في ظل عدوان فاجر وحصار خانق لم يستثنِ حتى أدوية البقاء على قيد الحياة إمعاناً في قتل اليمنيين فضلاً عن الظروف الاقتصادية الصعبة، يعاني المركز الوطني لعلاج الأورام من انحسار الدعم الحكومي ونفاد الأدوية والمحاليل المخبرية وانعدامها، وفي النتيجة يعيش ضحايا هذا المرض الخبيث أوضاعاً صحية واجتماعية سيئة ..
حال مرضى السرطان وآراء المختصين فيها ومزيد من التفاصيل نتعرف عليها في سياق الاستطلاع التالي :
تحقيق/ سارة الصعفاني
المركز الوطني لعلاج الأورام هو المركز الحكومي الوحيد في اليمن ، يقدم كل خدماته الطبية مجاناً ، بدأ العمل فيه منذ 28 سبتمبر 2004م بافتتاح قسم العلاج الكيماوي ، وفي فبراير 2005م بدأ قسم الإشعاع بخدماته العلاجية ليصدر قرار إنشاء المركز في العام 2006م، وللمركز فرعين في عدن وحضرموت ومؤخراً في سيئون ، بالإضافة إلى مراكز المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان في الحديدة وتعز وإب ، ويغذي المركز كل محافظات الجمهورية المختصة بعلاج الأورام عبر التموين الطبي في المكاتب الصحية ،ويعاني المركز الوطني لعلاج الأورام من صعوبة الحصول على الدعم الحكومي ونفاد الأدوية وانعدامها في ظل حصار خانق فرضة العدوان السعودي الأمريكي، وصعوبة انتقال المرضى من مدنهم إلى المركز الرئيس في العاصمة نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة والقصف الذي طال كل شيء.
ومعروف أن مرض السرطان من الأمراض الخطيرة التي لا تفرق بين غني وفقير نظراً لكلفته العالية وفترة علاجه الطويلة، وتصل كلفة الجرعة الواحدة كل 21 يوم إلى ثلاثة آلاف دولار ، ومنهم من بلغت كلفة علاجه 40 مليون ريال على نفقة الدولة في حين تجاوزت حالات الإصابة بالسرطان الـ 48 ألف حالة وفقاً لتقديرات مدير المركز الوطني لعلاج الأورام ، ويخضع المريض بالسرطان للعلاج الكيميائي والإشعاعي والهرموني والموجه والرعاية التلطيفية فضلاً عن الجراحة كطرق علاجية بعد أن يشخص الأطباء الحالة ويُعطى رقماً وطنياً بموجبه يحق له العلاج وأخذ الأدوية مجاناً ، ويعود المريض كل ثلاثة أشهر لمتابعة حالته الصحية، لكن الأدوية انعدمت وتعقد السفر بسبب القصف والمواجهات والظروف الاقتصادية الصعبة كما توقف العلاج بالإشعاع بعد أن تلفت قطعة في الجهاز المستخدم للإشعاع، ومنع العدوان استبدالها، ما يعني أن حياة عشرات الآلاف من مرضى السرطان في خطر ماحق .
وبحسب الأطباء لا يوجد سبب معين للإصابة بمرض السرطان ولكن هناك عوامل مساعدة تؤدي إليه كالتدخين والوراثة والمنتجات الكيماوية وطبيعة الغذاء والتلوث البيئي والتعرض لأشعة الشمس المباشرة بكثرة، والإصابة بالفيروسات مثل فيروس التهاب الكبد .
وتتعدد أنواع السرطان لكن الأكثر انتشاراً في اليمن هو سرطان الثدي حيث يأتي في المرتبة الأولى لدى النساء وسرطان الرأس والعنق بالنسبة للرجال بالإضافة إلى سرطان الرئة والدم وعنق الرحم .
