بسبب توقف معظم مراكز الغسيل في المحافظات تضاعف الضغط على مستشفيات الأمانة

مرضى الفشل الكلوي.. الموت في طابور الانتظار

الجبري:
عدم إمكانية استيعاب جميع حالات الفشل الكلوي يفاقم الحالة الصحية ومن ثم الوفاة
السيّاني:
508 مرضى من بينهم 381 مصاباً يحتاجون الغسيل مرة أو مرتين أسبوعيا ونسبة الوفيات زادت 10%
يوماً بعد آخر، يواصل العدوان استهداف كل مقومات الحياة، وعلى مقربة من اكتمال العام، توغل السعودية في عدوانها علي اليمن واليمنيين لتصل – بعد أن حشدت تحالف عدوانها من المرتزقة وعباد المال -لاستهداف المقومات الصحية والاستشفائية، وكل ما يتصل بالخدمات العلاجية، سواء بشكل مباشر من خلال القصف للمرافق، أو غير المباشر من خلال إطباق الحصار، ومنع وصول العلاجات، وتعطيل عمل مراكز العلاج المستمر.
في هذا الاستطلاع الميداني سنسلط الضوء على ما يعانيه أمراض الفشل الكلوي من الصعوبات، في جداول غسيل الكلى، والحصول على الأدوية المرافقة للغسيل الدوري، والتحديات التي تواجه المراكز، جراء العدوان والحصار..
تحقيق وتصوير/طارق وهـاس

مضاعفات معاناة مرضى الفشل الكلوي الذي يعد الأهم والأكثر إيلاماً في اليمن، يبدو نوع آخر من الأوجاع المؤلمة التي سببها العدوان والحصار الخانق على أبناء اليمن، الأصحاء منهم والمرضى، فالطفل علي ناجي الذي يبلغ من العمر 15 عاماً المصاب بالفشل الكلوي، يتوّجَب عليه الغسيل مرتين في الأسبوع، غير أن الحصار ضيَّق الخِنَاق على مُتَنَفَس طفولته (الغسيل) الذي لم يعد سواه مخففاً لآلامه، بحرمانه من انتظام علاجه بالغسيل الكلوي كل ثلاثة أيام.
يتساءل الطفل مع الأطباء ما المشكلة أريد غسيلاً كي أشعر ولو ساعات وبالشفاء والحياة..؟ .. لكنه يدخل حالة من الإحباط حين يسمع الإجابة: العلاجات والمستلزمات اللازمة لعمليات غسيل الكلى شبه معدومة، جراء الحصار وأزمات المشتقات.
“ما هو موجود فيشهد ارتفاعا كبيراً في الأسعار، لا يستطيع المرضى الفقراء على دفع نفقاتها”.. هذا ما يقوله المريض صالح محضر (23 عاماً) الذي هو الآخر يعاني النقص الحاد في علاجه الكلوي فقد تقلصت جلسات غسيله لمرة واحدة فقط في الأسبوع بسبب شحه الأدوية ومواد الغسيل، إضافة لكثرة المرضى في هذه الأيام.
حالات موجوعة
الخوف الأكبر في ظل هذه الظروف الصعبة، صار مرضاً وألماً يضاعف معاناة المرضى، حيث يتوقع المرضى من شدة الخوف تؤدي هذه أحداث العدوان الإجرامية والحصار المستمر، إلى الانعدام النهائي للعلاجات.. وهذا ما أشارت إليه المريضة “ابتسام صالح الربوعي” التي سبقت دموعها كلماتها، وتعاني من نفس المرض وتغسل مرة واحدة في الأسبوع : أخاف أن تنعدم الأدوية أو مواد الغسيل وتكون حياتنا في خطر أو ينتهي الأمر بنا بالوفاة..
وأضافت: “أريد أن أعيش مع أبنائي، وأتمنى من الله أن يمد لنا في الحياة”.
