“ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم”

من المفارقات العجيبة أن يرتبط دمار عدن بهادي منذ نشأته وتخابره مع المستعمر البريطاني إلى حركة الدمار الواسعة في 13 يناير عام 86م مرورا بحرب صيف 94م وصولا إلى المحطة الأخيرة محطة العدوان على اليمن في صيف 2015م وأمام كل محطة من تلك المحطات كانت أمواج عدن تقذف هادي إلى شواطئ الخوف والتربص والترقب ففي السبعينيات قذفته إلى السوفييت وفي 86م قذفته إلى صنعاء وفي 94م قذفته إلى موقع نائب رئيس الجمهورية ثم إلى رئيس جمهورية أما موجة العنف الأخيرة فقد قذفته إلى الرياض إلى الصحراء إلى التيه ولن يعود منها أبدا ذلك أن الرجل لم يكن صنيعة تجربة وليس برجل دولة وفق المقاييس اليمنية بيد أن حظه كان وافرا ولم يكن ذلك الحظ ليجد وفرة امتلاء بل وجد وفرة فراغ ولذلك دار في فلك الفراغ والتيه وغابت عنه جل الحقائق وذهب إلى لعنات التاريخ والناس أجمعين وليس بمستغرب على مثل هادي أن يلعن نفسه بنفسه بفمه ولسانه في وسائل الإعلام اليمنية وكأنه يقول لليمن ولليمنيين لقد آليت على نفسي أن أكون في مربعات الخزي والعار منذ البدايات ولم يكن يدرك وهو يطلق العنان للسانه وهو يردد اللعنات التي أصبح الإعلام يصوبها إلى صدر هادي وإلى تاريخه وهو يحجب نفسه في غرف مغلقة في فنادق الرياض يتابع حركة الدمار التي تلحق باليمن أرضا وإنسانا وفي السياق ذاته يتابع نفسه في وسائل الإعلام اليمنية وهو يلعن نفسه وأظنه يشعر براحة بال ورضى ضمير.
لم يحظ هادي بجماهيريه ولم نر يوما له سندا جماهيريا فقد عاش الرجل في عزلة وفي الغرف المغلقة ولم يفق من دهشة السلطة إلا وهو في قصر المعاشيق بعدن وهو يتهيأ للهروب إلى الرياض وفي زمن سلطته كان يدير التناقضات بعقوبات مجلس الأمن وهو أمر يتناقض مع الذات اليمنية التي تأبى الضيم كما أنه وقع ضحية تضليل الإخوان الذين فرضوا طوقا حوله فكان لا يرى إلا بعيونهم ولا يسمع إلا بآذانهم ومضى إلى نهاياته المفجعة التي تشبه نهايات الإخوان في كل الأطوار والأحداث.
ألم يدرك هادي أن الطائرات والبوارج لن تعيده إلى السلطة وإن ظن ذلك فقد وضع في الوهم وما يزال في سكرته التي يدور في فلكها منذ إعلانه الاستقالة في فبراير 2015م إذ ظن حينها أن الشعب بمجرد إعلانه الاستقالة سيخرج يملأ الساحات والشوارع وكان صمت الشارع أبلغ رسالة لهادي وكان العدوان أعنف ردة فعل يجازي بها هادي هذا الشعب ويبدو أن هادي لم يدرك أن اليمن لا تمنح حنانها وتأييدها إلا للكبار الرواد الذين يقتربون منها والأكثر تعبيرا عن تطلعاتها ولم يكن هادي بالزعيم الذي يتفق وطبيعة الإنسان في اليمن كما أنه في تداخله مع عدوان المملكة على اليمن لا يبدو إلا حالة تناقض وحالة ثأر مع خصومه الذين مدوا اليد يد الاحسان بالأمس وعض تلك اليد وهو في أوج سلطته فالذين آووا هادي وحفظوا ماء وجهه خوف أن يراق على تراب الحاجة هدم منازلهم وقتل أطفالهم وشرد أسرهم وقد تواترت الروايات الدالة على نزعة الشر التي تخامر هادي وهو في الرياض وقيل أنه غضب على القيادات التي كانت تعارض حركة الاغتيالات التي تقوم بها طائرات العدوان وتهدم المنازل وفرض حصارا حول تلك القيادات المعارضة لحركة هدم المنازل والاغتيالات وقيل أن هادي أصبح شبه معزول وهو يدور حول نفسه ولا يكاد يبرح ذاته فقد تواترت الأخبار التي تتحدث عن اختلافه مع خالد بحاح ومع قيادات الإخوان الذين أصبحوا أكثر قربا من الجهاز الاستخباري السعودي وقيل أن دائرة هادي مقفلة على العليمي والعتواني والأحمدي في حين تم تعطيل قدرات كل الذين لحقوا بهم وكاد أكثر أولئك الذين لحقوا بهادي يشعرون بفقدان المعنى والقيمة وبالخزي والعار وقد اخترقت القيادات السياسية ولم تنل تعويضا يوازي حجم الخسارة وقيمتها ومن الغرائب أن هادي لم يكن فاعلا ولكنه أصبح موظفا بسيطا بدون قيمة أو معنى في مكتب محمد بن سلمان ولا أدري كيف لمثله أن يرضى لنفسه تلك المنزلة الدنيئة والمنحطة وقد كان من كان وكيف لتلك القيادات التي كان يتسولها الناس أن تتحول إلى حالات متسولة مهانة ذليلة على الأبواب وكاد الكثير أن يصبح متسكعا في الشوارع وعلى الأرصفة في الرياض وهم يعانون من تأنيب الضمير وجلد الذات بحكم المدخل الثقافي الوطني الذي تداخل مع وجدانهم في زمن التكوين.
لقد قضى الله أمره ولا نظن أن المملكة كانت مدركة لخطورة الخطوة التي أقدمت عليها مع هادي ولا نرى المملكة وهادي إلا في مرتبة واحدة وفي سبيل واحد نهايته أضحت معروفة لكل ذي لب ولم علم الله خيرا في هادي وفي آل سعود لأسمعهم ألا بعدا لهم وسحقا.

قد يعجبك ايضا