أيهمـا أولا.. “داعــش” أم “آل سعــود”¿

“يا عالــم صدقونــا.. إن ما تريده أمريكا هو تقسيم دول المنطقة من العراق إلى سورية إلى اليمن.. بل حتى السعودية ستقسـم”… بهذه الصرخة المدوية التي هي عبارة عن خلاصة حاسمة ونهائية أوجز سماحة السيد حسن نصر الله في إطلالته الأخيرة الوضع في المنطقة فقطع الشك باليقين وأوضح ضمنا بلغة الإشارة بدل صريح العبارة أن لا عودة للوضع الذي كان قائما وأن المشروع الصهيو – أمريكي وإن انكسر في محطة وتعثر في أخرى إلا أنه ماض حتى تحقيق أهدافه النهائية بفضل “الصبر الاستراتيجي” وسلاح «داعش»..
هذا يعني أن أمريكا لا تتعامل مع أزمات المنطقة بردات الفعل الارتجالية وإن بدا الأمر كذلك من حيث الظاهر لأنها هي من خلقت الأزمات وتسعرها بمقادير معينة وتتحكم فيها وفق ضوابط محددة حتى لا يؤدي الأمر إلى انفجار كبير ينتهي بمصيبة تحل بـ”إسرائيل” و”السعودية” وتفضي إلى كارثة تعصف بمصالح امبراطورية روما الجديدة في المنطقة..
ومن المعلوم أن أمريكا كدولة عظمى تشتغل برؤية بعيدة المدى وفق استراتيجية كبرى بأهداف سياسية وعسكرية وأمنية وإعلامية واقتصادية تضع لها مخططات عملية بسيناريوهات مرنة عديدة ومتعددة وتخصص لها الإمكانات اللازمة أملا في أن يصب تنفيذها في الغاية النهائية التي أسست عليها رؤيتها وبالتالي فما هو مسموح به لأي رئيس أمريكي ديمقراطيا كان أم جمهوريا هو تغيير المقاربة من حيث التكتيك فقط لا تغيير الرؤية والأهداف الاستراتيجية الكبرى..
وبالتالي فما قاله سماحة السيد يمثل حقيقة الرؤية الأمريكية للشرق الوسط بحيث يتم تقسيم كل الدول الكبيرة التي يمكن أن تشكل تهديدا مستقبليا لـ”إسرائيل” وعلى رأسها دول محور المقاومة وحركاته الجهادية التي شكلت نقلة نوعية في أسلوب وأدوات الصراع مع المشروع الصهيو – أمريكي الكبير الذي تحدث عنه سماحة السيد في خطابه ما قبل الأخير.
وعلى ضوء هذه المعطيات الأساسية التي يبنى عليها في فهم طبيعة الصراع وأدواته واستشراف مآلاته ونتائجه وتداعياته الكارثية نستطيع الجزم بما سبق وأن قلناه في أكثر من مقالة ومناسبة من أن أوباما هو مجرد رئيس لسلطة تنفيذية لا يملك أن يغير الثوابت التي وضعتها الدولة العميقة في الولايات المتحدة وسيكتفي في المرحلة القادمة بما أنجزه في الملف الكوبي والنووي الإيراني ليرحل الأزمات المعلقة لمن سيخلفه في البيت الأبيض بعد سنة ونصف من الآن..
والسبب يعود إلى أن أي من أهداف الاستراتيجية الأمريكية التي تحدث عنها ‘هنري كيسنجر’ وغيره من دبابات الفكر الأمريكي لم يتحقق منها شيء بالكامل لأن مرحلة الفوضى والهدم والخراب بالأسلوب الناعم لم تنته بعد ليتم البدء بإعادة البناء على أساس الخرائط الجيوسياسية الجديدة كما أن إقامة التوازن بين القوى الإقليمية “السنية” و “الشيعية” لن يكون في المتناول خلال الفترة المتبقية من عمر الرئاسة الأوبامية التي يحرص “الشيطان الأكبر” على تمريرها بسلاسة دون أن يورط بلاده في حرب إقليمية محتملة..
بدليل أن أوباما رفض مشروع المنطقة العازلة في الشمال السوري التي حاول جره إليها أردوغان وأقال منسق التحالف الدولي الذي أوعز للسلطان بموافقة البنتاجون على إقامتها من دون علم الرئيس أثناء زيارته الأخير لكينيا كما أن الانتقادات اللاذعة التي أثيرت حول تدريب أمريكا لـ 54 مقاتلا من “المعارضة المعتدلة” لمواجهة “داعش” والإطاحة بالنظام في دمشق بعد هزيمة مئات الألوف من الجيش العربي السوري كانت في غير محلها.. لأن أمريكا ليست غبية إلى هذا الحد في حين أن وظيفة هؤلاء الوحيدة وفق ما كشف عنه تقرير للصحفي ‘تيري مايسن’ هو تحديد الأهداف المراد قصفها على الأرض باعتبارهم من السوريين الذين يعرفون جغرافية المنطقة ولا يمكن المجازفة بإرسال عناصر من المخابرات الأمريكية ليقوموا بالمهمة في منطقة تسرح وتمرح فيها التنظيمات الإرهابية باختلاف أسمائها ومسمياتها وبالتالي لا علاقة لهؤلاء ببرنامج تدريب المعارضة.
وبعد الرسالة التحذيرية التي أرسلتها طهران إلى أنقرة ومفادها أن إيران ستحول سورية إلى مقبرة للأتراك.. ثم رسالة الرئيس بوتين التي تلتها وأبلغ خلالها أردوغان عن طريق سفيره في موسكو بأن روسيا ستحول شمال سورية إلى ‘ستالينغراد’ للجيش التركي.. وقرار السيد محمد جواد ظريف استثناء تركيا من جولته الإقليمية الأخيرة كتعبير عن غضب طهران من مواقفه وتصرفاته اللاعقلانية.. ها هي روسيا تبعث برسالة واضحة للسلطان أردوغان ومن يقف معه و ورائه لكن هذه المرة بالفعل لا بالأقوال حيث بمجرد وصول 6 طائرات ميغ 31 لمطار دمشق العسكري فهم الجميع أن الدب لا يمزح وأن سورية خط أحمر لبلاده ولطهران فقررت ألمانيا سحب منظومة الباتريوت

قد يعجبك ايضا