الحاج “حاشد لطف” الذي يعاني من الفشل الكلوي وهو رب أسرة مكونة من ثمانية أفراد غير أن حالته الصحية جعلته طريح الفراش، وشِحَة مواد الغسيل الذي تعاني منها المراكز والمستشفيات زادت من أعباء الحياة عليه، ووضعته بين خيارات كل مرة وقاتلة: هل يدفع الأموال الباهظة لكي يغسل دماءه مرتين كلها أسبوع، أم يترك ما بحوزته لزوجته وأولاده لشراء قوتهم في ظل هذه الظروف القاهرة والصعبة
سؤال محوري
سؤال طرحه معد التحقيق على “كيف يتم عمل جلسات الغسيل للمرضى الفشل الكلوي في ظل الحصار الخانق على البلاد وانعدام بعض الأدوية التي هم بأمس الحاجة لها..؟ هذا هو السؤال المحوري في قضية مرضى الفشل الكلوي وآلية عمل المراكز، وفي هذا السياق يؤكد الدكتور صادق الجبري استشاري أمراض الكلى بالمستشفى العسكري أن الضغط المستمر وارتفاع نسبة عدد المرضي بالفشل الكلوي المزمن وشحة المواد الخاصة بالغسيل وقلة المراكز..
وحول أسباب تقليص جلسات الغسيل للمرضى، قال الجبري: جاء هذا التقليص تحت ضغط الإمكانات المتزامنة مع زيادة العدد مستمر للمرضى النازحين، من مختلف المحافظات، إضافة إلى توقف بعض المراكز التي كانت في محافظات أخرى، وهو زاد من الحمل والضغط على مراكز الغسيل للفشل الكلوي، خصوصاً في أمانة العاصمة (المستشفى العسكري والثورة والجمهوري).
وعن المرضى النازحين قال الجبري: يتم استيعابهم بصورة اسعافية حتى يتم التنسيق ما بين المراكز، رغم أن عدد المرضى يفوق بشكل كبير الإمكانيات الموجودة في هذه المراكز خصوصا أن بعض مرضى الفشل الكلوي المزمن يحتاج لا أكثر من ثلاث جلسات في الأسبوع فيكون الغسيل بشكل يومي خاصة عندما يكون داخل غرفة العناية المركزة بحسب وضعه الصحي، وهذا كله يكون له تأثير على بقية المرضى..
وأضاف الجبري: شحه المواد وعدم إمكانية استيعاب جميع حالات الفشل الكلوي سواء الطارئة أو المزمنة تؤدي إلى تفاقم الحالة الصحية ومن ثم الوفاة .
صورة سوداء
من جانبه أكد الدكتور بسام السيَّاني، مُشْرِف مركز الكلى بهيئة مستشفى الثورة العام، بأن الوضع سيئ جداً، بل يعكس صورة فائقة السواد، حيث أن انقطاع مواد الغسيل الكلوي وصل إلى معظم أنحاء الجمهورية بشكل كبير.
موضحاً أن المواد مرتفعة أسعارها بشكل جنوني، أو غير متوفرة ولا تصنع محليا وهذه صعوبات يواجهها المركز لأنه يتم صرف الأدوية والمحاليل وإجراء الفحوصات مجانا للمريض وضمن الصعوبات أيضا وصول حالات سيئة جدا ومتأخرة نواجه معها مشاكل .
وتابع قائلاً: أن 508 مرضى من بينهم 381 مريضا ثابتا بحاجة إلى الغسيل أسبوعيا مرة أو مرتين وميزانية المستشفي لا تتحمل وهذا كله يشكل ضغطاً كبيراً وقد زادت نسبة الوفيات في ظل العدوان إلي ما يقارب 10% ..
وناشد السيَّاني المنظمات ورجال الخير بدعم القطاع الصحي والنظر إليه، فهناك المئات يريدون العيش وسط أسرهم ويعانون من هذا المرض الذي إذا تُرك بغير علاج أصبح سماً ينتشر بسرعة منتهيا بالوفاة..
النازحون.. ضغط جديد
بعد توقف معظم مراكز الغسيل الكلوي في بعض المحافظات بسبب العدوان والحصار وتوافد النازحين إلى أمانة العاصمة، من كل محافظات الجمهورية، صار لا بد من أن تفتح مراكز الغسيل الكلوي ورديات جديدة في إمكانات محدودة لتحافظ على الحد الأدنى من الحفاظ علي حياة مرضى الفشل الكلوي الذين صاروا أضعاف ما كانوا عليه قبل موجة النزوح الداخلي إلى العاصمة..
هذا ما لفت إليه الدكتور ماجد القُهَـــالي، مُشْرِف على مركز الغسيل للفشل الكلوي بمستشفى الجمهوري، مضيفا: نقوم بعمل غسيل للمرضى المسجلين وعددهم 45 حالة في اليوم الواحد إضافة إلى انه تم استيعاب عدد من المرضى النازحين من مختلف المحافظات، من خلال فتح وردية خاصة بالنازحين وهم 50 حالة وتبدأ جلسات الغسيل من التاسعة مساء حتى الثانية عشرة ضمن جِدْوَل وتوثيق حالاتهم.
