغيرها من دول العالم وفقاً لسياسة الند بالند وقانون المصالح المشتركة .
ورغم تلك الانكسارات والعواصف والزلازل السياسية التي اجتاحت المنطقة العربية مازال كبراؤنا يصرون على إعادة تصنيع أنفسهم على ساحة العبث من جديد في محاولة لإغواء الشعوب المكلومة بعد تحويل المنطقة إلى جحيم وتشريد وتهجير وقتل الملايين دون أخذ العبر والدروس من الخمس السنوات العجاف التي قضت علي كل أحلامنا وتطلعاتنا ، في حين حققت إيران استراتيجيتها على مستوى الداخل والخارج بإرادة صادقة وصمود كبير ونجاح منقطع النظير ، رغم الحصار الجائر وقطيعة ذوي القربى ووحشية واشنطن وأوروبا .
وببراغماتية عجيبة دخلت النادي النووي من أوسع أبوابه وهرولت دول الغرب وفي طليعتها أمريكا وفرنسا وبريطانيا إلى رفع الحظر وإعادة المليارات المجمدة مع الفوائد وإعادة توطيد العلاقات المبنية على المصالح ، في حين خسرنا نحن العرب كل شيء حتى سمعتنا وإسلامنا الحنيف بعد أن أبتدع كبراءنا الكثير من المغالطات والبعد عن تعاليم الله عز وجل ، وكأن لسان حالنا يقول ” وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل ” فهل من عودة إلى الله وإتباع لشريعته التي نزلت برداً وسلاماً على كل الأمم ، وهل آن الأوان لاستحضار الأخلاق ومراجعة النفس وتغليب لغة التسامح والتعايش ووقف نزيف الدم بين أبناء الوطن الواحد لإعادة فتح صفحة جديدة وعلاقات ندية ومتوازنة مع الدول الأخرى.. أملنا كبير ما لم فإن القادم أسوأ.