زيد الفقيه
ما من شك أن الحروب التي تندلع في كل أنحاء الدنيا تنطلق من غياب الوعي بالحل السلمي وأهميته في زرع المحبَّة والسكينة بين الناس ؛ وأنه الأجدر بتقديمه عن غيره من الحلول ، ولكن السؤال الذي يَلِحُ على الطرح هو من الجدير بتوصيل هذا المفهوم للأطراف المتنازعة ؟ وللإجابة عليه ينبغي أن نرى في حيثيات الواقع المدني من هو هذا المكون الجدير بحمل هذه الرسالة الإنسانية السامية ، من الذي يحارب بغير الطلقة ويصيب أهدافه بنجاح ؟ وإن لم أكن مخطئاً فسيكون المثقف والمؤسسة الثقافية والفكرية ، لأن ما يجري اليوم من اقتتال في بلداننا العربية هو نتيجة لثقافات دخيلة على مجتمعنا العربي الإسلامي ، أتى نتيجة لغياب الدور الثقافي لمفهوم الإسلام الذي جاء به نبينا محمد ، وهذا الغياب سنح بدخول جرثومة جديدة تحت عباءة هذا المسمى الإسلامي ، وإلا كيف نفسِّرُ اعتداء بلد عربي يدَّعي الإسلام بل ويحمي الحرمين على بلدي كان هو الإسلام نفسه ، حين حمل رايته إلى مشارق الأرض ومغاربها ، (بالحكمة والموعظة الحسنة ) ، أليس ثمة دورٌ منوط بالمثقف الفرد ، وكذلك بالمؤسسة الثقافية ، لحمل هذا الدور الذي يتحوصل في مجابهة الأفكار المتطرفة التي لم تكن من الإسلام في شي ، ولكن أرى أن الأجدر بالورقة أن تقف على مواطن الخلل عند المثقف الفرد ، والمؤسسة الثقافية ، وهذه الآراء هي وجهة نظرٍ فرديةٍ فإن أصابت فتوفيق من الله ، وإن جنحت في مرافئ الخطأ فهي وجهة نظرٍ ليس غير.
أولاً : المثقف الفرد
لعل الموقف السلبي الذي أراد الحاكم أن يَسْبِغَ المثقفَ والأديبَ به قد ساهم هذا الأخير بصنعه ، دون قصدٍ حين توارى خلف مدنيته الفائضة ، وترك المسرح السياسي شاغراً ومُحْتكراً على السياسي ؛ إلا من طائفةٍ انتهازيةٍ تلصق نفسها بالوسط المثقف ، وتصوُّر للحاكم أنها صفوة هذا الوسط ، ولأن الحاكم يعرف دناءة هذه الشريحة الانتهازية فقد حكم على كل من ينتسب إلى الحقل المعرفي من خلال تلك الشريحة نتيجة جهله بهذا الوسط . وحين يكون الحاكم قد تلطَّف بشي من المعرفة لا يستطيع هذا الانتهازي أن يمرق في خلده سهمه المسموم ذاك ، و يظل المثقف أو المتعلم محل تقدير الحاكم مهما اختلفا في وجهات النظر ، وقد ورد في مذكرات القاضي عبدالرحمن الإرياني ص128 ،129 أن الإمام يحيى أبرق إلى نائبه في حجة يأمره بإطلاق سراحه من السجن وإرساله إلى صنعاء وحينئذٍ طلب إليه المشورة في موضوع تأسيس الجامعة العربية ، لكن الإمام رجَّحَ أن تأسيس الجامعة العربية يُعَدُ لعبةً بريطانيةً أو أن بريطانيا قد أوحت إلى رئيس الوزراء المصري آنذاك مصطفى النحاس بتأسيسها ، فالتزم القاضي الصمت إثر ذلك ، ولعل اللعبة الغربية قد تجلت بموقف الجامعة العربية المؤيد للعدوان على الشعب اليمني من قبل عشر دولٍ تقودها مملكة السوء السعودية ، إذ إن المنوط بالجامعة الوقوف للدفاع عن اليمن لأنها عضوٌ مؤسس فيها ، مما يعني أن الجامعة العربية ، ومجلس الأمن لعبتان بل دميتان بيد الدول الرأسمالية .
