تحقيق | عبدالباسط النوعة –
> تعتبر اليمن من أكثر بلدان العالم ثراء بالمومياوات وباتت تذكر إلى جانب مصر في هـذا النوع من التراث الإنساني القديم إلا أن المعلومات التي يتم تداولها حول بلادنا تشير إلى جانب الثراء والتنوع في المومياوات بأن هذا التراث يواجه تدميراٍ أتى على الكثير من المومياوات في عدد من المحافظات.
المقابر الصخرية
تذكر إلى جانب المومياوات اليمنية عبارة المقابر الصخرية وهذه المقابر التي تستخدم الصخور في أعالي الجبال أماكن لدفن المومياوات استخدمها الإنسان اليمني قبل الإسلام وبات من الصعوبة بمكان أن يصل الإنسان المعاصر إلى هذه المقابر والاطلاع على الموامياوات فيها مع أن بعض تلك المقابر وصل إليها العابثون وعاثوا بمومياواتها فساداٍ وتخريباٍ ولعل أشهر المقابر الصخرية توجد في المحويت وتحديداٍ في الطويلة والأماكن القريبة منها بالإضافة إلى شبام الغراس ووادي ظهر وغيرها من المناطق.
البعثة الفرنسية
ونظراٍ للثراء الذي تمتلكه بلادنا من هذه المومياوات فقد تم الإعلان قبل ست سنوات عن إنشاء مركز إقليمي للمومياوات واختيرت الطويلة بالمحويت لتحتضن هذا المركز وتم فعلاٍ اختيار المبنى الكائن في منطقة السوق القديم ليكون المركز فقد كان هذا المبنى يستخدم كمدرسة وفعلاٍ تم استلام المبنى وتم نقل عدد من المومياوات التي تعرضت للنبش العشوائي وأصابها ما أصابها من العبث جمع ما تبقى منها ووضعت في “حقائب” من الحديد وخزنت في إحدى غرف المبنى الذي كان من المفترض أن يكون مركزاٍ للمومياوات ولعلنا في الثورة السياحي قد حظينا بزيارة لهذا المركز لأيام عديدة عندما جاءت بعثة أثرية فرنسية متخصصة بالمومياوات لزيارة المركز وفعلا استمرت البعثة ثلاثة أيام تفحص وتحلل وتبحث وتجمع أجزاء المومياوات المتواجدة في المركز واطلعت على المبنى والتجهيزات المطلوبة وزارت أيضا بعض المقابر الصخرية في المحويت وتسلقت بعض الجبال للاقتراب من هذه المقابر وفحصت الأحجار وبعض النقوش التي كانت تتواجد على بعض الصخور.
وقالت البعثة حينها إن هذه المقابر الصخرية تمثل أعجوبة حقيقية مدهشة وهي تحتاج إلى دراسات مستفيضة لمعرفة كيف استطاع الإنسان اليمني قديماٍ أن يصل إلى تلك المقابر ويدفن المومياوات في عهد كانت فيه الحياة بدائية جداٍ ولم تكن الوسائل والأساليب تتيح لهم تحقيق ذلك.
وأكدت البعثة أن هذه المقابر محيرة جداٍ وتدل على إعجاز حقيقي فهذه المقابر من الصعوبة الوصول إليها من هذا العصر الذي يشتهر بأساليب ووسائل تكنولوجية حديثة ووسائل مواصلات متطورة كما قامت البعثة بزيارة إلى المومياوات المتواجدة في مخازن المتحف الوطني بصنعاء وكذا في متحف قسم الآثار جامعة صنعاء كما حضروا العثور على مومياء في منطقة هبرة بصنعاء القديمة.
وقالوا إنهم وبعد كل هذه الزيارات وكذا أخذ عينات سوف يقومون بدراسات مستفيضة في معهد اللوفر بباريس وسوف يرسلون نتائج دراستهم عند الانتهاء منها إلا أنهم أكدوا مبدئىاٍ أن التحنيط اليمني متطور جداٍ ويستخدم مواد نباتية فريدة لا تستخدم في تحنيط المومياوات في بلدان أخرى منها مصر حيث أشاروا إلى أن اليمن عرفت التحنيط قبل الإسلام بألفي عام.
لم يتم تنفيذ شيء
وبالعودة إلى المركز الوطني للمومياوات فمنذ أن تم الإعلان عنه وزيارة البعثة الفرنسية لم يتحقق شيء منذ ذلك الحين وها هي السنوات تمر وتمضي واصبحنا في السنة السادسة إلا أن المبنى على حاله وحول هذا الموضوع التقينا الأخ محمد راجح نائب مدير عام الآثار والمتاحف بمحافظة المحويت والذي أوضح أن المركز الإقليمي للمومياوات ما يزال حبراٍ على ورق أي توجيهات وأخبار تداولتها الصحف لكن لم يتم تنفيذ شيء على أرض الواقع أبداٍ منذ سنوات ست وقال: مازلنا منذ ذلك الحين نتابع موضوع التأثيث والتجهيز وقد نزلت الإعلانات للمناقصات أكثر من مرة ورست المناقصة فعلاٍ على أحد المقاولين وهذا الكلام قبل سنوات ولكن فجأة توقفت المناقصة دون إبداء الأسباب من قبل قيادة الهيئة السابقة وكانت هذه التحضيرات بناءٍ على لجنة شكلها الوزير السابق نزلت هذه اللجنة إلى المركز ورفعت بالاحتياجات من التجهيزات بمبلغ 24 مليون ريال ولكن لم يتم اعتماد شيء مجرد لجان ومحاضر وكلام فقط ولازلنا نتابع الموضوع إلى اليوم وها هم يعتمدون لنا مبلغ 5 ملايين ريال للتجهيز من وزارة المالية للعام الجاري 2013م هذه التجهيزات عبارة عن فترينات عرض للمومياوات وأجهزة إنذار ومكيفات وإضاءة وغيرها وهذا لا يكفي مع أن الدراسة رصدت مبلغ 24 مليوناٍ فكيف نستطيع مواجهة تلك الاحتياجات من هذا المبلغ الزهيد لتجهيز مركز للمومياوات هو الأول على مستوى الجزيرة العربية.