تراجيديا إنسانية
أطفال في عمر الزهور شاءت الأقدار أن يصابوا بالسرطان .. نوف في السادسة من عمرها كانت تتجول برفقة ” المغذية ” وفي ملامحها البؤس والإنهاك ، بالقرب منها بسام في السادسة من عمره مصاب بمرض الليوكيميا.. تحدث جده عن معاناته في سبيل إنقاذ حياة حفيده ،ويشكو الظروف الاقتصادية الصعبة : أقضي يومي بالتنقل بين المستشفيات من الكويت لأخذ الفحوصات ومعرفة الأدوية إلى “السبعين” للحصول على الدم ثم “الجمهوري” للحصول على الأدوية المجانية ، وكثير من الأدوية اشتريها من الصيدليات بعد أن بعت أرضية ومددت يدي لأهل الخير ، ويهونها كثيراً ابني المغترب قدر استطاعته ، وما زلت غارقاً في الديون إلى أن يفرجها الله .
فاطمة في الأربعينيات من عمرها، مصابة بسرطان الثدي تحكي معاناتها مع المرض: منذ أربع سنوات أصبت بورم ، كانت صدمة عنيفة هونها كثيراً أن العلاج مجاني ، وبعد صراع سنة مع المرض والالتزام بالعلاجات الكيميائية والإشعاعية وإزالة الورم فشلت المحاولة لأنه كان قد انتشر ؛ فخضعت لعملية جراحية لاستئصال العضو كاملاً لكن بعد ثلاث سنوات من التعافي عاد الورم مجدداً في مكان آخر.. قبل شهرين حدد لي الأطباء جرعات ، 26 جلسة إشعاع في الشهر وأدوية يومياً أتناولها في المنزل فتحسنت حالتي الصحية.
خولة من ذمار في العقد الثالث من عمرها تقول : منذ سبعة أشهر عانيت من تورم وألم شديد في بطني مفاجئ ، شعرت حينها أنني سأنفجر ؛ فتوجهت إلى مدينة “معبر” لإجراء عملية ثم أشعة مقطعية، قال الأطباء أنني سليمة ، لكن ما يزال العلاج بالجرع مستمراً.
أم قاسم في الأربعينيات من عمرها، تعاني منذ أكثر من 15 سنة من ورم في الرحم ، أخبرها الأطباء أنه حميد لكنه صار ملازماً لها ، ما إن يغادر جسدها حتى يعود مجدداً، تقول : “خضعت للعلاج الكيماوي والإشعاعي وأتناول الأدوية يومياً وسافرت للعلاج في مصر مرتين بعد تعاون أهل الخير في الحي لكن .. التعافي مؤقت شهرين ثلاثة ويعود المرض مجدداً مترافقاً بآلام شديدة وتورم في جسدي .
عشرات الآلاف مهددون بالموت
د.عفيف النابهي أطلعنا على معاناة المركز الذي يديره قائلاً : سيفقد عشرات الآلاف من مرضى الأورام أرواحهم إذا لم تقم وزارة المالية والبنك المركزي بتأمين التعزيز المخصص لحساب المركز في موازنة عام 2016م الذي يقدر بمليارين و440 مليون ريال قيمة علاجات سواء كانت كيميائية أو داعمة أو هرمونية أو مناعية لمرضى الأورام على مستوى البلد، كما أعلنا أكثر من مناقصة عبر اللجنة العليا للمناقصات، لكن شركات الأدوية لم تتقدم بسبب مديونية وزارة المالية لهذه الشركات والمقدرة بملياري ريال ، فإذا استطعنا تجنيب المبلغ ضمنا حقها وبالتالي سنضمن توفير علاجات مرضى الأورام.
متابعاً : نعاني من نقص حاد في الأدوية وبعضها لم يعد موجوداً ؛ فنضطر إلى تغيير البرنامج الكيميائي لأن علاجاً واحداً ليس موجوداً وتغيير النظام طريقة غير سليمة للمريض فرضها الواقع، متسائلاً : ماذا عن الغد عندما نفقد أكثر العلاج ؟!
ويضيف د. النابهي: لمرضى الأورام خصوصية وعلاجهم خاصة الكيميائي والهرموني والمناعي لا يوجد في الصيدليات الخارجية وإن وجد فبمبالغ باهظة جداً ، ما يعني أن أكثر من 80% لن يستطيعوا شراءه فضلاً عن أن فعالية الأدوية المهربة عليها استفهام ؛ لذلك أدعو محافظ البنك المركزي والقائم بأعمال وزير المالية أن يضعوا الأولوية المطلقة لمرضى الأورام ، وهنا إما تقوم الدولة بإنقاذ حياتهم أو يموت عشرات الآلاف .