المثقف الفرد حين يكون انتهازياً لا يلتفت إلى مصلحة الأوطان أو الشعوب ، بل يتخذ من اقترابه من هما سلماً يرتقي به عند الحاكم ألجائر مستغلاً ذلك الانكفاء للمثقف الإيجابي الفاعل ، ولم يقف هذا السلبي عند حد سلبيته بل يسعى بكل الوسائل لتشويه صورة المثقف أو الأديب الإيجابي عند الحاكم ، أو في صفوف الوسط الذي ينتمي إليه ، وعلى الطرف الآخر أن يقاوم هذا السعي الشرير بعدم تواريه خلف المهادنة والمسالمة والمثالية الزائدة ، وبالعودة إلى تفحص الوسط المعرفي خلال ما يقرب من قرن من الزمن في محاولة لتحديد الحقبة الزمنية لدخول جرثومة الأديب الانتهازي ؛يمكن أن نقسِّمَ الوسطَ المعرفي إلى ثلاثة أجيال على النحو التالي : 1ـ جيل الرواد الثائر ويبدأ من عام 1930ـ 1970م ويمثله على سبيل المثال لا الحصر : أحمد عبدالوهاب الوريث ، القاضي عبدالرحمن الارياني ، الشهيد محمد محمود الزبيري ، الشهيد زيد الوشكي ، إبراهيم الحضراني ، الدكتور عبدالعزيز المقالح ، الأستاذ عبدالله البردوني ، الأستاذ عمر الجاوي ، الأستاذ يوسف الشحاري ، الأستاذ عبدالله باديب ، الأستاذ محمد الربادي ،محمد الشرفي ،عبدالله سالم باوزير ، الأستاذ أحمد قاسم دماج ، والأستاذ زيد مطيع دماج، أحمد محفوظ عمر، وغيرهم ، هذا الجيل كان جيلاً ثورياً ومدرسة ثورية بامتياز أثر في محيطه وصنع ثورة منبلجة الوضوح ، تحمَّل المتاعبَ والسجونَ وبذل الغالي والنفيس في سبيل بلاده ، وقد ظهر هذا البذل في أدب هذا الجيل فقد قال القاضي عبدالرحمن الإرياني يشكو أولاد الإمام:
إنما الظلم في المعاد ظلام وهو للملك معول هدام
كم عروشٍ قد قوض الظلم واســــ تف وكم دمرت به الأيام
إلى أن يقول
أنصف الناس من بنيك وإلا
أنصفتهم من بعدك الأيام
ويقول الشاعر إبراهيم الحضراني :
كم تعذبت في سبيل بلادي
وتعرضت للحمام مرارا
وأنا اليوم في سبيل بلادي
أبذل الروح راضياً مختارا
وقال الشاعر الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح
سلمت أياديهم بُنات الفجر عشاق الكرامة : الباذلين نفوسهم لله في ليل القيامة
وضعوا الرؤوس على الأكف ومزقوا وجه الإمامة : صنعوا ضحى سبتمبر الغالي لنهضتنا علامة
ويقول في قصيدة أخرى يتحدث فيها عن صنعاء وهي جزء من كل اليمن
للحب فوق رمالها طلل
من حولها نبكي ونحتفل
من أجلها تصفو مودتنا
ولحبها نشقى ونقتتل
فأنا على حبي وفي خجل
روحي إلى عينيك تبتهل
هذا الجيل قاد القرار السياسي في البلد ، وقاوم الظلم والطغيان وعاش حياة بائسة ، ولم يستطع الانتهازي أن يجد منفذا يمرق فيه إلى السلطوي ، ساعد في هذا وجود سلطة مثقفة تنتمي أو تقترب من هذا الوسط المعرفي ، ناهيك أن شخصية الأديب كانت المُقَدَمَةُ على غيرها في الوسط الاجتماعي.