أسعار باهظة
الدكتور محمد الحبابي – صيدلاني- يؤكد أن الوضع الطبيعي كان يعني أن توزع أدوية أمراض الفشل الكلوي مجانا من قبل المراكز والمستشفيات والجمعيات الخاصة..
مضيفاً: كنا لا نبيع العلاجات الخاصة بمرضى الفشل الكلوي لأنه لا توجد عليه طلب، ولكن في ظل الوضع الراهن الذي يعيشه بلدنا انعدمت الأدوية للفشل الكلوي بسبب الحصار الخانق علينا ولم تستطع المراكز توفيره فأصبح تجار شركات الأدوية يستوردون الأدوية بأسعار باهظة واقبال الكثير من المرضى بطلب الأدوية الخاصة بالفشل الكلوي بشكل غير مسبوق مما جعلنا نشتري من تجار التجزئة بسعر عالٍ ويضطر المريض شراء الدواء بسعر باهظ الثمن نتيجة الحصار وارتفاع الدولار .
يتفق معه الصيدلي- سنان البعداني- غير أن الأخير أوضح أن الحصار الموجود وصعوبات الحلول وعدم التسهيلات على الدواء ووقوف عملية الاستيراد جعل الإقبال على الصيدليات بشكل كبير لطلب الأدوية الخاصة بالفشل الكلوي خصوصا في ظل هذا العدوان .
قسم جديد
مدير مستشفى الجمهوري الدكتور نصر حميد القدسي أوضح – من جانبه لـ الثورة- أن قسم غسيل الكلى من الأقسام الجديدة في المستشفى ولا توجد ميزانيه معتمدة للمركز ورغم ذلك تم توفير احتياجات المركز ليس فقط للمرضى المسجلين حتى للمرضى النازحين .. مؤكداً أن نزوح الكثير من المرضى من جميع المحافظات ضاعف أعداد المرضى في المركز ومراكز الغسيل في الأمانة بشكل عام..
من ناحيته اعتبر الدكتور محمد المنصور، مدير عام الهيئة بمستشفى الثورة، القصف المباشر المستمر والحصار الأكثر فتكا زاد من معاناة مرضى الفشل الكلوي والذي أدى إلى نفاد الأدوية والمحاليل والأنابيب وزراعة الكلى ونفادها في الأسواق.. الأمر الذي أدى إلى تراكم وتضاعف الإقبال على المستشفى من قبل مرضى الفشل الكلوي إضافة إلى زيادة نسبتهم بسبب النزوح.
وأضاف الدكتور المنصور أن الطاقة الاستيعابية للمستشفى كانت ملائمة وشبه كافية، ولكن استقبال النازحين من أصحاب أمراض الكلى شكَّل ضغطاً كبيراً مما جعلنا نقلص جلسات الغسيل الكلوي وجعله مرة واحدة في الأسبوع، وأكد وجود دعم من المنظمات ولكن معانات المصابين تفوق ما تقدمة تلك المنظمات..
وناشد الدكتور المنصور الأمم المتحدة والمنظمات التابعة له والمجتمع الدولي إلى سرعة إنقاذ اليمنيين عموماً والمرضى خصوصاً، وتوفير كل ما يتعلق بأدوية الأمراض المزمنة والتي منها مرض الفشل الكلوي، ورفع الحصار الجائر على بلادنا.
مجهود ذاتي
وفي تصريحه لـ(الثورة): أكد الأستاذ أمين محرم، أمين عام جمعية الرحمة التي تهتم بأمراض الكلى، أن الجمعية تقوم بصرف الأدوية الخاصة بأمراض الغسيل الكلوي وتوفيره لهم إضافة إلى السكن وهو مجهود من قبل الجمعية وفاعلي الخير.. مشيراً إلى أن نسبة المرضى زادت بشكل ملحوظ من بداية العدوان، وارتفعت أسعار الأدوية، بنسبة (30%) تقريبا إضافة إلي انعدام بعضها، حيث أن الجمعية لا تستطيع توفيرها في الوقت الراهن. وناشد محرم رجال الخير وفاعليه الدعم والوقوف إلى جانب هذه الشريحة من المرضى الذي هم بأمس الحاجة للتخفيف من آلامهم ومنحهم حياة أخرى.

قد يعجبك ايضا