الضربات اليمنية على الصهاينة مستمرة وفي مسار تصاعدي، وما ضربة مطار “رامون” إلا عينة على نوعية الضربات المميتة التي ينتظرها قطعان اليهود على أرض فلسطين المحتلة، هذه الضربات لم تعد مجرد رسائل عابرة بقدر ما أصبحت معادلة ردع حقيقية أربكت العدو وخلطت أوراقه الاستراتيجية، وفتحت أفقاً جديداً أمام الأمة لتدرك أن المشروع الصهيوني قابل للكسر إذا ما وُجدت الإرادة والإيمان والاستعداد للتضحية.
ويكفي أن اليمن جعل من تلك الأرض العربية سجناً للمحتلين، وجميعهم محكومٌ عليهم بالإعدام، ينتظرون ساعة الصفر التي لا مهرب منها. فالمطارات التي شُيدت للهروب باتت أهدافاً للصواريخ، والموانئ التي جاؤوا عبرها تحولت إلى مصائد محاصرة، وحتى المستوطنات التي ظنوها حصوناً آمنة غدت كالثكنات العسكرية المترقبة للانهيار في أي لحظة. لم يعد العدو يتحرك بحرية، بل يعيش حالة قلق دائم، يترقب الضربة التالية كما يترقب المحكوم تنفيذ الحكم عليه، وكل يوم يمر يضيّق الخناق أكثر على وجوده حتى يصبح مجرد بقايا محاصرة بانتظار النهاية.
والسؤال هنا: كم سيصمد المحتلون على أرض فلسطين وهم يعرفون جيداً أنها ليست أرضهم؟ إنهم يعيشون في مكان لا ينتمون إليه، ويشعرون في داخلهم أن مستقبلهم فيه مظلم ومميت. ولهذا يدرك كثير منهم أن الأفضل لهم ولأبنائهم أن يغادروه إلى الأبد قبل أن تتحول حياتهم إلى جحيم لا يطاق. بقاؤهم هناك مسؤولية يتحملون نتائجها وحدهم، فلا الأرض أرضهم، ولا الناس يقبلون بوجودهم، بل ينظر إليهم الجميع كقتلة ومجرمين، ومن الطبيعي أن يطالب أصحاب الأرض بالقصاص منهم ولو بعد سنوات طويلة. والتجارب التاريخية تؤكد أن كل قوة احتلت هذه الأرض رحلت عنها في النهاية، واليهود ليسوا استثناءً من هذه القاعدة.
وكما يعرف العرب جميعاً فإن قرار زوال الكيان مرهونٌ بحجم العمالة التي يمارسها الحكام العرب، فلولا الأموال الخليجية والحماية التي توفرها دول الطوق لما بقيت “إسرائيل” كل هذه المدة، ولما تجرأت على ممارسة كل هذه العربدة والإجرام بحق مسلمي فلسطين. ولولا خياناتهم لما حُوصرت غزة كل هذه السنوات ولما استُبيحت دماء الأطفال والنساء أمام صمتٍ عربيٍّ رسميٍ مخزٍ. لكن ذلك كله إلى زوال بإذن الله، فقد بدأت موازين القوى تتغير، وها هو اليمن الفقير المحاصر يصنع المعجزات ويكسر هيبة “الجيش الذي لا يُقهر”، ويبعث برسالة واضحة أن الشعوب إذا نهضت لا يمكن لقوى الاستكبار أن توقفها.
وما الضربات اليمنية إلا بداية لذلك الهلاك المحتوم المعروف قرآنياً بـ “وعد الآخرة”، ذلك الوعد الذي بشّر به القرآن الكريم بنهاية الطغيان الصهيوني وسقوطه سقوطاً مدوياً، لتعود الأرض إلى أهلها الحقيقيين، وليفشل المشروع الغربي الذي طالما سعى لترسيخ كيانٍ دخيل على جسد الأمة. إن مشهد الصواريخ والطائرات اليمنية وهي تضرب العمق الفلسطيني المحتل يذكّر الأمة أن الطريق إلى القدس ليس بعيداً، وأن ساعة الخلاص تقترب كلما ارتفعت التضحيات وتعاظمت الإرادة، وأن العدو مهما تفرعن فمصيره إلى مزبلة التاريخ كما آل فرعون وهامان من قبل.