العبث متواصل
مؤكدا أن العبث والتخريب الذي تتعرض له المومياوات مستمر ومتواصل ونخشى على ما تبقى من مقابر صخرية ولولا منعتها لتم الوصول إليها من قبل العابثون ولكن قد يبتكر أولئك العابثون طرقا وأساليب للوصول إليها وبالتالي تكون الطامة كبرى ونحن لازلنا نتابع موضوع التجهيز والتأثيث الذي توقف ويتوقف باستمرار بيد أن نبش وتخريب المومياوات مستمر دون توقف حتى أن بقايا المومياوات الموجودة باتت في وضع سيء جدا لعدم توفر وسائل وظروف العناية المناسبة بها وبالتالي باتت في حكم المنتهية«.
وأشار إلى أن المحويت تحوي الكثير من المقابر الصخرية وقد تم حصر الكثير منها من قبل مكتب الآثار وقد أبدت كثير من البعثات الأثرية التي زرات هذه المقابر ومنها البعثة الفرنسية والإيطالية وكذا البريطانية استعدادا كاملا للمساعدة في استخراج المومياوات من هذه المقابر ولكن السؤال إلى اين¿ إلى الإهمال واللامبالاة ولذلك فبقاؤها في مقابرها أفضل بكثير من إخراجها لكن خطر وصول العابثين إليها متوقع في أي لحظة خاصة مع ضعف وسائل الضبط والحماية من قبل الجهات الأمنية.
وناشد راجح وزارة الثقافة وعلى رأسها وزيرها الدكتور عبدالله عوبل النظر باهتمام إلى هذا المركز النوعي الذي يعتبر صرحا من صروح الحضارة الذي سيميز اليمن عن الكثير من دول المنطقة كونه الأول في هذا المجال وأن يتبنى إنجاحه وخروجه إلى حيز التنفيذ.
المومياوات تسبب أمراضاٍ
من جانبه أشار القائم بأعمال رئىس الهيئة العامة للآثار والمتاحف الأخ مهند السياني أنه لا يعرف سبب توقف هذا المشروع العملاق والهام والذي يمثل منجزا حضاريا سيحمل بين ثناياه الكثير من المعاني إذا ما تم إنجازه واضاف: نعرف بأنه تم الإعلان عن إنشاء مركز للمومياوات في مدينة الطويلة بالمحويت وكان هذا منذ سنوات عديدة ولكن لماذا لم يتم إنجاز هذا المشروع وأسباب توقفه وتعثره لا نعلم عن ذلك شيئا.
وحول التخريب والنبش الذي تتعرض له المومياوات اليمنية يقول مهند: الآثار اليمنية بشكل عام تواجه حملات منظمة من التخريب والعبث والمومياوات تمثل إحدى هذه الأشياء التي تتعرض للنهب والتخريب وأخذها بطريقة عشوائىة بحثا عن المكاسب وأشياء ثمينة ولكن الكثير من الناس يجهلون شيئا هاما هو أن هذه المومياوات التي يعبثون بها قد تحمل بين ثناياها أمراضا معدية تنقل إليهم فقد تتضمن هذه المومياوات بعض الأمراض كانت مدفونة مع المومياء وبمجرد نبشها ربما تنقل الأمراض المعدية وبالتالي تحتاج إلى طرق وأساليب علمية دقيقة عند عملية إخراجها ولهذا يلجأ المختصون إلى أخذ وسائل الحيطة والحذر عندما يتعاملون مع المومياوات والمومياوات وجدت في اليمن بشكل كبير وفي مقابر صخرية ولكن ينبغي علينا أن نفرق بين المومياء والجثة العادية التي تحفظ نتيجة انعدام الهواء والأوكسجين ووجودها في أماكن جافة الأمر الذي يجعلها تحتفظ بشكلها وبالتالي لايمكن أن نسمي هذه مومياء لأن المومياء هي تلك التي يستخدم فيها نباتات خاصة والكتان والجلد ويتم إخراج الأشياء التي تتعرض للتعفن.
وأكد وجود تواصل واتصال بين الحضارات القديمة ونخص بالذكر حضارتي اليمن ومصر فقد وجدت مومياء لشخص يمني في مصر كما وجد في اليمن وتحديدا في العود تمثال أبوالهول.
وفيما يتعلق بحماية المومياوات والمقابر الصخرية نحن لسنا جهات ضبط ولكننا وجهنا مكاتبنا بالمحافظات وكذا أبلغنا أجهزة السلطة المحلية والأجهزة الأمنية بمنع نبش المقابر الصخرية والعبث بها أو حتى المساس بها وتركها كما هي حتى يتم التواصل مع الدول الصديقة المانحة المحبة للحضارة اليمنية لتوفير الدعم المناسب الذي يساعدنا في استخراج هذه المومياوات ودراستها ووضعها في أماكن خاصة تتوفر فيها كافة عوامل الحفاظ والحماية.