استطلاع / محمد مطير
“دونما شك انتظر اليمنيون أن يُسْفِر مؤتمر جنيف2 عن هدنة إنسانية بات المواطنون في أمس الحاجة إليها، بعد خراب اليمن على يد العدوان السعودي الأمريكي والدمار الواسع الذي لحق بالمنازل والمؤسسات العامة والخاصة والمطارات المدنية والعسكرية والبنى التحتية والمرافق العامة والخدمات الصحية، وفقدان الغذاء والدواء والماء، على نحو بات اغلب اليمنيين فيه يواجهون حالاً من المجاعة «الشديدة» وفق تقارير المنظمات الإنسانية الدولية وخصوصاً الأمم المتحدة”.
غير أن الآمال تضاءلت إن لم تكن تلاشت تماما في ظل بقاء الأمم المتحدة في خانة الفرجة والتواطؤ مع دولة العدوان وتوفير الغطاء السياسي الدولي لها، بدلا عن اتخاذ قرار حاسم بوقف الحرب في اليمن.. وهو القرار الذي تتوفر له كل المعطيات المنطقية دوليا وإنسانيا..لكن يبقى السؤال المهم: هل ننتظر حتى 15 يناير من العام الجديد 2016م حتى تجسر الهوة الموجودة بين المتحاورين لتهيئة الأجواء والمناخات الملائمة وصولا إلى وثيقة مبادئ تكون قابلة لبناء حل عليها يعيد قطار السلام إلى سكته الحقيقية..
أسئلة كثيرة طرحناها على سياسيين وأكاديميين تتعلق بنتائج جنيف 2 وهذه الحصيلة :
كانت البداية مع الكاتب السياسي الدكتور يوسف الحاضري الذي أوضح أن تأجيل جنيف2 يعكس أكذوبة الأمم المتحدة في سعيها لحل القضية برمتها وإلا كانت اتخذت قرارا أمميا ضد من عرقل التسوية.
لكن الدكتور الحاضري يرى في تلك العرقلة المتعمدة هدفا من أهداف العدوان السعودي الأمريكي الذي يظن أن منتصف يناير سيأتي وقد أسقطوا صنعاء واحتلوا كامل الشريط الغربي البحري لليمن.
مؤكدا أن العدوان السعودي الأمريكي لا يسعى بأي شكل من الأشكال إلى إنهاء عدوانه على اليمن قبل تحقيق كل أهدافه التي أنفق عليها حتى اليوم مئات المليارات من الدولارات.. العدوان الذي هدف من أول يوم إلى قتل وتدمير الشعب اليمني.
وأضاف : لن يسعى العدوان لأن ينهي هذه الأهداف بمفاوضات على الإطلاق حتى وإن سمح لمرتزقته الذين لجأوا إليه مباركين عدوانه على أهاليهم في اليمن.. ولم يكن إيعازه للمرتزقة للذهاب للتفاوض إلا لكسب الوقت تارة ولتشتيت التوجه الإعلامي الوطني تارة أخرى من خلال كسب مساحة من إعلامه للحديث عن المفاوضات وأيضا للتأثير على نفسية الإنسان اليمني سواء المقاتل في الجبهات أو المقاتل في وظيفته أو بيته أو في أي بقعة من بقاع اليمن الطاهر ظنا منهم أن إعلانا مسبقا لجنيف بأن هناك هدنة سيسعد الإنسان اليمني سعادة غامرة ومتى ما وجد عكس ذلك سيصيبه الإحباط وستكون هناك ردة فعل انعكاسية تؤدي إلى ضعف ووهن يستطيع من خلاله العدوان السعودي الأمريكي كسب معارك في جبهات اليمن .
ويخلص إلى القول : تأجيل جنيف 2 دليل إثبات على أن الأمم المتحدة ومبعوثها الأممي مجرد سمسار خاضع للسعودية وأمريكا.. وبأن مال آل سعود قادر على نسف كل المبادئ التي قامت عليها الأمم المتحدة ومن يدور في فلكها .. لأن الأمم المتحدة مجرد أكذوبة .. لذا لا تراهنوا على من قتل اليمنيين منذ تسعة أشهر وبشكل جنوني هستيري ولا على من قبض الثمن مقدما للصمت عن هذه الممارسات والبقاء فقط على الاعتماد على الله وحده والعمل الجاد في ميادين الشرف والعزة والكرامة.
