الدولة المركبة.. دولة الشراكة
يتحدث ساسة أيامنا هذه عن الشراكة باعتبارها فهما مقتصرا على التوافق وقبول الآخر في أجهزة ومؤسسات الدولة, ولا نرى ذلك إلا فهما قاصرا لا يستوعب الحالة اليمنية في البعد الحضاري والبعد الثقافي والتكوين العام للذات اليمنية وهو تكوين تجادبته الأحداث المتوالية في السنين والحقب التاريخية المختلفة, كما أن ذلك الفهم يظل عاجزا عن تحقيق الاستقرار باعتباره من الشروط الموضوعية لبناء الدولة وتحقيق القدر الكافي من التنمية والرفاه الاقتصادي.
علينا أن ندرك إدراكا جيدا أن الشراكة تذهب إلى أبعاد ومفاهيم مختلفة فموضوعها متشعب وهو في جوهره يعني إحلال قيم مكان أخرى ومبادئ مكان أخرى وإفراغ العصبيات من قيمها الصراعية وإحداث الانتقال اللازم في وجدانها وتصوراتها فالعصبية التي تشعر بفقدان القيمة والمعنى في حركة الوجود والحياة تملأ وجودها بقضايا التدمير وهي في الوقت نفسه تملك الاستعداد الكافي للاشتغال على القيم التي تعمل على إحياء الناس وتحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي, فقضية العصبيات قضية وجودية في مقامها الأول وحين تحتك بالواقع الموضوعي وتصطدم بشروط القاهرة يشغلها ويعيد ترتيب تصوراتها بما يتسق مع اللحظات الحضارية الجديدة وقد تبدأ تدب حركة الحياة في تصوراتها وفي تفاعلاتها مع حركة الحياة وفي تلك اللحظة تبتعد عن التفكير في وسائل الانتقال لتبدأ في التفكير في المعضلات التي تواجهها وقد تبتكر حلولا للحياة كما ابتكرت حلولا للموت والدمار.
فالعصبية الدينية هي من أقوى العصبيات التي تعمل على تفكيك الدولة وتعمل على الإقلاق وزعزعة الاستقرار ولذلك فالقول بشراكة هذه العصبية في السلطة والثروة وفق شروط التعدد أصبح ضرورة ملحة في واقعنا العربي واليمني على وجه الخصوص, وإذا كان هدفنا هو البناء والتنمية وتحقيق النفعية والمصلحة المرسلة للناس والمجتمع فمثل ذلك الهدف يجعلنا نخرج من حالة المكابرة والممانعة لنعترف بسلطة العصبية الدينية كسلطة أمر واقع لا يمكننا مهما بلغت بنا القوة تجاوزها ولذلك فالاعتراف المؤسسي بهذه السلطة هو الطريق الأمثل لتوظيف طاقتها الانفعالية في جوانب التنمية والخير بدلا عن جوانب الشر والتدمير ومثل ذلك يقودنا إلى الحديث عن كيان مؤسسي ديني قائم على مبدأ الحوار والتوافق والجدل الفكري والفقهي والبحثي يضم في تمثيل متساو وعادل كل الفرق والطوائف الدينية وتكون رئاسته دورية ويشرف على الجوانب الدينية والاجتماعية ويكون مسؤولا مسؤولية مباشرة على الأوقاف والزكاة والفتوى والمساجد والمدارس والكليات الدينية والجمعيات الخيرية الاجتماعية والتنموية, وصندوق الرعاية الاجتماعية والحج والعمرة ويتولى تقديم الخدمات الثقافية والإنسانية والاجتماعية لذوي الاحتياجات الخاصة ومن خلال التفاعل والاحتكاك بين الفرق والمذاهب المختلفة قد نشهد تنافسا أخلاقيا وهو الأمر الذي يعكس نفسه على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية كما أنه يوفر ضابطا أخلاقيا وقانونيا لحركة المجتمع التي تشهد تشوها في جوانبها الإنسانية والأخلاقية وهو الأمر الذي ترك أثرا على الأبعاد الحضارية وبمثل ذلك نكون قد حققنا بعدا مهما من فلسفة الشراكة من خلال التوظيف الأمثل للنزعات الفطرية والثقافية لبعض مكونات المجتمع.
أما العصبية الأخرى الأكثر تأثيرا وهي العصبية الاجتماعية أو العشائرية فنرى من الأفضل إعادة النظر في وظيفة مصلحة القبائل التي تكلف الدولة مبالغ باهظة في الموازنة العامة للدولة وبحيث يتم توظيف تلك المبالغ بالشكل الملائم الذي يحقق التناغم والانسجام ونرى إنشاء مجالس عشائرية في كل وحدة إدارية يرأسها مدير الوحدة الإدارية وتكون مهمتها تحقيق حالة الاستقرار الاجتماعي والنظر في قضايا النزاعات والثارات ومساندة الأجهزة الأمنية في الضبط والحد من الجريمة والإسهام في عملية التنمية وتوزع موازنة مصلحة القبائل على الكل وبصورة متوازنة وعادلة دون انتقاص أو انتقائية وبحيث نتمكن من إذابة الفوارق بين أفراد المجتمع ونعمل على توظيف الطاقات بما يخدم أهداف التنمية من خلال حالة الشراكة والشعور بالمسؤولية الوطنية والشعور بالقيمة والتفاعل الوجودي وهو الأمر الذي سيحد من حالة التقطعات والاختطافات والاستهداف الدائم للمصالح العامة ذات الأثر على الاقتصاد الوطني.
وفي موازاة ذلك يتوجب الشروع في رسم خارطة طريق اقتصادية تعيد الترتيب الاقتصادي بما يحقق عدالة التوزيع بين الجغرافيات الوطنية وبحيث لا يكون رأس المال الوطني مركزا في جغرافيا بعينها بل يشمل اليمن كله والأجدى أن تنشأ شركات مساهمة وبحيث يرتبط اقتصاد الدولة بالشركات المساهمة ولا يتفاعل مع الشركات الخاصة إلا في الحدود التي تحفظ التوازن الاجتماعي والاقتصادي.
وفي مقابل المجتمع التقليدي يكون هناك المجتمع المدني الحديث الذي يتنافس ويتفاعل وفق النظم والأسس الديمقراطية على رسم ملامح اليمن الجديد في حالة تتسم بالقدر الكافي من التناغم ومجسدة