2ـ الجيل الثاني يبدأ من عام 1970ـ 1990م ويمثله على سبيل المثال لا الحصر: الأساتذة : عبد الباري طاهر، عبدالودود سيف ، عبدالكريم الرازحي ، عبدالرحمن فخري ، رمزية الارياني ، حسن الشرفي، فاطمة العشبي ، زهرة رحمة الله ، اسماعيل الوريث ، عباس الديلمي ، عبداللطيف الربيع ،هشام علي، ميفع عبدالرحمن ، عبدالله باكدادة ، عبدالرحمن قاضي ، شوقي شايف ، شوقي شفيق ، (فارس السقاف ،أحمد الحبيشي، أحمد العواضي ، أحمد الخوربي ، أحمد الشرعبي ، أحمد الصوفي ، عبده بورجي ، علي الشاطر) وغيرهم. في هذا الجيل هناك من الشخصيات من ينتمي لجيل الرواد ، والقارئ اللبيب يعرف أسماؤهم ، لكن أيضاً من هذا الجيل بدأت انامل الانتهازي تتسلل إلى الحاكم غير الواعي والقارئ يعرفهم أيضاً ، وبدأ شيخ الدين السياسي يصور للحاكم زندقة الأديب وفسوقه لأنه يعرف أن أفكاره الهدامة لن تنطلي على الشعوب إلاَّ في غياب صوت المثقف وأفكاره ، ذلك لأنه ـ أي الأديب ـ هو الأيقونة الوحيدة التي ستفسد بضاعة ذلك الشيخ لدى الحاكم والشعب ، ومن ثمَّ بدأ السياسي ينظر إلى الأديب نظرة تكفيرية ونظرة مادية صورها له هذان العنصران الانتهازيان ، لأنه وجدهما آلة لجلب المال وبهما زُيَّفت صورة المثقف ونقل صورة سيئة عن الكاتب بأنه ألة صوتية تستطيع توجيهها بالمال ، وبالتقرب إليها ، إلى جانب النظرة التكفيرية التي صورها له شيخ الدين ، في ذات الوقت الذي توارى الكاتب وبدأت تبرز شخصيات أخرى في الوسط الاجتماعي والسياسي ، ممثلة بشخصية الشيخ بشقيه الديني والقبلي والضابط ، اللتان ستطغيان على الجيل الثالث من الأدباء ، وهذا لا يعني إن هذا الجيل كله قد درج مدرج الحاكم بل كان من هذا الجيل من وقف على طرفي نقيض من الحاكم وزج بهم في السجون وعُذبوا ليدرجوا في مدارجه ، لكنه لم يستطع تحقيق ما أراد .
3ـ الجيل الثالث يبدأ من عام 1990م ـ …. ، ويمثله على سبيل المثال أيضاً : علي المقري ، وجدي الأهدل ، سمير عبدالفتاح ، خالد الرويشان ، د.ابتسام المتوكل ، محمد الغربي عمران ، د. نادية الكوكباني ، عبدالله عباس الارياني ، هدى أبلان ، الحارث بن الفضل الشميري ، هدى العطاس ، نبيلة الزبير، بشرى المقطري ، يحيى الحمادي ، عبدالناصر مجلي (طه الجند ، محمد الحاضري ، د.عادل الشجاع ، د.عبدالسلام الكبسي ، محي الدين جرمة ، منير طلال ، محمد القعود) ، ياسر عبدالباقي ، بسام شمس الدين ، عبدالرحمن مراد أحمد زين وغيرهم. هذا الجيل لم يستطع الوصول إلى جمهوره ، ولم يقترب منه ، لأنه ـ في رأيي ـ انكفأ على نفسه ولم يحاول إيصال صوته إلى الحاكم ، وترك للأديب الانتهازي وشيوخ الدين السياسي والقبلي أن يفعلا فعلهما في تشويه صورته لدى الحاكم ، أضف إلى ذلك الأديب الانتهازي الذي لم يعرف الحاكم غيره .