عازف مأجور
بنبرة أسف استهل الدكتور أحمد صالح النهمي -جامعة ذمار- حديثه قائلاً : (للأسف الشديد لا زال القرار الأممي يمشي على إيقاع بورصة النفط السعودي الخليجي، وبالتالي فقد انتهت جولة المفاوضات دون أن تستطيع الأمم المتحدة ترجمة وقف إطلاق النار على الميدان مكتفية بتأجيل المفاوضات وضرب موعد جديد لها منتصف الشهر القادم).
موضحا أن قوى العدوان وبالتنسيق مع مرتزقة الداخل قد سعت إلى إفشال قرار وقف إطلاق النار من خلال تصعيد العمليات العسكرية على أعلى المستويات بشن غارات جوية مكثفة على أكثر من منطقة يمنية لأن المملكة ومن يدور في فلكها من تحالف في الخارج ومرتزقة في الداخل يرون أن انتهاء الحرب بهذه الصورة ودخول اليمنيين في تسوية سياسية تفضي إلى شراكة حقيقية في السلطة لا يعني سوى أنها قد خرجت من عدوانها على اليمن منهزمة ومنكسرة، وأن وصايتها على القرار اليمني قد غادر بلا رجعة لا سيما في ظل وجود طرفي (المؤتمر وأنصار الله) ضمن التسوية الجديدة.
وبقراءة فاحصة يرى أن المملكة تحلم بانتصارها في اليمن من خلال سحق طرفي المؤتمر وأنصار الله وبالتالي استحقاقها الكامل للملف اليمني واختصاصها بتشكيل التسوية الجديدة بما يخدم أهدافها ويحقق أجندتها في المنطقة التي تتماهى مع أهداف القوى الاستعمارية وأجندتها.
مؤكدا أن المفاوض اليمني القادم من دول العدوان لم يكن سوى عازف مأجور يغني على اللحن الذي تحدده له هذه الدول, كما في المثل الانجليزي: “من يدفع أجر العازف هو الذي يحدد اللحن”، فهو لا يمتلك حريته في المفاوضات إلا في حدود ضيقة وتحت سقف محدود وخط مرسوم يجعل تحقيق مصالحها وخدمة أجندتها مقدما على كل شيء حتى على المصلحة العليا للوطن.
وتابع : وحتى تتأكد دول العدوان من التزام الوفد اليمني القادم من عواصمها من السير على إيقاع الحركة المرسومة له من قبلها فقد بعثت بسفرائها ودبلوماسييها لمرافقته في جولة المفاوضات، وبالتالي فقد تركزت طروحاته في قضايا محدودة لا تتجاوز المفاوضة على إطلاق الخمسة الأسرى وفك الحصار عن جغرافية محدودة في محافظة تعز.
مسلوبة القرار
على ذات المنوال توقع الدكتور خالد المطري -جامعة صنعاء- ما سيؤول إليه جنيف 2 ابتداء : (لقد توقعت بفشل جنيف2 قبل أن يبدأ, وبأنه لن يصل إلى النتيجة المرجوة من انعقاده نتيجة لأن الطرف المرهون للسعودية والتحالف ليس مؤهلا للتفاوض الحر لكون القرار بيد الطرف الإقليمي والدولي الخارجي بخلاف المكونات الداخلية المقاومة للعدوان التي وان تباينت الآراء فيما بينها حول بعض القضايا إلا أنها موحدة الإرادة والرؤيا في عمليه التفاوض.
نقطة أخرى يلفت إليها الدكتور المطري بالقول : الجهة المتولية لعمليه التفاوض هي الأخرى مسلوبة القرار والإرادة كما هو حال الطرف الخاضع لسيطرة قوى العدوان وبالتالي فان الأمر سيظل على حاله إلى أن تجبر المتغيرات والتطورات على الأرض السعودية وتابعيها والقوى الدولية الداعمة لهذا العدوان على التفاوض الجدي .. وهذا الأمر هو السبب الرئيس لتعدد جولات التفاوض وتحديد جولة جديدة بعد أخرى.