صعوبة شراء الأدوية
ويستدرك مدير مركز الأورام منوهاً بجهود الحكومات المتعاقبة واهتمامها بمرضى السرطان:الدولة لم تقصر فموازنة مركز الأورام لا بأس بها حيث تقدر بمليارين و440 مليون ريال وإن وجد نقص في نوعية الأجهزة خاصة العلاج بالإشعاع ، وكنا في طريقنا نحو مناقصة بجهاز يسمى معجلاً خطياً كلف حينها حوالي4 ملايين دولار ( 100 مليون ريال )، وبنينا مبنى جوار المركز، وكنا في طريقنا نحو رفع مستوى الخدمات بالعلاج الإشعاعي وليس فقط الكيماوي ولكن توقف كل شيء بسبب العدوان والحصار .. المباني وشراء الأجهزة .. والآن أصبحنا في مشكلة أخرى لم نعد نستطيع شراء أدوية المرضى.
المشكلة في مهندس خبير
المركز يملك جهازين فقط للعلاج المشع فيما نحن بحاجة على الأقل إلى أربعة أجهزة ، وقبل حوالي تسعة أشهر ( قبل العدوان ) تبرع صندوق أبو ظبي للتنمية للمركز بجهازين جهاز للتخطيط الإشعاعي وجهاز التخطيط المحوري الطبقي يكلف كل منهما مليون دولار، لكن جهاز التخطيط الإشعاعي لم يستخدم لوجود صعوبات في استقدام مهندس ذي خبرة لتركيبه ، الخارج امتنع عن إيفاد أي مهندس إلى اليمن ليركب الجهاز فحاولنا عبر الشركة أن يأتي إليها مختص يمني ليتدرب على كيفية تركيب الجهاز لكن المحاولات باءت بالفشل ، وما نزال حتى اليوم نتواصل مع السعودية لأن الجهاز النظير لهذا الجهاز سيركبونه هناك.
وأضاف: المشكلة أن الجهاز السابق للتخطيط الإشعاعي ما يزال معطلاً وأخيراً انتهينا من تركيب الجهاز الثاني C.T SCAN ( التصوير بالأشعة المقطعية ) بعد عناء وكفاح في ظل الظروف الحالية ، وهو جهاز حديث جداً بل إنه الأفضل على الإطلاق في اليمن وسيخفف عن المرضى الاستنزاف المستمر لأن كل مريض بحاجة إلى عمل أشعة مقطعية كل ثلاثة أشهر بتكلفة40 ألف ريال خارج المركز، وحالياً نفكر بكيفية توفير نفقة تشغيل الجهاز للتخفيف من معاناة الآلاف من مرضى السرطان.
منظمات للتكسب بالمرضى
وعن الجهات الداعمة ودور منظمات المجتمع المدني يقول د. النابهي: نتلقى الدعم من الحكومة ولا دور لمنظمات المجتمع المدني ومنها من يتكسب باسم مريض الأورام، لكن توجد منظمات قليلة جداً فاعلة ولها دور في مساعدة المركز وخدمة مرضى الأورام وعلى رأسها المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان .
من جهته يقول محمد المحفدي المسؤول الإعلامي للمركز الوطني لعلاج الأورام : تم اعتماد موازنة المركز في البداية لـ 200 حالة لكن حالات الإصابة أصبحت تصل بعد 2006 ما بين 400- 450 في ظل ثبات الموازنة ، وخلال العامين السابقين تم رفع الموازنة من 200 إلى 300 حالة في العام .
المركز يحاول قدر الإمكان أن يرتقي بالخدمات التي يقدمها في إطار الإمكانيات المتاحة بما يساهم في التخفيف من معاناة مرضى الأورام على مستوى البلد ، وهناك مشاريع متعثرة باسم المركز كبناء مركز أورام هو امتداد للمبنى الحالي وآخر في منطقة الجرداء واستكمال الطرق العلاجية، فحتى اليوم لا توجد جراحة بالإضافة إلى توفير الأجهزة والمعدات اللازمة كماً ونوعاً سواء كانت تشخيصية أو علاجية وتأهيل الكوادر الطبية .