حرية التعبير في الإسلام

د . تيسير رجب التميمي –
من الشواهد القرآنية على ضرورة ممارسة الحق في حرية التعبير الدعوة إلى إعمال العقل والتفكير وتجنب اتباع الظن¡ قال تعالى “إöن الذöين◌ِ لا ي◌ْؤúمöن◌ْون◌ِ بöالآخöر◌ِةö ل◌ِي◌ْس◌ِمون◌ِ الúم◌ِلائöك◌ِة◌ِ ت◌ِسúمöي◌ِة◌ِ الأنúث◌ِى * و◌ِم◌ِا ل◌ِه◌ْمú بöهö مöنú عöلúم◌ُ إöنú ي◌ِتبöع◌ْون◌ِ إöلا الظن و◌ِإöن الظن لا ي◌ْغúنöي مöن◌ِ الúح◌ِق ش◌ِيúئا◌ٍ” النجم 27- 28 . وعاب الله سبحانه وتعالى على المشركين تقليدهم الأعمى لموروث الآباء والأجداد في العقائد والعبادات وأسلوب التفكير¡ قال تعالى “و◌ِك◌ِذ◌ِلöك◌ِ م◌ِا أ◌ِرúس◌ِلúن◌ِا مöنú ق◌ِبúلöك◌ِ فöي ق◌ِرúي◌ِة◌ُ مöنú ن◌ِذöير◌ُ إöلا ق◌ِال◌ِ م◌ْتúر◌ِف◌ْوه◌ِا إöنا و◌ِج◌ِدúن◌ِا آ◌ِب◌ِاء◌ِن◌ِا ع◌ِل◌ِى أ◌ْمة◌ُ و◌ِإöنا ع◌ِل◌ِى آ◌ِث◌ِارöهöمú م◌ْقúت◌ِد◌ْون◌ِ” الزخرف ¡23 فكان حريا◌ٍ بهم أن ينقدوا ويدققوا ويمحصوا ويتفحصوا تراث آبائهم وأجدادهم¡ فإن وجدوا خيرا◌ٍ اتبعوه وإن وجدوا غير ذلك تركوه .
ونهانا الرسول¡ صلى الله عليه وسلم¡ عن التبعية للآخرين وتقليدهم على غير بصيرة¡ بل وجهنا إلى وجوب تكوين الرأي المستقل بحيث نمتلك الإرادة الحرة في التفكير والتعبير فقال “لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا¡ ولكن وطøنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا” رواه الترمذي .
وحرية التعبير حق مكفول للإنسان في الإسلام يمارسه المحكوم كما يمارسه الحاكم من خلال الشورى .
شاور¡ عليه الصلاة والسلام¡ أصحابه في الخروج لملاقاة قريش في غزوة أحد¡ فقد وصل جيش قريش في السنة الثالثة للهجرة قريبا◌ٍ من المدينة المنورة¡ فاجتمع¡ صلى الله عليه وسلم¡ بأصحابه يتشاورون: هل يخرجون لمقاتلة الغزاة خارج المدينة¿ أم يستدرجونهم إليها لمقاتلتهم فيها¡ فكان رأي الشباب أن يخرجوا لملاقاتهم خارج المدينة فاستجاب¡ صلى الله عليه وسلم¡ لهذه المشورة رغم أنها تخالف رأيه .
وأخذ¡ صلى الله عليه وسلم¡ بمشورة سلمان الفارسي¡ رضي الله عنه¡ بحفر الخندق في غزوة الأحزاب¡ ففي السنة الخامسة من الهجرة خرج ما يقرب من أربعة وعشرين ألف مقاتل من قريش وحلفائها من القبائل لحرب المسلمين بتأليب من زعماء اليهود¡ فجمع الرسول أصحابه لمشاورتهم¡ وهنا قدم سلمان الفارسي اقتراحا◌ٍ مذهلا◌ٍ يتمثل بحفر خندق حول المنطقة المكشوفة من المدينة¡ وهذا أسلوب في الحرب لم تعهده العرب¡ ففوجئ المشركون بالخندق الذي حال بينهم وبين اجتياح المدينة¡ فانقلبوا خائبين يجرون أذيال الفشل والهزيمة .
وجاء رجل إلى عمر بن الخطاب يوما◌ٍ فقال له على رؤوس الأشهاد: اتق الله يا عمر¡ فغضب بعض الحاضرين من قوله وأرادوا أن يسكتوه عن الكلام¡ فقال لهم عمر (لا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نسمعها)¡ وعن حذيفة قال (دخلت على عمر وهو قاعد على جذع في داره وهو يحدث نفسه فدنوت منه فقلت: ما الذي أهمøك يا أمير المؤمنين¡ فقال: هكذا بيده وأشار بها¡ قلت: ما الذي يهمøك¿ والله لو رأينا منك أمرا◌ٍ ننكره لقومناك¡ قال: آلله الذي لا إله إلا هو لو رأيتم مني أمرا◌ٍ تنكرونه لقومتموه¿ فقلت: آلله الذي لا إله إلا هو لو رأينا منك أمرا◌ٍ ننكره لقومناك¡ قال: ففرح بذلك فرحا◌ٍ شديدا◌ٍ¡ وقال: الحمد لله الذي جعل فيكم أصحاب محمد من الذي إذا رأى مني أمرا◌ٍ ينكره قومني) .
وعارضت الصحابية خولة بنت ثعلبة عمر¡ رضي الله عنه¡ في مسألة تحديد مهور النساء (فقد خطب الناس يوما◌ٍ فحمد الله تعالى وأثنى عليه وقال ألا لا تغالوا في صداق النساء فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال ثم نزل¡ فعرضت له امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين أكتاب الله تعالى أحق أن يتبع أو قولك¿ قال: بل كتاب الله تعالى فما ذاك¿ قالت نهيت الناس آنفا أن يغالوا في صداق النساء والله تعالى يقول في كتابه “وآتيتم إحداهن قنطارا◌ٍ فلا تأخذوا منه شيئا◌ٍ” النساء ¡20 فقال عمر رضي الله عنه كل أحد أفقه من عمر مرتين أو ثلاثا◌ٍ ثم رجع إلى المنبر فقال للناس إني كنت نهيتكم أن تغالوا في صداق النساء إلا فليفعل رجل في ماله ما بدا له).
< قاضي قضاة فلسطين سابقا◌ٍ

قد يعجبك ايضا