المفاوضات أداة
من جهته أكد الخبير في العلاقات الدولية الدكتور عادل الحوشبي أن ما حدث في جنيف2 دليل إثبات على أن العدو السعودي يريد أن يفرض هيمنته ووصايته على أي حلول لإيقاف العدوان وفك الحصار وإيجاد تسوية سياسية شاملة بين الأطراف اليمنية .. ولكن آمال ورغبات العدو سترد خائبة من قبل الجيش واللجان الشعبية الذين يصدرون أروع الملاحم البطولية ويقفون بالمرصاد لتحالف العدوان ومرتزقته وعملائه.
مبينا أن السعودية تستخدم المباحثات اليمنية/اليمنية كغطاء للتصعيد والزج بالعملاء والمرتزقة المحليين والأجانب لتحقيق مكاسب على الأرض، وهذا ليس بجديد فقد تكررت عمليات الخداع والتضليل أكثر من مرة.. وأن السعودية وتحالفها ليس له رغبة جادة في الوقت الراهن لإنجاح أي مفاوضات أو مباحثات، بل على العكس يخطط ويستخدم المفاوضات كأداة من أدواته العدوانية على اليمن، فتوقيت المفاوضات مثلا جهزوا وخططوا له أن يكون فرصة لتحقيق مكاسب على الأرض هنا أو هناك, منبهاً القوى الوطنية إلى أهمية فهم حقيقة العدو وما يفكر به باعتبار أنه كما ثبت متغطرس ليس لديه أي أخلاق أو قيم ، يظهر الإيمان ويبطن الكفر ودولة تخدم كل ما له صلة بأعداء الإسلام والعروبة، وسوف تستخدم كل الأساليب القذرة لتحقيق مخططاتها وليس غريبا أن لا تلتزم بالعهود والأعراف والمواثيق والقوانين والقواعد الدولية المعمول بها، فهذه الدولة بالأساس باطلة بنيت على باطل وعلى سفك الدماء، وليس لديها أي اعتبار للشعوب وعلاقات الأخوة وحسن الجوار، فتعتبر المواطن أي مواطن في أي مكان عبارة عن رقم في أحسن الأحوال يعكس بالريال السعودي.. وبأن ولد الشيخ -مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن- أداة من أدوات العدوان ووكيل وممثل السعودية إلى المفاوضات وطرفا في النزاع وليس وسيطا نزيها ، وهذا يتضح من خلال سلوكه وتعامله مع اليمن والمهام والدور الذي يؤديه لصالح تحالف السعودية.
ويدلل على طرحه بما يصفه بالانحياز والمماطلة والعرقلة والتعتيم والتطويل والتضييق وعدم الاعتراف بوجود عدوان وعدم إرسال لجان للتحقيق وتقصي الحقائق عن الجرائم المرتكبة من قبل تحالف العدوان وأدواته ودعوته لهدنة لا يلتزم بها وهذا دليل آخر على عدم أهليته لمنصبه.. لأن موقف الأمم المتحدة موقف متخاذل ومتحيز وغير أخلاقي وغير شرعي وقانوني، وقد فقدت مصداقيتها وأهليتها ودورها في تعزيز الاستقرار والسلم العالمي.
شهوة القتل
من جانبه أكد الدكتور عبد الوهاب الوشلي -مساعد رئيس جامعة صنعاء لشؤن المراكز العلمية- على أن ما جرى في جنيف2 يؤكد مجددا رغبة الطرف اليمني في السلام والتعايش رغم تفوقه وسيطرته على الأرض.. وأن الطرف الآخر الذي سيطرت عليه شهوة قتل الأطفال والنساء والمدنيين بكل الوسائل دول العدوان التي تتوارى خلف المرتزقة والعملاء الذين باعوا أنفسهم ووطنهم بثمن بخس لا ينفذون سوى رغبة المعتدين الذين يعرقلون كل حل سياسي.
ويتفق مع كثيرين حول موقف الأمم المتحدة المخزي ويؤكد ارتهان القرار الأممي للصهيونية العالمية التي عاثت في الأرض فسادا لكن سيحاسب التاريخ والشعوب الحرة هذه القيادات لدول العدوان وقادة المؤسسة الدولية على هذا التواطؤ ضد شعب مسالم يحب الخير للعالم أجمع.