إذن هل نستطيع بدءا من الآن أن نؤسس لمقاومة ثقافية تتصدر المشهد السياسي ويكون للأديب بمؤسساته دور في صناعة القرار الذي يحدد مصير البلاد؟ أم سنظل في برجنا العاجي ومدنيتنا الفائضة التي لم ولن تكون إلا وبالاً على البلد والشعب عامة والمثقف بوجه خاص ، وما العدوان الذي تقوم به السعودية وحلفاؤها اليوم إلا نتيجة لغياب ذلك الدور للمثقف ، إذ صنع هذا الغياب حكَّاماً غير وطنيين يرهنون شعوبهم للغير من أجل بقائهم على رأس السلطة ، أو لحفنة مالٍ يبغونها ، وقد أفصح بذلك الشاعر الكبير عبدالله البردوني ، من الجيل الأول حين قال :
أمير النَّفط نحنُ يداك
نحن أحدُّ أنيابك
ونحن القادة العطشى
إلى فضلات أكوابك
ومسؤولونَ في (صنعاء)
وفراشون في بابك
لقد جئنا نجرُّ الشعب
في أعتاب أعتابك
ونأتي كُلَّ ما تهوى
نُمسحُ نعل حجابك
فمُرْنا كيفما شاءت
نوايا ليل سردابك
نعم يا سيِّد الأذنابِ
إنَّا خير أذنابك
لكن هل قال الجيل الثالث مثلما قال البردوني ؟
ثانيا: دور المؤسسات الثقافية
تظل المؤسسات الثقافية هي الأجدر بحمل الرسالة الثقافية وتنميتها للتصدي لأي عدوانٍ على الهوية الثقافية والتراث الثقافي ، بما في ذلك التصدي لعدوان الحرب ، ولكن هل كانت المؤسسة الثقافية بحالتها اليوم جديرة بحمل هذه المهمة ؟ هذا ما سنناقشه في هذا المحور من الورقة ، وما هي الإشكالات التي طوت الوهج الثقافي الذي رافق المؤسسة الثقافية في بداياتها ؟.
يعد اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين هو المؤسسة الرائدة في اليمن إذ ولد موحداً وعمل بكل قوة على تعجيل قيام الوحدة اليمنية ، وكان الاتحاد هو المؤسسة الثقافية الوحيدة التي عملت على التنمية الثقافية ، وقادة السياسي وجعلته يسير بسياسة البلد في الطريق القويم ، وفق سياسة متأنية غير متسرعة ، يستمد مشورته من المثقف، وكان ذلك قبل الوحدة ، حين كان المثقف الذي يقود الاتحاد هو الجاوي ، والبردوني ، والربادي ، وأحمد قاسم دماج و محمد هيثم و… الخ ، وحين تنازعته التيارات السياسية أفسدته ، وعمل قادة الإتحاد لصالح أحزابهم وليس لصالح الأديب ، أو العمل النقابي وفق أهداف الاتحاد التي تنص على :
ـ الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان وفقاً للمواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان .
ـ مواجهة الاتجاهات والنزعات الطائفية والانفصالية والقبلية والعرقية .
ـ الدفاع عن الحقوق العامة للمجتمع إسهاماً في خلق مجتمع مدني .
ـ الدفاع عن القضايا القومية والإنسانية ومواجهة كل أشكال الهيمنة والارتهان الثقافي والفكري ومقاومة كل مظاهر التطبيع مع العدو الصهيوني .
كانت مؤسسة العفيف الثقافية هي المؤسسة الجماهيرية الوحيدة في المحافظات الشمالية من الجمهورية اليمنية ، قبل قيام الوحدة ، وعملت بكل جهد لأجل تنمية المجتمع ثقافياً ، وقامت بدور تنويري في أوساط الشباب يشهد لها حتى اليوم ، وتتلمذ عدد غير قليل من الشعراء والسرّاد في هذه المؤسسة في بداية عملهم الإبداعي ، وفي نهاية القرن الماضي وتحديداً في عقد التسعينات بدأت المؤسسات الثقافية بالظهور ففي عام 1990م انبثقت عن طاولة مكتبة كلية الآداب بجامعة صنعاء فكرة إقامة كيان يجمع كتاب السرد ، تواضع الكتَّاب فيما بعد على تسميته بــ( نادي القصة إل مقه) ، وندَّعي في نادي القصة أنه يبذل جهداً طيباً في المجال السردي ، وظهر من خلاله عدد من كتاب القصة والرواية ، وطبع عدداً من نتاجهم الإبداعية ، بالإضافة إلى الدور التنويري الذي كان من أهم أهدافه ، وقد عمل النادي ويعمل في أحلك الظروف ، ففي عام2011م إبان الأزمة السياسية كان يقيم النادي فعالياته تحت زخات القذائف وبدون توقف ، وفي هذه الأيام يقيم النادي فعالياته تحت القصف السعودي ، ونعد ذلك مقاومة للعدوان وإصراراً على محاربة القبح بالجمال . وظهرت أيضاً في نفس الفترة مؤسسة سمِّيت بـ (الحلقة الثقافية ) كان يديرها أحد الهولنديين المقيمين في صنعاء ، وكان ضمن نشاطها شراء اللوحات التشكيلية من رساميها وبيعها في أوروبا، في نفس الوقت الذي كان الرسامون يبحثون عن قيمة الألوان ، تتالت بعدها ظهور المؤسسات فظهر : المركز الصحي الثقافي ، وكان يقوم ـ كما قال صاحبه ـ بالكشف على الأدباء المرضى مجاناً ، كان يرأسه الدكتور نزار غانم .
