وائل شرحة
بينما يسارع الآخرون بالفرار من الموقع أو الحي المستهدف بغارات العدوان السعودي.. يتوجه مساعد أول توفيق أحمد سلام بعربة ورجال الإطفاء إلى حيث تكون النجاة معجزة، من المكان الذي شاهد فيه الموت حتى ألفه.
يقول سلام سائق عربة الإطفاء برئاسة مصلحة الدفاع المدني” نتحرك فور تلقينا توجيهات غرفة العمليات لإخماد الحرائق الناجمة عن قصف العدوان.. وهناك شاهدنا الموت مرات عديدة”.
بينما رجال الإطفاء يخمدون الحرائق في الأماكن المستهدفة من قبل العدوان ويعاود العدو إرسال صواريخه وقنابله على المكان ذاته.. إلا أنها تقابل رجالا ألفوا الموت في مشوار طويل من خدمة هذا الوطن.
سلام جرح الأسبوع الماضي ومعه اثنا عشر فرداً إطفاء أثناء إخمادهم حريقاً نشب إزاء استهداف محطة غاز بمنطقة عصر أمانة العاصمة.. حيث شنت طائرات العدوان غارة ثانية بعد ما يقارب ساعة من الغارة الأولى على البيت المجاور للمحطة والذي كان بجواره رجال الإخماد.
لم تكن تلك المرة الأولى التي يعاود العدوان استهداف موقع أو حي بغارات متتالية، وأثناء تواجد رجال الدفاع المدني بحسب سلام.
يؤكد سلام “أن الدفاع المدني يواجه ضغوطات كبيرة ولم يمر بها من حيث التحركات والحرائق، من قبل إعلان السعودية عدوانها في الـ26 من مارس 2015م”.
عديدون من يكنون الحب لسلام ويحرصون على حياته ووجهوا له نصائح كثيره مضمونها “لا تضحي بحياتك ارقد لك في منزلك فأطفالك بحاجة لك” إلا أن سلام يرد عليهم “ليست حياتي أغلى ممن يذهبون ضحايا للقصف؛ ففي كل مرة نخمد فيها نيراناً وننقذ بإطفائها عشرات الأبرياء، يكتب الله لنا عمراً جديداً، هكذا أعتقد أنا” قال سلام.
يتابع سلام “الظروف التي يمر بها الوطن في ظل العدوان الغاشم تستدعي مني ومعي كافة رجال الإطفاء بذل المزيد من الجهود والتضحيات لبلدنا”.
يصف سلام الحالة النفسية التي تصاحبهم أثناء توجههم وتواجدهم بموقع الحريق “تعودنا على معاودة الغارات من قبل العدوان على المواقع ذاتها أثناء إخمادنا الحرائق.. وأصبح الأمر مألوفاً بالنسبة لي بعد أول استهداف لنا في أول شهر للعدوان”.
“سلام” يحدق في أعين زوجته وأطفاله الأربعة كل يوم يتوجه فيه نحو العمل.. ويقول لنفسه “ربما سأعود إليك، وربما لن تجدوا من جسدي إلا أشلاء..”.
لم يكن سلام وحده الجريح في هذا الجريمة، وإنما بجانبه 12 فردا من رجال الإطفاء والإنقاذ.. وليس هؤلاء وحدهم من لحقت بأجسادهم أضرار خلال تأديتهم واجبهم الوطني في مكافحة أثار العدوان.. إذ بلغ عدد أفراد الدفاع المدني الذين أصيبوا وهم في مهمة إطفاء مواقع وأحياء تعرضت للقصف، نحو “46” فرداً مصاباً، وشهيدا من أفراد الدفاع بمحافظة لحج بسبب القصف.
تواجه مصلحة الدفاع المدني وفروعها بعموم محافظات الجمهورية صعوبات جمة في مواجهة ومكافحة نتائج وآثار العدوان أبرزها “شحة الإمكانيات البشرية والفنية، كثافة الغارات على أكثر من مكان وحي في وقت واحد” بحسب رئيس اللجنة العليا للطوارئ وإدارة الأزمات – القائم بأعمال رئيس مصلحة الدفاع المدني العميد عبدالكريم معياد.
يقول العميد عبدالكريم معياد إن عدد أفراد الدفاع المدني بعموم المحافظات لا يتجاوزون الألف ضابط وفرد وصف، و70 عربة ووايتاً ورافعة، منها 24 عربة تم إعطابها وتعطيلها.. 15 دمرت نهائيا و5 تمت صيانتها و4 ما تزال تحت الصيانة.
يضيف العميد معياد “رئاسة المصلحة وفرعها بأمانة العاصمة تخمد الحرائق الناتجة عن القصف الغاشم بما يقارب 200 فرد وضابط و16 عربة.. وهذه الإمكانيات ليس شيئاً أمام ما تشاهده وتعيشه العاصمة بشكل يومي ومستمر من قصف واستهداف لمواقع وأماكن مختلفة”.
وأشار معياد إلى أن وزير الداخلية منح أبطال الدفاع المدني المصابين، ترقيتين ومبالغ مالية مكافأة لتضحياتهم الكبير التي قدموها في خدمة الوطن.
مثل هؤلاء الأبطال يجب أن يكرموا ويدعموا… فما يقومون به ليس ببسيط ويعجز الكثير عن القيام به لا سيما في ظل مخاطر وموت ينتظرهم.
وفي ظل العدوان الذي تواجهه اليمن وما يتعرض له الوطن بشكل عام، يتطلب من رجال الدفاع المدني بذل المزيد والمزيد من التضحيات والعمل في سبيل الحد من الأضرار والخسائر التي يخلفها القصف.
مصلحة الدفاع المدني والضغوطات التي تواجهها بإمكانات شحيحة، يستدعي تحركاً جاداً وسريعاً وفعالاً من قبل المنظمات الدولية والعالم بمدها بالإمكانيات والآليات وكل الأدوات التي تساعدها على القضاء أو الحد من مخلفات الحرائق والقصف.