المشروع الاستعماري البريطاني وبقاؤه بالمملكة (2-2)
القارئ للتحالفات والمواقف السياسية لحكومة الرياض يدرك دون عناء أن مثل ذلك يتم وفق رؤية استراتيجية تخدم في المقام الأول المشروع الغربي ودوام مصالحه في المنطقة حتى تلك التحالفات القائمة على التجانس الثقافي سقطت أمام أجندة السياسة والمصالح المشتركة مع الغرب حتى الاتفاقات والمعاهدات تسقط أمام أجندة السياسة والمصالح المشتركة مع العرب ولذلك استغرب على أولئك الذين تحدثوا عن اتفاقية التعاون الأمني بين نظام صنعاء ونظام الرياض وعدم التزام الأخيرة وكأن الأمر جديد إذ أن جل معاهداتها واتفاقاتها مع صنعاء كانت غطاء إعلاميا وكلاما لا يتجاوز تصريحات قائليه في وسائل الإعلام وفي السياق إشارات دالة على ذلك ذلك أن تعاملها مع صنعاء كان يتم من مركز الأقوى إلى الأضعف كون الرياض تملك الكثير من الأزمة في يدها ولا تملك صنعاء شيئا يحفظ لها التوازن في معادلة الوجود رغم إمكانية الفعل ووجود المناخ الملائم له لكن الذي يبدو أن صنعاء تدير شؤونها السياسية وفق منظومة أمنية تقليدية وبوليسية بينما الرياض تدرك البعد المعرفي في خلق وتهيئة المناخات للأفعال السياسية ولعل القارئ المتمعن للمقابلة الشهيرة التي قام بها وفد من المملكة مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح ثم القيام ببث حلقات تحليلية لمفردات المقابلة وأبعادها النفسية والاجتماعية والسياسية يدرك إشارة الجهاز المخابراتي السعودي في قدرته على النفاذ والتحليل وخروجه من الأفق الأمني الضيق إلى الإطار المعرفي وكيفية توظيفها – أي المعرفة – لخدمة الأهداف السياسية ومثل ذلك الاهتمام ظل غائبا في حكام صنعاء.
في ظني أنه بإمكان حكام صنعاء ومثل ذلك أصبح ضرورة الاشتغال على الهويات السياسية والثقافية المتناثرة التي قام على أنقاضها النظام السعودي والعمل الجاد والدؤوب في السيطرة على مفاتيح تلك الهويات وبحيث تصبح ورقة ضاغطة تحفظ لها التوازن المفقود في العلاقة بين البلدين فآل الرشيد في حائل وأطراف نجد نظن أن من حق قبيلة عبس التاريخية أن تصرخ في هويتهم المكانية والتاريخية ومن حق عنترة أن يتفاخر بمجد أحفاده الذي حاولت أسرة آل سعود القضاء عليه وطمسه وتهجير رموزه إلى دول القرن الأفريقي والسودان.
لقد أصبح البقاء في هذا العصر مرتبطا بوعيك المعرفي حتى تتمكن من السيطرة على مفردات وجودك وإلا لن تجد نفسك إلا طردا ملغوما ومفردة مهملة في ذاكرة الزمان والعصر.
هناك ثمة حقائق تاريخية نظن أن التعامل معها بوعي سيعيد الحق الحضاري والتاريخي المسلوب لهذا الوطن كما سيعمل على خلق التوازن والمناخات الملائمة لوطن آمن بعيدا عن نزوات الجيران وشهوتهم التي تسعى إلى إذلال وتركيع إنسان هذا الوطن وقد أصبح من الضرورة بمكان أن تتعامل حكومة صنعاء مع تلك الحقائق بوعي معرفي قادر على إحداث التوازن في معادلة الوجود والبقاء وذلك لا يحتاج إلى كثير مال أو كثير جهد .. لكنه يحتاج إلى طاقة تفكير واعية فقط.. ومثل ذلك لا نظن حكومة صنعاء تعدمه ومن خلال ما سبق في السياق.. قد نصل إلى حقيقة مفادها أن آل سعود ما فتئوا يقومون بالدور التاريخي الذي كان وجودهم في شبه الجزيرة العربية على أساسه بدليل أن رئيس الأركان البريطاني صرح قائلا: أنه لا يستبعد التدخل العسكري البريطاني المباشر في اليمن لضمان أمن العالم بشكل عام والمصالح الغربية بشكل خاص وتدل تصريحات وزير المواصلات الصهيوني بشأن موضوع الطرود المفخخة على واحدية الهدف والغاية للمستعمر وتعاضد الأدوات التي تحقق طموحاته وغاياته في منطقة الشرق الأوسط ذلك أن الكيان الصهيوني والسعودي صناعة المشروع الاستعماري البريطاني التي يضمن من خلالهما دوام مصالحه في الأطر الجغرافية التي كان يحتلها قديما.
كل ذلك يفضي بنا إلى القول أن القاعدة صناعة مخابراتية دولية عمل التحالف الدولي بعد اندلاع حرب الخليج وتدميره للترسانة العسكرية العراقية على بلورتها وتكريسها في الوجدان الجمعي كقوة تهدد أمن العالم وتهدد مصالحه وبذلك تصبح القاعدة عالمية الفكرة سعودية المنشأ والصناعة والتنفيذ والتوظيف وليس بمستغرب على السعودية القيام بهذا الدور لأنه امتداد تاريخي لها لا يمكنها إلا القيام به حتى تضمن الأسرة الحاكمة من آل سعود طوال الأمد ودوام الاستقرار الأمني والاجتماعي والاضطراد في التنمية.
وحين شعرت حكومة الرياض بالأثر الناجم عن وجود القاعدة على أراضيها حاولت تصديرها إلى اليمن باعتبار اليمن ساحة صراع لتصفية حسابات حكومة الرياض مع خصومها بدءا من المد القومي وانتهاء بقطر كدولة تنازعها النفوذ الإقليمي.
ودلائل هذا المذهب من القول متعددة لا تخفى على حصيف وفي إبطال حادثة الطرود وملابساتها وجنسيات الذين قاموا بالفعل والذين أدلوا بالمعلومات وانتماءاتهم إشارات واضحة لما نذهب إليه.
الخلاصة أذهب إلى القول مطمئنا أن آل سعود يقومون بتنفيذ أجندة استعمارية وبذلك فقد رحل الاستعمار لكنه بقي في حكام المم