كما ظهرت مؤسسة السعيد في تعز عام 1996م ، وعملت في المجال الإبداعي والبحث العلمي ، وخصصت عدة جوائز في علوم مختلفة من أجل تلك التنمية الثقافية والعلمية ، ومن المهم أن نعرف أن الدور الذي تنهض به المؤسسات الثقافية يختلف ويتفاوت ، وعلى المثقف أن يخرج من حالة النكوص التي أدركت الكثير منهم لأسباب مختلفة ، وأن يدركوا جيداً أن من المستحيل انتظار هبة سماوية تهبط عليهم من السماء حتى تخرجهم من حالة النكوص هذه إلى رحاب الأفق الأوسع والأرحب وتحول حياتهم بين ليلة وضحاها إلى مدينة فاضلة . إذا لم يجدِّوا ويعملوا بإصرار وعزيمة منطلقين من قول الشاعر :
وما نيل المطالب بالتمني : ولكن تُؤخذ الدنيا غلابا.
وعقب حرب عام 1994م ،أنشأ الدكتور/عبدوالولي الشميري مؤسسة الإبداع ، وعمل على إصدار عدد من الكتب ، وأقام فيها ندوات ومحاضرات ، وقد ارتادها عدد كبير من الأدباء والكتاب ، وكان لوجود الشاعر الحارث بن الفضل ، والأستاذ عبد السلام عثمان في المؤسسة دور في جلب عدد من الأدباء ، والمثقفين إليها ، وإحياء انشطتها الثقافية . ثم تتالى ظهور المنتديات الثقافية وخاصة بعد عام 2004م حيث كانت صنعاء عاصمة للثقافة العربية ، ومنها : منتدى العُمري في تهامة ، و بيت الموسيقى في صنعاء ، وبيت الموروث الشعبي ، وبيت الشعر ، وبيوت الفن في المحافظات ، والمنظمة اليمنية للثقافة ، لكن كل ذلك لم يستطع الصمود وتوصيل فكره إلى الشباب ومحاولة استقطابه بسبب غياب الرافعة السياسية لتوجه الدولة ، وفي نفس الوقت لم يستطع ، أن يقاوم المد السلفي التكفيري الذي عملت جارتنا على توطينه في بلادنا ، وتحت مظلة الحاكم اليمني ومباركته ، ورفده بكل وسائل التمكن والسيطرة على استقطاب الشباب والدفع بهم إلى محارق الموت تحت ذريعة الجهاد ، ودخول الجنة ، ويؤرخ المتخصصون في دراسات الجماعات الإرهابية أن نواة الإرهاب الإسلامي تكونت في افغانستان إبان الحرب الأمريكية الروسية ، في افغانستان والتي تبنت جارة السوء ومن دار في فلكها تجنيد مئات الشباب العربي للجهاد في سبيل أمريكا آن ذاك ، والدفع بهم لمحاربة المد الاشتراكي ، وقد تجند عدد من المرتزقة ممن يسمونهم شيوخ الإسلام ، الذين دفعوا بالشباب تحت تأثير أفيون الشعوب ، ومن أجل مقاومة تلك الحروب الفكرية ، على المثقف والمؤسسة الثقافية أن ينهضا بدورهما وأن يخرج المثقف الفرد والمؤسسة الثقافية من برجهما العاجي ، ومدنينتهما الفاضلة إلى ميدان المواجهه الثقافية ، كما تخرج علينا تلك التنظيمات الفكرية المتطرفة بالتكفير والتجريم ، وكأنها ناطقة باسم الله التي هي أبعد مَنْ تكون عنه .
Next Post