علينا الاستعداد
وبرؤية تحليلية عميقة يرى المحلل السياسي معاذ اليافعي (أن تأجيل جنيف له جانبين, الأول: ميداني ويعني أن العدو السعودي يرمي بكل أوراقه وفي لحظاته الأخيرة وسيعمل كل ما بوسعه لتحقيق انتصار.. ولو كاذب ويبدو أن القادم سيكون أعنف وعلينا الاستعداد للمعركة الأخيرة والحاسمة. الثاني: سياسي فتأجيل جنيف يثبت جليا تورط الأمم المتحدة في عدوانها على اليمن من خلال منح العدو مزيدا من الوقت, وأكد أن العدو يسعى لإفشال أي تقارب سياسي بين اليمنيين لأنه يريد يمناً ممزقا غير مستقر وضعيف تستمر فيه الصراعات المسلحة بين أبنائه تحت غطاء ديني وطائفي ودواعي واهية نسجتها خيالاتهم ولا تمس الواقع بشيء. بغرض إذلال وتركيع الأمة وسلب مقدراتها وتدمير مخزونها البشري والإقتصادي وهو ما نجده ملموسا من خلال عدوانهم المباشر أو بدعم مرتزقتهم وأذنابهم بالمال المدنس والسلاح الفتاك.
متابعاً بالقول : (لن نبالغ أبداً إن قلنا أن الخلاف بيننا هٌم من أسسه وعمقه..وأذكى منابعه على مستوى الساسة ولكنه ولله الحمد يكاد يكون معدوما أو أقل حدة في أوساط المجتمع).
وحول الهدنة المفترضة قال معلقا : لا توجد هدنة منذ البداية.. هي كانت فخ أستخدمه الأعداء ومرتزقتهم بغرض تضليل الرأي العالمي والداخلي..واستغلال شهامة وأخلاق المقاتل اليمني في الالتزام بمواثيق متفق عليها.. لإعادة ترتيب أوضاع المرتزقة ومليشياتهم في الداخل.. والأهم من ذلك تنفيذ المخطط الكبير ألا وهو احتلال الشريط الساحلي الممتد من أقصى الشمال حتى باب المندب جنوبا وفق خطة عسكرية كانت تتضمن أكبر عملية إنزال بحري في العصر الحديث والتي أفشلت بفضل الله من قبل جنودنا الأبطال واللجان الشعبية إضافة إلى توالي ضربات شعب الجن وباب المندب وضربات حرض, والتي واكب زمنها زمن عقد جلسات جنيف وإعلان الهدنة الوهمية.
وأضاف : (يكفينا فخرا أن اليمن عرى حقيقة الأمم المتحدة ومجالسها أمام العالم وأنهم مجموعة موظفين ينفذون سياسات دول العدوان وهذا ما يفسر مواقفهم السلبية منذ اليوم الأول للعدوان والتي لم تقف حتى موقف المحايد في أسوأ حالاتها.. هم في الأخير يعملون على منح العدوان مزيدا من الوقت لقتل الأبرياء وتدمير مقدرات الأمة بعد أن منحوهم سابقاً الغطاء الشرعي).
وختم اليافعي بالقول : السعودية وتحالف العدوان هم ولا سواهم من سيدفعون ثمن هذا الجرم ولا أظن أن حلم وصبر اليمنيين سيطول في حالة تكرار إجهاض فرص السلام ..هم بذلك يجبروننا على خيار اللاعودة والذي ستكون عواقبه وخيمة ومدمرة ليس فقط على آل سعود بل وعلى مصالح كل الدول الإقليمية في المنطقة..والتي شاركت بالعدوان بشكل أو بآخر, لكننا نثق كثيراً بجيشنا الوطني ولجاننا الشعبية وقياداتنا الحكيمة وبشعبنا العظيم في كل شبر من أرض اليمن دون تمييز.. أما نحن فلم يعد لدينا ما نخسره ولن نتردد عن تقديم كل ما لدينا في سبيل عزتنا وكرامتنا واستعادة قرارنا والدفاع عن وجودنا.