مولد البشارة .. و ميلاد المبشر

علي أحمد جاحز
في النادر تتزامن ذكرى مولد سيد الخلق وحبيب الخالق محمد صلوات الله عليه و آله بشارة الله الكبرى التي كان الأنبياء يبشرون بها البشرية قبله ، مع ذكرى ميلاد البشير السيد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام الذي أرسله الله حاملا للبشارة بمجيء النبي العربي « أحمد « بعده كجزء أساسي من رسالته.
لعلنا نعيش هذه الأيام لحظات ذلك الحدث النادر ، الذي لا يتأتى بحسب التقويم الميلادي إلا كل 33 عاما ، وهو تزامن عظيم قد يحمل دلالات عظيمة و كبيرة تضع الكثير من النقاط على الحروف و ترد على مزاعم و مغالطات كثيرة بخصوص أهمية الاحتفال من جهة و بخصوص مشروعيته من جهة أخرى ، سيما في ظل ظهور أصوات معترضة على الاحتفال وأهميته إما بحجج شرعية أو بحجج حداثية وتقدمية إن صح التعبير .
وفي كل الأحوال بالإمكان الانطلاق من تزامن المناسبتين « مولد البشارة سيدنا محمد صلوات الله عليه و آله « و « ميلاد البشير سيدنا المسيح عيسى عليه السلام « ، ومن تاريخ الاحتفال بهاتين المناسبتين و دلالات ذلك في الثقافتين الإسلامية و المسيحية .
دعونا نبدأ بالاحتفال بميلاد المسيح ، وهو حدث كبير يحتفى به كل عام منذ مئات السنين في المجتمعات الغربية و الشرقية ، لدرجة ان الاحتفال به أصبح طقسا سنويا يمارسه المتدينون أو اللادينيون ، وله أصوله الدينية بكل تأكيد في ثقافة المسيحية التي تنطلق من قدسية ميلاد المسيح و قدسية البشارة التي يحملها كركن أساسي ضمن رسالته السماوية وهي ميلاد نبي آخر الزمان سيدنا محمد صلوات الله عليه و آله.
وهنا نستطيع أن نقول أن الثقافة المسيحية حين كرست الاحتفال بميلاد المسيح و جعلته عيدا سنويا كانت تستند في الأصل إلى إدراك ووعي بأهمية حادثة ميلاد المسيح و رسالته التي يحملها  ومعانيها و دلالاتها كونها تستحق أن تكون مناسبة للفرح والاحتفاء و الابتهاج ، ولم يحصل أن اعترض المسيحيون على الاحتفال بعيد الميلاد باعتباره بدعة أو طقوساً رجعية ايديولوجية لا يصح أن يحتفي بها عامة الناس و تنفق لأجل الأموال .
ولأن الاحتفال بعيد الميلاد بات طقسا يحتفي به بعض المسلمين وينفقون من اجله أموالا باهظة ، فإن ذلك دليل على أن المناسبة أصبحت تقليدا عالميا ، و هو ما يعني أن الثقافة المسيحية نجحت في تكريس الفرح بميلاد حامل رسالة البشارة ، لكن ماذا عن الثقافة الإسلامية ، التي يفترض أنها صاحبة الرسالة التي بشر بها المسيح ؟ لماذا يأتي من يقول أن الاحتفال بدعة أو تخلف و رجعية ؟ .
نحن كمسلمين أجدر بأن نجعل الاحتفال بمولد بشارة الله للبشرية تقليدا سنويا يحتفل به العالم ، و أولى الناس بـأن نفرح و ننفق لنحيي هذا اليوم ، وليس حريا بنا كمسلمين ان نجعل احتفالا بمناسبة كبيرة كهذه موضع خلاف في الوقت الذي نحتفل فيه بمناسبة ميلاد المسيح ولا نعترض على من يحتفل بها و لا نمتلك الحق في الاعتراض على من يحتفل بها أصلا ، لكن من المفترض على الأقل أن نفكر بتوازن و نحن نتعاطى مع هذا الحدث وأن نقرأه من منظار سوي بعيدا عن الكيدية و المغالطة و الهروب من الحقيقة الجلية التي تكمن في أن ثمة من يسوق فكرة الاعتراض على الاحتفال لأسباب سياسية و ربما متطرفة .
وفي الواقع الذي لا احد يعترض على الاحتفال بعيد الميلاد في الثقافات العالمية ، فإن اليهود و حدهم من يتحفظ على الاحتفال بعيد الميلاد من منطلقات عقائدية و كيدية ، ويقابلهم الوهابية هنا ، حيث يحتفل كل التيارات الإسلامية ولا ترى مشكلة في الاحتفال باعتباره مناسبة عظيمة و فرحة كبرى .
وحدها الوهابية و تيارات تدعي الحداثة و التقدمية مدفوعة من الوهابية بطرق متعددة يهاجمون فكرة تكريس الاحتفال بالمولد النبوي الشريف كتقليد سنوي يستحق أن يكون عالمياً ، عبر تشويه الفكرة وتأطيرها في قوالب ضيقة لأهداف سياسية و عقائدية لا تختلف عنها في قضايا أخرى قومية و وطنية تلاقي ذات الهجوم .

قد يعجبك ايضا